هل يسقط أردوغان من فتحة صندوق الانتخابات؟.. محرم إنجه يبدأ المواجهة بمليوني تركي
الأحد، 24 يونيو 2018 11:05 ص
قبل يومين نظم السياسي التركي محرم إنجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري العلماني، أقدم الأحزاب التركية وأعرقها، مؤتمرا انتخابيا في مدينة اسطنبول، حضره بين مليون ومليوني مواطن من رافضي أردوغان.
كان الرئيس التركي الذي يتزعم حزبا إسلاميا يقبض على مقاليد السلطة في البلاد منذ أكثر من عقد، حزب العدالة والتنمية، قد فاجأ القوى السياسية والأحزاب والمجتمع التركي بالدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة قبل أسابيع، ما فسره محللون ومهتمون بالشأن التركي بأنها دعوة مباغتة بهدف حصار القوى السياسية، وتأمين انتصار سهل، وسط تراجع ملحوظ في شعبية أردوغان وحزبه، بجانب استعجال الاستفادة من التعديلات الدستورية التي مررها الرئيس التركي قبل شهور، وسط رفض واسع من القوى السياسية في البلاد.
استطلاعات الرأي التي تلت الدعوة للانتخابات المبكرة، التي انطلقت صباح اليوم الأحد، أشارت إلى تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية قياسا على آخر مؤشرات وأرقام حصدها الحزب، وأنه من غير المتوقع أن تُحسم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من الجولة الأولى، وفي الغالب سيذهب أبرز المتنافسين إلى جولة ثانية، وهو ما أكده أردوغان نفسه ضمنيا في تصريحات صحفية الخميس الماضي، قال فيها إن حزبه أعد رؤية لتشكيل ائتلاف حكومي حال عدم نجاحه في اقتناص الأغلبية البرلمانية الكافية لتشكيل الحكومة.
الواقع على الأرض يشير إلى مسار ربما يكون مفاجئا للرئيس التركي، الذي ينفذ سياسات متشددة بحق الشارع والقوى السياسية منذ صيف العام 2016، بعد استغلال تحرك محدود للجيش التركي اعتراضا على سياساته فيما يخص إدارة البلاد ودعم الميلشيات الإرهابية في سوريا والعراق، وإغلاق الصحف واعتقال المعارضين في الداخل، وهي التحركات التي اعتبرها أردوغان انقلابا عسكريا، وبعدما نجح في السيطرة عليها بدعم من ميلشيات مسلحة شكلها في وقت سابق من شباب حزب العدالة والتنمية، ومنحها صفة شرعية من خلال جهاز الشرطة، فإنه زاد من قبضته الحديدية الموجهة للقوى السياسية، وجاءت الضربة الأقوى في الدعوة للانتخابات المبكرة.
الانتخابات التي انطلقت صباح اليوم ويشارك فيها حوالي 60 مليون تركي، بحسب الكشوف الانتخابية، ربما تكون التحدي الأكبر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ مغادرته رئاسة الحكومة إلى رئاسة الدولة، بعد نجاح خططه في التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، والتحايل على عدم أحقيته دستوريا في تولي الحكومة أكثر من فترتين، بتحويل البلاد إلى نظام تتركز فيه السلطات في يد رئيس الدولة، والقفز على منصب الرئيس.
الخلافات المحيطة بأردوغان منذ وصوله للسلطة قبل أكثر من عشر سنوات، لا يبدو أن وتيرتها ستهدأ، فالرجل يجيد إثارة الخلاف، وربما يسعى له عامدا في كثير من الأحيان، في إطار رغبته في شحن الشارع وتوظيف حالة الارتباك والفوضى التي تضرب الأحزاب والقوى السياسية تحت هذه الضغوط، في تقوية مركز حزبه الذي يسيطر على السلطات التنفيذية والمحلية، وعلى الاقتصاد والإعلام والمؤسسات التعليمية، بعد نجاحه في حصار حركة الخدمة التي يتزعمها المعارض البارز عبد الله جولن، وتجفيف كثير من مواردها وأنشطتها في التعليم والعمل الاجتماعي والخيري.
تأتي الانتخابات التي انطلقت اليوم مبكرة عن موعدها الطبيعي 15 شهرا (كان يُفترض أن تُجرى في نوفمبر من العام المقبل) وهو ما برره أردوغان نفسه في أحاديث صحفية بأنها خطوة لتحسين الأوضاع في البلاد، عقب تمتعه بالصلاحيات والسلطات الجديدة التي أقرتها التعديلات الدستورية، بينما ترفض المعارضة هذا الطرح كما رفضت التعديلات ونظمت فعاليات حاشدة ضدها، في ضوء منحها أردوغان صلاحيات واسعة فيما يخص السلطات التشريعية والرقابية والقضائية وأعمال الجيش والمؤسسات الأمنية والسيادية.
