انتصارات رمضانية.. من «عمورية» إلى عين جالوت: عندما هتف المصريون «وا إسلاماه»

الجمعة، 08 يونيو 2018 08:00 م
انتصارات رمضانية.. من «عمورية» إلى عين جالوت: عندما هتف المصريون «وا إسلاماه»
محمد الشرقاوي

- 223 هجرية.. حينما غيرت صرخة إمرأة خريطة القوى العسكرية في عصر الدولة العباسية

- في فلسطين.. أتم المصريون صيامهم على جثامين التتار 658 هجرية

في عام 223 هجرية، صرخت امرأة في سجون الروم «وامعتصماه»، فأرسل الخليفة «المعتصم» رسالة إلى حاكم الروم، لآتنيك بجيش أول عندك وآخره عندي»، فكانت تلك الصرخة، إفاقة كبيرة للدولة العباسية، دفعت بكامل جيشها لإنقاذ كرامة إمرأة مسلمة.

 كان فتح «عمورية» سنة 223 هجرية، بعدما تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم في بلاد المسلمين، خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم.

فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن «زبطرة»، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين.

وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، وقالت: «وامعتصماه».

وصل الخبر إلى المعتصم خليفة المسلمين استشاط غضبًا، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: «لبيك»، وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين، وعسكر بهم في غربي نهر دجلة , وبعث «المعتصم» عجيف بن عنبة وعمرًا الفرغاني لنجدة أهل زبطرة. فوجدا أن الروم كانوا قد رحلوا عنها بعد الفواحش الكثيرة التي ارتكبوها بأهلها.

أصر المعتصم على تتبع الروم وعدم الرجوع عن قتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها «عمورية»؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من «القسطنطينية» نفسها، فصمّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له، من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: «رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب».

أقام المعتصم على نهر سيحان، وأمر أحد قادته «الإفشين» أن يدخل بلاد الروم عن طريق «الحدث»، كما أمر «أشناس» أن يدخل عن طريق «طرسوس»، وحدد لهما يومًا يلتقيان فيه عند أنقرة.

واجتمع الجيش عند أنقرة، ثم دخل المدينة، وسار حتى وصل عمورية، ونظّم المعتصم الجيش، فجعل نفسه في القلب، و«الإفشين» على الميمنة، و«أشناس» على الميسرة، وقام الجيش الإسلامي بحصار المدينة حصارًا شديدًا، حتى استطاع أن يُحدث ثغرة في سورها، فاندفع الجنود داخل المدينة، وحاربوا بكل قوة وشجاعة؛ حتى سيطروا على المدينة، وانتصروا على الروم.

((كانت إناخة المعتصم على عمورية يوم الجمعة 6 رمضان وقفل بعد خمسة وخمسين يوما.

وخلّد الشاعر أبو تمام هذا النصر بقصيدة عظيمة، قال في أولها: «السيف أصدق أنباء من الكتب.. في حدِّه الحـدُّ بين الجـدِّ واللعـب».

من بين الانتصارات الرمضانية، «عين جالوت» سنة 658 هجرية. في بلدة فلسطينية، بين مدينتي بيسان ونابلس، وفي شهر رمضان لسنة 658 هجرية، كان المسلمون على موعد جديد مع انتصار مبارك، غير خريطة القوى في الشرق الأوسط آن ذاك.

في العام ذاته، استمر «المغول» في زحفهم تجاه العواصم الإسلامية، حتى دخلوا قلعة العلم «بغداد» عاصمة الخلافة العباسية، واستطاع هولاكو حفيد جنكيز خان، إسقاط الخلافة العباسية، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير المدينة.

واصل «هولاكو» تقدمه، فاستولى على حلب ودمشق بسوريا، وامتد بغيهم حتى وصلوا بلدتي  «الخليل» و«غزة» بفلسطين، فقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، واستاقوا من الأسرى عدداً كبيراً.

لم يبق أمام التتار إلا مصر، وبعث «هولاكو» برسالة تهديد لحاكم مصر آنذاك، السلطان سيف الدين قطز، يطلب منه تسليم المدينة، فأبى «قطز»، وأخذ يعد العدة، وبعث بقوات لاستطلاع العدو بقيادة الظاهر «بيبرس»، والذى استطاع أن يهزم أحد الفرق المغولية .

رحل السلطان قطز بعساكره، ونزل «الغور» بعين جالوت في فلسطين، مرورا بمدينة الصالحية، وغزة، وقتها عقد معاهدات مع الإمارات المحتلة من الصليبين، وفي يوم الجمعة 25 رمضان 658 هجرية / 3 سبتمبر 1260ميلادية، صلى جيش المسلمين صلاة الفجر ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش التتار لسهل عين جالوت من الشمال.

نزل الجيش لميدان المعركة في تكتيك عسكري جيد، فخصص ألوانا لفرق الجيش وعلامات للتحرك لا يفهمها غيرهم، وباغت قطر قوات التتار وأوهمهم أن الجيش مقدمة فقط، وعندما هجم التتار أعطى ركن الدين بيبرس شارة البدء لمقدمة الجيش، واحتدم القتال للحظات، بعدها قرر قطز سحب التتار لسهل عين جالوت.

بدأ جيش التتار في دخول السهل، للقضاء على الجيش بعدما توهم أنه انسحب، وبعد دخول الجيش بأكمله داخل السهل وانسحب ركن الدين بيبرس بجنوده إلى الناحية الجنوبية من السهل، ونزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف التلال إلى ساحة المعركة، وأسرعت فرقة قوية من المماليك لغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك أحاطت قوات جيش المسلمين بالتتار من كل جانب.

حدثت داخل جيش المسلمين دربكة، وقرر قطز النزول لأرض المعركة، فرمى خوذته وأخذ يصرخ «واإسلاماه... واإسلاماه»، واحتدم القتال في سهل عين جالوت، وكان فيه أن صوّب أحد التتار سهمه نحو قطز، فأخطأه وأصاب فرسه وقتل الفرس.

 واستمر القتال وقطز في أرض المعركة يقاتل، وبدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وارتد الضغط على التتار، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن قائد التتار آقوش من كتبغا وقتله، وبقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار، وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب.

استطاع التتار فتح ثغرة في المدخل الشمالي، وخرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارّون إلى مدينة «بيسان»، وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم، إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم من جديد، ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، وقاتل التتار فيها قتالاً شديداً، وبدأوا في الضغط على المسلمين، ودارت الدائرة لهم، عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت وأخذ يصيح بالجند «واإسلاماه... واإسلاماه... واإسلاماه» ثلاثاً.

كانت هذه الكلمات دفعة معنوية لجنود جيش المسلمين، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

وانتهت بانتهاء معركة عين جالوت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر، واستطاع المصريون من إنقاذ العالم كله من همجية المغول وخطرهم.

ومن بين الانتصارات، «معركة البُويب» بين المسلمين والمجوس، بقيادة المثنى بن حارثة - رضي الله عنه، سنة 13 هجرية، في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقد عزم المثنى على المسلمين بالفطر فأفطروا عن آخرهم، وكان النصر فيها عظيمًا، وكانت نظير معركة اليرموك بالشام.

كذلك معركة «القادسيَّة» وهي المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرس في رمضان من السنة الرابعة عشرة للهِجرة، بقيادة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عانى المسلمون في هذه المعركة من الفيَلة، ونفرَت منها الخيل، ولكن أبطال الإسلام شدوا عليها وقلعوا عيونها برماحهم وخراطيمها بسيوفهم، فولَّت هاربةً تدكُّ أصحابها، وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق