واشنطن وباريس وزيران في حكومة داعش.. معادلة غربية جديدة لدعم الإرهاب في سوريا
الأربعاء، 11 يوليو 2018 06:00 محازم حسين - وكالات
لم يعد الصراع في سوريا كما كان طوال سبع سنوات، خففت حدة كثير من الأصوات التي تعالت في الداخل السوري طوال هذه السنوات، مقابل ارتفاع صوت الجيش الرسمي، لكن ما زالت قطرات الدم الأخيرة في شرايين داعش تحاول تلطيخ وجه المشهد.
معارك ضارية خاضها الجيش العربي السوري طوال السنوات الماضية، دفع فاتورة قاسية في بعضها، وأحرز نجاحات واضحة في بعضها، لكنه واجه معاولات تعطيل وعرقلة دائمة من قوى إقليمية وعالمية، كان باديا للمتابعين أنها تقف في صف الميليشيات الإسلامية.
انسحاب أمريكي ودعم خفي
رغم الدعم الكبير من الولايات المتحدة وتركيا وقطر وبعض دول أوروبا، لم تنجح الميليشيات الإسلامية المسلحة في الحفاظ على مناطق نفوذها، تمكن الجيش السوري من حصارها، ونجح لاحقا في تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وكلما كانت وحداته تحقق نجاحا، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الداعمون للميليشيات يتراجعون، ليصل الأمر مؤخرا لتحرير كثير من المناطق، والاتفاق على مناطق خفض تصعيد، واستعداد واشنطن للخروج من سوريا بشكل كامل.
على الجانب المقابل لهذه التحولات ما زالت الآلة الإعلامية المساندة لتنظيم داعش الإرهابي تحتفظ بقوتها ونشاطها، ما يشير إلى احتمالات توفر دعم خفي لم ينقطع، يساعد التنظيم على البقاء لأطول فترة ممكنة، ويتبنى رواياته ووجهة نظره تجاه المشهد، وهو ما أكدته الخارجية الروسية مؤخرا بنفيها التقارير التي تتحدث عن خسائر للجيشين الروسي والسوري في درعا.
وجهة النظر الروسية جاءت ردا على تداول تقارير صحفية عن مقتل 35 مجندا روسيا في هجوم انتحاري جنوبي سوريا، وهو ما أكدت موسكو، بحسب ما نقلته وكالة أنباء "تاس" أنه عارٍ من الصحة ولا أساس له، وأنه "لم تقع خسائر في صفوف المجندين الروس لا في محافظة درعا ولا في سوريا بوجه عام" مشددة على أن هذه التقارير التي وصفتها بـ"الزائفة" يعدها تنظيم داعش الإرهابي.
داعش يضرب الجميع بسلاح فرنسا
على صعيد داعش، أعلن التنظيم أمس عن تبنيه هجوما انتحاريا في درعا جنوبي سوريا، أسفر بحسب زعمه عن سقوط 14 قتيلا من قوات الجيش العربي السوري وفصائل المعارضة التي وافقت على المصالحة مع الدولة السورية، وقال التنظيم الإرهابي بحسب ما نقلته قناة "سكاي نيوز" الإخبارية إن الهجوم الذي وقع في قريبة زيتون جرى تنفيذه باستخدام سيارة مفخخة يقودها انتحاري.
تحرك داعش على المحور الجنوبي يمثل ترجمة مباشرة لعدم الرضا عن اتفاق الجيش السوري مع بعض فصائل المعارضة على التهدئة في الجنوب، وخفض التصعيد في عدد من المناطق القريبة من سيطرة التنظيم، في الوقت الذي تتقدم فيه القوات السورية في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة في درعا، بشكل يُهدد معاقل داعش ومناطق نفوذه القريبة.
التقدم المتواصل للجيش السوري لم يتسبب فقط في تعميق الأزمة وحالة الحصار التي يعيشها تنظيم داعش في جيوبه الأخيرة، لكنه كشف عن حدود التورط المباشر لبعض الدول في دعم الميلشيات المسلحة المتحاربة مع القوات الرسمية، وكانت أحدث الحلقات ضبط الوحدات العسكرية السورية عددا من الأنظمة المضادة للدبابات من طراز أبيلاس الفرنسي، في مناطق متاخمة للوجود الداعشي في درعا جنوبي سوريا.
نظام أبيلاس الصاروخي الفرنسي تصنعه شركة Nexter للأسلحة والمعدات العسكرية، ويتميز بكفاءته الكبيرة فيما يخص دقة الرمي والأثر التدميري، بعيار صاروخي 112 ملليمترا، طوله 1.26 متر ووزنه 9 كيلو جرامات ومداه المؤثر 600 متر، وتتجاوز قدرة الاختراق 2000 ملليمتر للخرسانة و720 ملليمترا للصلب، والنظام مزود بمنظار ليلي وقدرة على تكبير الأهداف ثلاث مرات.
وصول الأسلحة الفرنسية المتطورة لأيدي داعش والميليشيات الإرهابية ليس أمرا غريبا، ففرنسا حاضرة بقوة في المشهد السوري، وتستطيع إيصال دعمها للمسلحين بشكل مباشر، كما يُحتمل أن تكون هذه الأسلحة قد وصلت لأيدي المقاتلين عبر الجنود والوحدات العسكرية الأمريكية، التي نشطت لفترات طويلة في الداخل السوري ووضعت يدها على مناطق عديدة وطرق حيوية تمثل خطوط إمداد مباشرة للميليشيات.
حرب التلاسن بين موسكو وواشنطن
الآن يمكن القول إن الحضور الأمريكي لم يعد بالقوة التي كانت عليها، أي أن الصراع بين واشنطن وموسكو قد يكون في سبيلها للتراجع، هذا الأمر يبدو صحيحا على الصعيد النظري، لكن تعقيدات المشهد لا تشير إلى إمكانية الخروج من الأزمة بهذه الصورة البسيطة، فما زالت الولايات المتحدة غير راضية عن الحضور الروسي القوي في الداخل السوري، وروسيا متحفزة للرد على أي ادعاءات أمريكية.
فيما يبدو أنه تطور جديد في معادلة الصراع، خرجت الاشتباكات الأمريكية من نطاق الحرب الجيوسياسية وسباقات السيطرة على الأرض وطرق الإمداد والمسارات الحيوية، إلى الحرب الإعلامية والتلاسن المباشر، بين اتهامات أمريكية للقوات الروسية بدعم ما تسميه "ميليشيات حزب الله" والتورط في ممارسات قاسية بحق المدنيين، وتصريحات روسية مباشرة عن الدور الأمريكي المشبوه، وادعاءات واشنطن غير الدقيقة حول طبيعة حضورها في الفضاء السوري.
في هذا الإطار، نفى وزير الدفاع الروسي سيرجى شويجو ما تحدثت عنه الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا بشأن مساعداتها للمدنيين السوريين، واضطلاعها بجهود إنسانية وأعمال إغاثة في مناطق الصراع وساحات المعارك الملتهبة، مشددا على أن واشنطن ليست صادقة في حديثها عن "تخصيص أموال مساعدة المدنيين السوريين المتضررين من الحرب".
جاءت رسالة الوزير الروسي حادة ومباشرة، حسبما نقلت صحيفة "إل جورنالي" الإيطالية، نافيا أن تكون الولايات المتحدة خصصت "سنتًا واحد" للجهود الإنسانية والإغاثية أو دعم ومساندة المدنيين في أي من المناطق المتضررة من الحرب الممتدة منذ أكثر من سبع سنوات، موجها اتهاما مباشرا للولايات المتحدة بالقول: "المدنيون فى الرقة يموتون حتى الآن بسبب الذخيرة والألغام المتروكة هناك بعد القصف المكثف لطيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة. أعداد هؤلاء المتضررين تُقدر بالعشرات أسبوعيا، بينهم أطفال".
وزيران في حكومة داعش
قد ينظر البعض لحدّة الخطاب الروسي باعتباره تعبيرا عن عداء وسخونة في أجواء العلاقات بين واشنطن وموسكو، وهذا أمر لا يمكن نفيه، لكنه في الوقت نفسه تعبير عن خريطة التحالفات على الأرض السورية، وفي مقابل خطاب روسي ساخن تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، أبرزهم فرنسا وبريطانيا، وداعم للدولة السورية وجيشها، فإن الخطاب الأمريكي نفسه، والغربي بشكل عام، يبدو منحازا ضد الدولة السورية، وداعما للميليشيات الإسلامية المسلحة.
مع تجفيف كثير من منابع تنظيم داعش وخطوط إمداده، ومحاصرته وإحكام الخناق عليه في جيوب أخيرة ضيقة، فإن التنظيم يقلص وجوده المباشر محوّلا نشاطه إلى الاستهداف المباغت بالعمليات الانتحارية على طريقة "الذئاب المنفردة"، بينما يتمدد على صعيد النشاط الإعلامي والخطاب الدعائي، الذي لا يبدو أن كل عناوينه وتفاصيله دقيقة، كما قالت روسيا عن واقعة مقتل 35 من مجنديها، ولكن التنظيم الذي أثبحت يده قصيرة للغاية يحتاج وزيرا للإعلام.
حالة الرواج التي تشهدها بيانات داعش لدى الصحافة والإعلام الغربيين، وما يسرّبه التنظيم من معلومات وأرقام غير مضمونة الدقة، تشير إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما تراجعوا عن النشاط المباشر في الساحة السورية، لكنها تولت في مقابل هذا موقع وزير الإعلام لدى التنظيم، بينما تشير واقعة ضبط أسلحة فرنسية على مقربة من مناطق نفوذ داعش، أن فرنسا ربما تكون تولت منصب وزير دفاع التنظيم.
بين فتح خطوط إمداد ودعم لوجيستي من الأسلحة المتطورة لـ"داعش"، وتبني خطابات التنظيم وترويجها، يبدو أن استراتيجية جديدة لدعم الإرهاب في سوريا تتبلور ملامحها في الوقت الراهن، وربما تنضم دول أخرى مستقبلا لحكومة داعش.