على الصعيد الاقتصادي فإن حالة الارتباك التي يدشن لها أردوغان دفعا في اتجاه الاستفادة منها سياسيا وانتخابيا، يبدو أنها أضرت بالمركز المالي للبلاد، فبحسب مؤشرات اقتصادية رسمية تراجعت صادرات تركيا في الفترة الأخيرة، وارتفعت وارداتها من السيارات والصناعات المكملة وبعض المواد الأولية والكيمائية، كما فقدت العملة الرسمية، الليرة، 20% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وتراجع معدل توليد الوظائف الجديدة وارتفعت نسبة البطالة بهامش ملحوظ.
عسكريا لا تبدو الأمور على ما يُرام، فالجيش الذي يتعرض لضربات قاسية من أردوغان، يجري توظيفه في إطار لعبة إقليمية واسعة، بالتنسيق مع قطر وإيران وروسيا أحيانا، ومع أمريكا في أحايين أخرى، للإبقاء على الجوار العراقي والسوري ملتهبا، وحصار جهود بشار الأسد أو الحكومة العراقية في ضبط الأوضاع واستعادة البلاد من قبضة الميلشيات المسلحة وتنظيم داعش الإرهابي، وهو الانحياز الذي تسبب في فضائح ضخمة للجيش التركي، أشهرها ما شهدته بلدة "عفرين" السورية من جرائم نفذها الأتراك بحق المدنيين الأكراد، وآخرها العمليات العسكرية والطلعات الجوية التي أغارت على أراض عراقية بدعوى تتبع المتمردين الأكراد وعناصر حزب العمال الكردستاني.
على الجانب المقابل لخطط أردوغان وإيقاعه المتسارع للفوز بالصلاحيات الجديدة وإكمال إحكام قبضته على رقبة تركيا، لا يبدو أن وهم القوة ترك متسعا للرئيس التركي لاستعراض خارطة التنافس ومفاجآتها المحتملة، فوسط انتخابات يتخيلها سهلة يطل المعارض البارز محرم إنجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري (الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية الحديثة)، طارحا بديلا متماسكا وعقلانيا لحزب العدالة والتنمية وزعيمه، بشكل سمح بالتقاء كثير من أطياف المعارضة واتفاقها على دعمه.
مؤتمر "إنجه" الذي شهدته اسطنبول قبل ساعات من انطلاق الانتخابات كان حاشدا إلى الحد الذي قد يشكل إزعاجا وقلقا حقيقيين لأردوغان، فالرجل الذي يمثل حزبا عريضا وصاحب حضور قوي في الشارع التركي، ويستند إلى رصيد من المحبة التاريخية لدى عموم الأتراك لبطلهم أتاتورك الذي أخرجهم من أوحال الإمبراطورية العثمانية وضعفها وخياناتها، نزل الشارع في أول مواجهة جادة مصحوبا بما يقرب من مليوني تركي، وهي مفاجأة كبيرة في ظل حالة الحصار والغطرسة والتخويف وإغلاق المجال العام التي ينتهجها نظام أردوغان.
حملة محرم إنجه الدعائية التقطت مخاوف التركيين واشتبكت معها، في ظل ممارسات نظام أردوغان التي أصبحت مثار الانتقاد الدائم في التجمعات واللقاءات وحوارات المواطنين، وهو ما ترجمه المرشح المعارض بالقول: "لو فاز أردوغان سيستمر التنصت على هواتفكم، سيبقى الخوف سائدا، وإذا نجحت فستكون المحاكم مستقلة"، مؤكدا في مؤتمره أنه حال فوزه، فإنه سيرفع في غضون 48 ساعة فقط حالة الطوارئ السائدة في تركيا منذ واقعة الانقلاب المزعوم.
يُذكر أن الانتخابات التي انطلقت في الساعة الثامنة صباحا بتوقيت تركيا، الخامسة بتوقيت جرينتش، تستمر حتى الخامسة مساء (الثانية بتوقيت جرينتش) ويبلغ عدد المواطنين المقيدين في قواعد بيانات الناخبين ويحق لهم التصويت 60 مليون شخص، في بلد يبلغ تعداد سكانه 81 مليونا، ويتنافس على الرئاسة عدد من المرشحين، أبرزهم محرم إنجه، وصلاح الدين دمرداش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وهو قابع في سجون أردوغان حاليا بتهم تتعلق بالإرهاب.
جانب من إدلاء الأصوات