تدخل تركيا في هذه الأيام مرحلة سياسية جديدة بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات المشكوك في نزاهتها قبل نحو عشرة أيام، لتبدأ خطوات التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي الذي أقره الانتخابات الأخيرة، حيث تتوالي المراسيم التي ينقل من خلالها بعض الصلاحيات إلى الرئيس.
وبالأمس أصدرت تركيا مرسوما ينقل بعض الصلاحيات إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك لتعديل بعض القوانين، التي يعود تاريخها من عام 1924 إلى 2017، وسيغير الإشارة من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء إلى الرئيس ومكتب الرئيس.
وبموجب القانون الجديد سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء ويصبح بوسع الرئيس إصدار مراسيم لتشكيل وزارات وإقالة موظفين حكوميين دون الحاجة لموافقة البرلمان، حيث أذنت نتيجة الانتخابات الأخيرة بتطبيق نظام رئاسي جديد أيدته أغلبية بسيطة في استفتاء عام 2017، وهو ما اعتبرته المعارضة خطرا كبيرا على تركيا.
وفي ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، اعتقلت السلطات التركية الكثير من المواطنين بحجة معارضتهم لنظام الحكم في تركيا، ولم يمر على انتهاء الانتخابات أكثر من أسبوعين، لتأمر السلطات باعتقال 68 مشتبها به منهم ضباط جيش في عملية قيل إنها تستهدف أنصار الداعية فتح الله جولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب.
ويعتبر المراقبون أن الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تركيا تختلف عن أية انتخابات رئاسية أخرى، لأنها جاءت بعد تغيير الدستور لإحلال نظام رئاسي محل النظام البرلماني، لينقلب الرئيس التركي بجمهوريته الثانية في تركيا على جمهورية تركيا الأولى الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك الذي أنهى الإمبراطورية العثمانية في عشرينيات القرن الماضي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
الكاتب أليف شفق في صحيفة الحياة اللندنية يتحدث عن تركيا بعد 16 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان قائلًا: في تركيا، عناصر الديموقراطية أو مقوماتها كلها نزلت بها أضرار كبيرة وصارت مدمرة و«مكسورة» أو مقصومة الظهر، بعد 16 سنة من حكم حزب أردوغان، «العدالة والتنمية»، الاستبدادي »، مؤكدًا أنه منذ ترسيخ «حكم الأغلبية» لحزب اردوغان، انزلقت تركيا إلى الاستبداد وهو ما نتج عنه جو من الخوف، والتخويف والترهيب، والرقابة الذاتية.
وعن تعديل الدستور والانتخابات الاخيرة أكد حين تغلب «أكثرية» على بنى الحياة اليومية والمؤسسات كلها، وتهيمن عليها، لا تغير السياسة وجهاز الدولة السياسي فحسب في إشارة إلى تغيير النظام، بل تطال نسيج المجتمع ذاته، مؤكدًا اليوم غلب على النظام التعليمي ميول الحزب الحاكم الدينية، فمنذ عام 2000، ارتفع عدد خريجي المدارس الدينية من 60 ألف طالب إلى حوالى مليون ونصف طالب اليوم.
وهناك بعض الشكوك والتخوفات من أن تدخل تركيا مرحلة جديدة من عدم الأمن والاستقرار بعد هذه التغييرات السياسية الكبيرة، لاسيما بعد تنصيف قائمة "الدول الأكثر أمنا فى العالم" الصادرة عن معهد الاقتصاد والسلام الدولى تركيا فى المرتبة 149 من بين 163 دولة، وذكرت صحيفة "زمان" التركية، أنه تلى تركيا فى التقرير المعد لهذا العام نيجيريا، ويتم ترتيب البيانات عن الأوضاع الداخلية استنادا إلى الوضع الأمنى والاقتصادى لبلدان التماس مع مناطق الصراعات والحروب، فيما تصدرت أيسلندا رأس القائمة.
وتشهد مدن جنوب شرق تركيا ذات الغالبية التركية منذ أكثر من 30 عاما اشتباكات بين عناصر من حزب العمال الكردستانى الانفصالى والجيش التركى قتل خلالها أكثر من ثلاثين ألف شخص معظمهم المدنيين، كما شهدت البلاد قبل عامين تحرك للجيش التركى، فرضت على إثره الحكومة حالة الطوارئ، بعد أحداث الفوضى التى شهدتها تركيا فى ليلة 15 يوليو 2016 وأبرزها قصف مقر البرلمان.