انتصارات رمضانية| غزوة بدر الكبرى.. تكتيك عسكرى وعون إلهى

الإثنين، 21 مايو 2018 09:00 م
انتصارات رمضانية| غزوة بدر الكبرى.. تكتيك عسكرى وعون إلهى
انتصارات رمضانية
كتب - محمد الشرقاوى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكم فى أيام ربكم لنفحات ألا فتعرضوا لها»، أظهر الحديث الشريف فضل الأيام المباركة التى أمر الرسول الكريم انتهازها واستغلالها حسن استغلال لما فيها من عظيم الفضل، لذا كانت هناك بركات وانتصارات فى معارك عسكرية خاضها المسلمون. من بين تلك الأيام، شهر رمضان المعظم، ظل شهر نصر حربى، من بداية الغزوات الإسلامية حتى الآن، فتحققت فيه انتصارات رائعة، سجلها التاريخ العسكرى والإسلامى، فحقنت فيه دماء سفكت، وحفظ الله بفضله أرواحا كانت منتهكة.
 
غزوة بدر الكبرى 
كانت أول الانتصارات الرمضانية، فى التاريخ الإسلامى، وقد وقعت هذه الغزوة فى العام الثانى من الهجرة، بعدما خرج رسول الله فى سرية من أصحابه بلغت ثلاثمائة رجلا وفرسين وسبعين من الإبل، ليعترضوا قافلة لقبيلة قريش يقودها أبو سفيان، وحين علم الأخير بما يعده الرسول صلى الله عليه وسلم، غير طريق القافلة، وكان فيها أربعون رجلاً وأموال كثيرة لقريش. 
 
أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام بسيس بن عمرو الجهنى وعدى بن الرعباء، إلى بدر ليعرفا أخبار العير عندما اقترب من الصفراء، وعندما عرف أبو سفيان بخروج المسلمين، استأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ إلى مكّة، مستصرخا قريش ويأمرهم بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من الرسول وأصحابه.
 
وصل خبر أبي سفيان مكة، فهبوا مسرعين، بكامل قاداتهم، دون «أبى لهب»، بعث بدلاً منه رجلاً كان لأبى لهب عليه دَين، وحشدوا قبائل العرب وخرجوا من ديارهم، وأقبلوا بعتادهم تجاه المدينة.
 
لما بلغ الرسول خبر نجاة القافلة، وإصرار زعماء مكة على قتال المسلمين استشار أصحابَه فى الأمر، وحينئذ تزعزعت قلوب فريق منهم، وخافوا اللقاء الدامى، فنزلت فيهم آيات من سورة الأنفال تصف أمرهم: «كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِى الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون».
 
وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو، ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب والمقداد بن الأسود، إلا أن هؤلاء القادة الثلاثة الذين تكلموا كانوا من المهاجرين، وهم أقلية فى الجيش، فأحب الرسول محمد أن يعرف رأى قادة الأنصار، لأنهم كانوا يمثلون الأغلبية فى الجيش، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن فى ظاهرها مُلزمةً لهم بحماية الرسول محمد خارج المدينة، فقال: «أشيروا عليَّ أيها الناس»، وقد أدرك الصحابى الأنصارى سعد بن معاذ، حامل لواء الأنصار، مقصد الرسول من ذلك، فنهض قائلاً: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله»، فقال الرسول محمد: «أجل»، قال: «لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصَبْر فى الحرب، صِدْق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله».
 
فرح الرسول بكلام سعد، وحثهم على المضى إلى بدر، وكان أبو سفيان قد تمكن من تغيير طريقه، ولحق بساحل البحر، وعندما تيقن من نجاته والقافلة، أرسل إلى قريش يأمرهم بالرجوع، فوصلهم الخبر وهم بـ«الجُحفة»، فبادروا بالانسحاب والعودة، حتّى أوقفهم أبو جهل وأمرهم بإكمال المسير وصولاً إلى بدر، ليقيموا فيها ويطعموا من أحضروا من العرب؛ فتُصبح لهم هيبة ويخافهم العرب بعد ذلك، فأكملوا المسير.
سار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل عشاء فى مياه بدر، واستشار النبى أصحابه فى مكان النزول، وأشار الخباب بن المنذر بالنزول إلى «قُلُب»، فهى كثيرة الماء العذب، يسبقون القوم إليها ويحبسون ما سواها من الماء عنهم.
 
بعث الرسول على بن أبى طالب وسعد بن معاذ والزبير بن العوام إلى بدر، يتحسسون الاخبار، وجاؤوا بأنّ قريشاً اقتربوا من بدر ويبلغ عددهم نحو ألف مقاتل.
وقتها أنزل الله تعالى المطر الكثير فى تلك الليلة، ما أعاق تقدم المشركين، وتقول كتب السيرة النبوية، إن المطر كان على المسلمين خيراً أصابهم، حيث طهّرهم وأبعد عنهم رجس الشيطان، وسقى به الأرض وثبّت الأقدام وربط على قلوبهم.
 
تقابل الجمعان، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر، وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة يطلبون القتال، فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، لكنّ عتبة وشيبة أعادوها مطالبين بابن عمهما، فبرز إليهما على وعبيدة بن الحارث وحمزة، فقتل على قِرنه الوليد، وقتل حمزة قرنه عتبة، وقيل شيبة.
واختلف عبيدة وقِرنه ضربتين، فتقدّم على وحمزة على قرن عبيدة فقتلاه، وحملا عبيدة وقد قطعت رجله. 
ولما شاهد جيش قريش قتل الثلاثة الذين خرجوا للمبارزة، غضبوا وهجموا على المسلمين هجومًا عامًا، فصمد وثبت له المسلمون، وهم واقفون موقف الدفاع، ويرمونهم بالنبل كما أمرهم الرسول محمد، وكان شعار المسلمين: «أَحَد أَحَد»، ثم أمرهم الرسول بالهجوم قائلاً: «شدوا»، وواعدا من يقتل صابرا محتسبا بأن له الجنة، ومما زاد فى نشاط المسلمين واندفاعهم فى القتال سماعهم قول الرسول محمد: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ».
 
ويؤمن المسلمون أن الله تعالى قلل المشركين فى أعين المسلمين وقلل المسلمين فى أعين المشركين، فقد كان الرسول قد رأى فى منامه ليلة اليوم الذى التقى فيه الجيشان، رأى المشركين عددهم قليل، وقد قص رؤياه على أصحابه فاستبشروا خيرًا.
 
وابتكر الرسول فى قتاله مع أعدائه يوم بدر أسلوبًا جديدًا فى مقاتلة الأعداء، لم يكن معروفًا من قبل عند العرب، فقاتل بنظام الصفوف، وهذا الأسلوب أشار إليه القرآن فى سورة الصف فى هذه الآية: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»، وصفة هذا الأسلوب: أن يكون المقاتلون على هيئة صفوف الصلاة، وتقل هذه الصفوف أو تكثر تبعًا لقلة المقاتلين أو كثرتهم، وتكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان.
 
ويؤمن المسلمون أن الله تعالى قد ألقى فى قلوب أعدائهم الرعب فى غزوة بدر، كما يؤمنون أنه تعالى قد أنزل الملائكة تقاتل معهم أعداءهم، وأن إمداده للمؤمنين بالملائكة أمر قطعى ثابت لا شك فيه، فقد جاء فى سورة الأنفال: «إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ». وقال الرسول محمد يوم بدر: «هذا جبريل آخذُ برأس فرسه عليه أداة الحرب».
 
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب تظهر فى صفوف قريش، واقتربت المعركة من نهايتها، وبدأت جموع قريش تفِر وتنسحب، وانطلق المسلمون يأسرون ويقتلون حتى تمت على قريش الهزيمة.
 
معركة المنصورة
من بين الانتصارات الرمضانية، معركة المنصورة التى وقعت سنة 647 هجرية، حيث كانت فى شهر رمضان ضد الصليبيين، فقد قدم «لويس التاسع» ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة، فى أحدث حملة صليبية، وهى الحملة الصليبية السابعة ضد مصر، كان طابع الحملة استعماريًّا اقتصاديًّا، وقام الملك لويس التاسع بالاتصال مع المغول للضغط على الشرق الإسلامى من الجانبين، وواصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م.
ثم توجّه إلى المنصورة، وعلى ضفاف البحر الصغير دارت معركة حامية، اشترك فيها العربان والمشايخ والفلاحون، واشترك فى تعبئة الروح المعنوية العز بن عبدالسلام، وهو يومئذ ضرير، وكان قائد الجيوش فخر الدين ابن شيخ الإسلام الجوينى، وانتهت المعركة بأن أسر المسلمون من الصليبيين مائة ألف وقتلوا عشر آلاف، وأُسر الملك لويس التاسع، وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة، ثم افتُدى الملك بدفع (40 ألف دينار)، وأٌطلق سراحه.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق