السلفيون والعلويون.. حقائق وأكاذيب وفتن
الثلاثاء، 29 مايو 2018 11:00 مكتب - عنتر عبداللطيف
العلويون طائفة من المسلمين الشيعة الإمامية، يمثلون 11.5٪ من الشعب السورى، عقيدتهم هى نفس العقيدة الإمامية الجعفرية، ولهم نفس تسلسل الأئمة الإثنى عشر - وفق موسوعة المذاهب والأديان - وقد افترقوا عن الإثنى عشرية ما بعد الإمام الحادى عشر الحسن العسكرى، وكان الاختلاف فى المرجعية والزعامة وفى بعض الأمور التى جرت عليها العادة عند الإمامية - وفق موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة - توجه العديد من الاتهامات للعلوية؛ فيصفها بعض الشيعة بالغلو، فى حين يصفها أهل السنة بأنها فرقة باطنية تكتم عقائدها الحقيقية، والعلويون الأصليون هم المتواجدون فى الجبال الساحلية السورية، ويختلفون عن علويى المغرب أو اليمن أو تركيا.
اسم علويين كان يطلق على كل من تولّى الإمام على بن أبى طالب ووافقهُ وسارَ فى نهجه، ذلك ان الحكام الأمويين والعباسيين كانوا يطلقونه على هؤلاء الأتباع، والطائفة العلوية تتبع نفس سلسلة أئمة الإثنا عشرية بداية بالامام على بن أبى طالب ، ونهاية بالإمام محمد بن الحسن الغائب.
يتجمع معظم العلويين فى سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوبًا إلى طوروس شمالًا، ويتوزع بعضهم فى محافظات حمص، حماة ودمشق وحوران كيليكيا ولواء الإسكندرون فى سوريا، ويوجد فى المهاجر الأمريكية أكثر من ربع مليون علوى فضلًا عن الموجود منهم فى لبنان والعراق وفلسطين وإيران وكذلك فى أوروبا من تركيا واليونان وبلغاريا إلى ألبانيا.
عرف العلويون بعدة أسماء منها «النصيريون» نسبة إلى محمد بن نصير، وقد عرفو أيضا بـ «الخصيبية» نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبي، لكن كلمة «علويين» رافقت كلا من العلويين والشيعة منذ زمن الإمام على، واحتفظ العلويون بهذا الاسم بعد الإمام الحسن العسكرى.
من جانبهم يرى السلفيون أن النصيرية هى طريقة وليست مذهبًا، لأنها تعتبر أن الدين الإسلامى هو دينها الوحيد وطريقتها فى فهم الإسلام «عرفانية» نابعة عن منهج أمير المؤمنين على بن أبى طالب فى فهم الإسلام، وأصول الطريقة النصيرية العرفانية تعتمد على أربعة أركان رئيسية، وهى القرآن الكريم وما صح من حديث رسول الله وآله مؤيد بكتاب الله تعالى، ومعللًا من المعصومين وسنة رسول الله والمعصومون وحجّة العقل.
وفى عام 1097 إبان الحملة الصليبية، قاتل الصليبيون العلويين فى بادئ الأمر، وفى عام 1120، هزم الإسماعيليون والأكراد العلويين، وبمرور 3 سنوات على الهزيمة، تمكنوا من هزيمة الأكراد، وفى عام 1297، حاول الإسماعيليون والعلويون الاندماج، إلا أن الاختلافات المذهبية حالت بين عملية الاندماج.
وعندما هيمنت الامبراطورية العثمانية على بلاد الشام فى 1516، قام الأتراك بالبطش بهم وقتلوا الآلاف، وبسقوط الامبراطورية العثمانية واستبدالها بالانتداب الفرنسى على سوريا ولبنان، منح الفرنسيون حكمًا ذاتيا لهم وانخرط بعضهم فى صفوف الجيش الفرنسى المحلى.
ويرى السلفيون أن تقديس النصيرية للامام على يشبه إلى حد بعيد تقديس المسيحية للنبى عيسى، ويتصف المذهب العلوى عموما بالغموض وبالسرية، فعلى عكس مذاهب أخرى تسعى لجذب الأفراد وحثهم على التحول إليها، نجد المذهب العلوى يرتبط بمنطقة جبل النصيريين كجغرافيا محددة على الساحل السورى، ولا توجد مؤسسة رسمية تعمل على نشر المذهب والتبشير به، ويقوم مجموعة من الرجال على حفظ الأدبيات العلوية ومنعها من التداول بين غير العلويين، وعندما يبلغ الصبيان عمر 15 أو 16 سنة، يخصصون سويعات من اليوم لتعليمهم العقيدة العلوية، ويترك الاختيار للصبيان إن أرادوا الاستمرار فى التعمق فى الأمور الدينية والارتباط مع احد المشايخ للتوغل فى أمور الدين، «لم يكن ظهور الإله على» فى صورة الناسوت إلا إيناسًا لخلقه وعبيده.
ونوه السلفيون إلى أنه من أهم نظرياتهم «التقمص أو التجايل» وهى تعنى أن الإنسان يعيش حيوات متتالية مختلفة يختبر فيها مختلف الظروف من الغنى والفقر والقوة والعجز والإسلام والمسيحية وغيرها، وأن الروح قد تخلق فى الذكر وقد تخلق فى الانثى، أما نظرية التقمص هذه هى الإجابة الأساسية لمبدأ العدالة الإلهية، كما تسمح بقبول الأديان والمذاهب الأخرى على أساس أن الإنسان سيتجايل مرات عديدة أخرى، هذه هى نظرية التقمص بمفهومها العام، ولا يوجد اكراه لأبناء الطائفة بالالتزام القسرى للطائفة، وهذا ما انعكس فى وجود مثقفين كثر بين صفوف الطائفة بعضهم وصل إلى العالمية كالشاعر ادونيس أو كالمسرحى الراحل الكبير سعد الله ونوس أو مثقفين كبار على الصعيد العربى كالشاعر بدوى الجبل والأديب ممدوح عدوان والشاعر سليمان العيسى.
الغريب أن العلويين لا يدعون للمذهب العلوى أو يحاولون نشره كما تفعل معظم الفرق، ويعتقد العلويون أن الدعوة للدين والفتوحات الإسلامية انتهت على عهد الرسول، ولا يجوز القيام بالحروب على الآخرين من اجل نشر الإسلام، فهذه مهمة الرسل والرسول الكريم كان خاتم الرسل، وينتظرون ظهور المهدى الذى يملأ الدنيا قسطا وعدلا بعد أن تملأ جورا وظلما.
يقول السلفيون أن أحدهم سأل شيخ الإسلام ابن تيمية قائلا: ما يقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين وأعانهم على إظهار الحق المبين وإخماد شعب المبطلين: فى «النصيرية» القائلين باستحلال الخمر وتناسخ الأرواح وقدم العالم وإنكار البعث والنشور والجنة والنار فى غير الحياة الدنيا، وبأن «الصلوات الخمس» عبارة عن خمسة أسماء وهى: على وحسن وحسين ومحسن وفاطمة، فذكر هذه الأسماء الخمسة على رأيهم يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء وبقية شروط الصلوات الخمسة وواجباتها، وبأن «الصيام» عندهم عبارة عن اسم ثلاثين رجلا واسم ثلاثين امرأة يعدونهم فى كتبهم ويضيق هذا الموضع عن إبرازهم ؛ وبأن إلههم الذى خلق السموات والأرض هو على بن أبى طالب رضى الله عنه، فهو عندهم الإله فى السماء، والإمام فى الأرض، فكانت الحكمة فى ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم أن يؤنس خلقه وعبيده ؛ ليعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه، وبأن النصيرى عندهم لا يصير نصيريا مؤمنا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على أسرارهم ويزوجونه من نسائهم: حتى يخاطبه معلمه، وحقيقة الخطاب عندهم أن يحلفوه على كتمان دينه ومعرفة مشايخه وأكابر أهل مذهبه، وعلى ألا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من أهل دينه، وعلى أن يعرف ربه وإمامه بظهوره فى أنواره وأدواره فيعرف انتقال الاسم والمعنى فى كل حين وزمان، فالاسم عندهم فى أول الناس آدم والمعنى هو «شيث» والاسم يعقوب والمعنى هو يوسف، ويستدلون على هذه الصورة كما يزعمون بما فى القرآن العظيم حكاية عن يعقوب ويوسف - عليهما الصلاة والسلام - فيقولون: أما يعقوب فإنه كان الاسم فما قدر أن يتعدى منزلته فقال: { سوف أستغفر لكم ربى }، وأما يوسف فكان المعنى المطلوب فقال: { لا تثريب عليكم اليوم }، فلم يعلق الأمر بغيره ؛ لأنه علم أنه الإله المتصرف ويجعلون موسى هو الاسم ويوشع هو المعنى ويقولون: يوشع ردت له الشمس لما أمرها فأطاعت أمره ؛ وهل ترد الشمس إلا لربها ويجعلون سليمان هو الاسم، وآصف هو المعنى القادر المقتدر، ويقولون: سليمان عجز عن إحضار عرش بلقيس وقدر عليه «آصف» لأن سليمان كان الصورة، «وآصف» كان المعنى القادر المقتدر، وقد قال قائلهم: «هابيل شيث يوسف، يوشع آصف شمعون، الصفا حيدر»، ويعدون الأنبياء والمرسلين واحدا واحدا على هذا النمط إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: محمد هو الاسم وعلى هو المعنى، ويوصلون العدد على هذا الترتيب فى كل زمان إلى وقتنا هذا، فمن حقيقة الخطاب فى الدين عندهم أن عليا هو الرب، وأن محمدا هو الحجاب، وأن سلمان هو الباب، وأنشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلائهم لنفسه فى شهور سنة سبعمائة فقال: أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين، ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين، ويقولون إن ذلك على هذا الترتيب لم يزل ولا يزال وكذلك الخمسة الأيتام، والإثنا عشر نقيبا وأسماؤهم مشهورة عندهم ومعلومة من كتبهم الخبيثة، وأنهم لا يزالون يظهرون مع الرب والحجاب والباب فى كل كور ودور أبدا سرمدا على الدوام والاستمرار ويقولون: إن إبليس الأبالسة هو عمر بن الخطاب، ويليه فى رتبة الإبليسية أبو بكر رضى الله عنه ثم عثمان - رضى الله عنهم أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن أقوال الملحدين وانتحال أنواع الضالين والمفسدين - فلا يزالون موجودين فى كل وقت دائما حسبما ذكر من الترتيب، ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع إلى هذه الأصول المذكورة فهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام، وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب، وقد حقق أحوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا فى هذا الزمان ؛ لأن أحوالهم كانت مستورة عن أكثر الناس وقت استيلاء الإفرنج المخذولين على البلاد الساحلية؛ فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم، والابتلاء بهم كثير جدا، فهل يجوز لمسلم أن يزوجهم أو يتزوج منهم ؟ وهل يحل أكل ذبائحهم والحالة هذه أم لا ؟ وما حكم الجبن المعمول من «إنفحة» ذبيحتهم ؟ وما حكم أوانيهم وملابسهم ؟ وهل يجوز دفنهم بين المسلمين أم لا ؟ وهل يجوز استخدامهم فى ثغور المسلمين وتسليمها إليهم ؟ أم يجب على ولى الأمر قطعهم واستخدام غيرهم من رجال المسلمين، وهل يأثم إذا أخر طردهم ؟ أم يجوز له التمهل مع أن فى عزمه ذلك ؟ وإذا استخدمهم وأقطعهم أو لم يقطعهم هل يجوز له صرف أموال بيت المال عليهم؟ وإذا صرفها وتأخر لبعضهم بقية من معلومة المسمى فأخره ولى الأمر عنه وصرفه على غيره من المسلمين أو المستحقين أو أرصده لذلك هل يجوز له فعل هذه الصور ؟ أم يجب عليه ؟ وهل دماء النصيرية المذكورين مباحة وأموالهم حلال أم لا ؟ وإذا جاهدهم ولى الأمر أيده الله تعالى بإخماد باطلهم وقطعهم من حصون المسلمين وحذر أهل الإسلام من مناكحتهم وأكل ذبائحهم وألزمهم بالصوم والصلاة ومنعهم من إظهار دينهم الباطل وهم الذين يلونه من الكفار: هل ذلك أفضل وأكثر أجرا من التصدى والترصد لقتال التتار فى بلادهم وهدم بلاد «سيس» وديار الإفرنج على أهلها ؟ أم هذا أفضل من كونه يجاهد النصيرية المذكورين مرابطا ؟ ويكون أجر من رابط فى الثغور على ساحل البحر خشية قصد الفرنج أكبر أم هذا أكبر أجرا ؟ وهل يجب على من عرف المذكورين ومذاهبهم أن يشهر أمرهم ويساعد على إبطال باطلهم وإظهار الإسلام بينهم فلعل الله تعالى أن يهدى بعضهم إلى الإسلام وأن يجعل من ذريتهم وأولادهم مسلمين بعد خروجهم من ذلك الكفر العظيم ؟ أم يجوز التغافل عنهم والإهمال ؟ وما قدر المجتهد على ذلك والمجاهد فيه والمرابط له والملازم عليه ؟ ولتبسطوا القول فى ذلك مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى، إنه على كل شيء قدير ؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل».
فأجاب شيخ الإسلام تقى الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية: «الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ؛ بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم ؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم فى الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهى ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها؛ يدعون أنها علم الباطن ؛ من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس ؛ فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد فى أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ؛ إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم: إن «الصلوات الخمس» معرفة أسرارهم و« الصيام المفروض» كتمان أسرارهم «وحج البيت العتيق» زيارة شيوخهم وأن يدا أبى لهب هما أبو بكر وعمر، وأن النبأ العظيم والإمام المبين هو على بن أبى طالب ؛ ولهم فى معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين؛ كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم فى بئر زمزم، وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقى عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا فى كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذى هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام، وما ذكره السائل فى وصفهم قليل من الكثير الذى يعرفه العلماء فى وصفهم، ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانهزام النصارى ؛ بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار.
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين، إلا أن ثغور المسلمين ما زالت بأيدى المسلمين حتى جزيرة قبرص، وفتحها المسلمون فى خلافة أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» رضى الله عنه بعد أن فتحها «معاوية بن أبى سفيان»، فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها، فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره ؛ فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب فى ذلك ؛ ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين فى سبيل الله تعالى «كنور الدين الشهيد وصلاح الدين» وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم، وفتحوا أيضا أرض مصر، فإنهم كانوا مستولين عليها لأكثر من 200، واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد، ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم، فإن منجم هولاكو الذى كان وزيرهم وهو «النصير الطوسى» كان وزيرا لهم، وهو الذى أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء، ولهم «ألقاب» معروفة عند المسلمين تارة يسمون «الملاحدة» وتارة يسمون «القرامطة» وتارة يسمون «الباطنية» وتارة يسمون «الإسماعيلية» وتارة يسمون «النصيرية» وتارة يسمون «الخرمية» وتارة يسمون «المحمرة» وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم، ولبعضهم اسم يخصه: إما لنسب وإما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك.
شرح مقاصدهم يطول، وهم كما قال العلماء فيهم: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض، وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبى من الأنبياء والمرسلين، لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا بشيء من كتب الله المنزلة، لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن، ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه، ولا بأن له دينا أمر به، ولا أن له دارا يجزى الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار، وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الطبيعيين أو الإلهيين، وتارة يبنونه على قول المجوس الذين يعبدون النور، ويضمون إلى ذلك الرفض، ويحتجون لذلك من كلام النبوات: إما بقول مكذوب ينقلونه كما ينقلون عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أول ما خلق الله العقل } والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ؛ ولفظه « { إن الله لما خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل. فقال له: أدبر فأدبر } فيحرفون لفظه فيقولون « { أول ما خلق الله العقل } ليوافقوا قول المتفلسفة أتباع أرسطو فى أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل، وإما بلفظ ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه كما يصنع أصحاب «رسائل إخوان الصفا» ونحوهم فإنهم من أئمتهم، وقد دخل كثير من باطلهم على كثير من المسلمين، وراج عليهم حتى صار ذلك فى كتب طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين؛ وإن كانوا لا يوافقونهم على أصل كفرهم ؛ فإن هؤلاء لهم فى إظهار دعوتهم الملعونة التى يسمونها «الدعوة الهادية» درجات متعددة ويسمون النهاية «البلاغ الأكبر والناموس الأعظم»، ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى، والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم الله فى أسفل رجله، وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء ودعوى أنهم كانوا من جنسهم طالبين للرئاسة، فمنهم من أحسن فى طلبها، ومنهم من أساء فى طلبها حتى قتل، ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول، ويجعلون المسيح من القسم الثانى، وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش: ما يطول وصفه، ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا، وهم إذا كانوا فى بلاد المسلمين التى يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم».
العلویون يردون
العلویون طائفة عربیة النسب، إسلامیة الدین، شیعیة المذهب، علویة الفرقة، هم مسلمون إمامیون وعرب أقحاح - رضى السفهاء المغرضون أم كرهوا، وسواء أقروا ذلك أم نفوه - أطلقت علیهم هذه التسمیة نسبة للإمام الغالب أمیر المؤمنین على بن أبى طالب رضى الله عنه، إنهم مسلمون إمامیون، - وفق بحث بعنوان «حقيقة العلويين فى الرد على المغرضين» - كتابهم القرآن الكریم، ونبیهم الرسول الكریمّ محمد بن عبدالله علیه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، واعتقادهم باثنى عشر إمامًا من آل البیت الأطهار، أولهم الإمام على بن أبى طالب، الوصى، الأمین، المرتضى، وآخرهم الإمام محمد بن الحسن العسكرى «الحجة» المهدى المنتظر، وهم یعتمدون أصول الشریعة الإسلامیة ویطبقون أحكامها وفق مذهب الإمام السادس جعفر الصادق، وبمقدار ما یعتزون بالإسلام فإنهم یفخرون بعروبتهم وبانتسابهم إلى الذروة الغراء من العرب، بل یغالون فى عروبتهم وكأنهم یریدون أن تكون محتكرة لهم ومختصة بهم وحدهم.
قال مؤلف كتاب «العلویون بین الأسطورة والحقیقة»، العلویون أمة عربیة لم تنفصل عن العرب والعروبة فى عهد من العهود، وقد استطاعت الأیام والحوادث أن تسلبها شوكتها وعزتها لكنها لم تستطع أن تسلبها أنسابها ولا لغتها ولا تاریخها ولا تقالیدها، وقد رُزئت فى كل شيء إلا فى أخلاقها ومزایاها النفیسة الحسنة، اصطبغت أكثر الشعوب بشتى الصبغ، وتزینت بمختلف الأزیاء ما عدا العلویین، فإنهم لم یصطبغوا بغیر صبغتهم العربیة ولم یتزیوا بغیر زیّهم الشرقى.
وحول العلویون وأصل التسمیة بالنصیریة يقول البحث الذى كان قد أعده الباحث «أبو زين العابدين»، إنّ هناك أقلامًا مغرضة حاولت أن تنسب العلویین «بالنصیریة» المنتشرین فى سوریا ولبنان والعراق وتركیا وإیران إلى الفرق الضالة البائدة اعتمادًا على أُمور ینكرها العلویون الیوم.
ویعود السبب فى ذلك إلى جور السلطات الظالمة التى أخذت تشوّه صحیفة العلویین وتسودّها، فأقامت فیهم السیف والقتل والفتك والتشرید، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء علیهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم، وأنّهم زمرة وحشیة همجیة ممّا زاد فى انكماش هذه الطائفة على نفسها، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم: حسب ما كتبوه عن أنفسهم، ویقول الدكتور مصطفى الشكعة مؤلف كتاب «إسلام بلا مذاهب»: يتألف العلويون من عشائر عربیة متعددة خالصة جاءت إلى المنطقة «جبال اللاذقیة» فى شكل هجرات جماعیة حینًا، وفردیة حینًا آخر، وكان أكثر هذه الهجرات بطبیعة الحال وأغزرها فى القرنین الرابع والخامس، حیث وفد أكثرها من عرب العراق الذین جاؤوا إلى هذه المنطقة واحتموا بجبالها فرارًا على ما نعتقد من الاضطهاد الذى كان یحل ببعض الفرق الغالیة.
یعتبر العلویون من القبائل العربیة التى قاتلت مع الإمام على بن أبى طالب فى معركة صفین، والتى هاجرت مع الزمن وتعرضت للاضطهاد أحیانًا كثیرة حتى رسا بهم الحال على ما هم علیه الآن، أمّا سبب تسمیة العلویین «بالنصیریة» وحسب المصادر التاریخیة هناك رأى یقول: أنه لما فتحت جهات بعلبك وحمص استمد أبو عبیدة الجراح نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الولید، ومن مصر عمرو ابن العاص، كما أتاه من المدینة جماعة من أتباع على رضى الله عنه، وهم ممّن حضروا بیعة غدیر خم، وهم من الأنصار، وعددهم یزید على أربعمائة وخمسین، فسمّیت هذه القوة الصغیرة «بالنصیریة» إذ كان من قواعد الجهاد تملیك الأَرض التى یفتحها الجیش لذلك الجیش نفسه، فقد سمیت الأراضى التى امتلكها جماعة النصیریة: جبل النصیریة، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانیة المعروف الآن، ثمّ أصبح هذا الاسم علمًا خاصًا لكلّ جبال العلویین من جبل لبنان إلى إنطاكیة، وهناك رأى آخر يقول أنّ المؤرخین الصلیبیین أطلقوا على هذا الجبل اسم «النصیرة»، ویبدو أنّ هذا الاسم قد تم تحريفه إلى «نصیریة» والذى یعزز القناعة بصحة هذا الرأى هو أن إطلاق اسم نصیریة على هذا الجبل لم یظهر إلاّ أثناء الحملات الصلیبیة أى بعد عـام ٤٩٨ هـ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصیریة قد تغلّب على اسم الجبل فى زمن الشهرستانى، والرأى الأقرب للحقیقة أن النصیریة تنسب إلى «أبى شعیب محمد بن نصیر النمیرى» الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى، وعاصر ثلاثة من الأئمة «علیهم السلام» هم على الهادى والحسن العسكرى ومحمد المهدى.
اذن من هو محمد بن نصیر ؟ فى غیبة الإمام المهدى علیه السلام حدث الانشقاق الثالث فى الشیعة بسبب الخلاف حول مهمة الباب السید محمد بن نصیر العبدى البكرى النمیرى، فقد كان رأى قسم من الشیعة أن مهمته الدینیة قد انتهت بغیاب الإمام محمد المهدى علیه السلام ویجب أن یتوقف عن كل نشاط دینى، وهؤلاء كان لهم قیادات دینیة كانت تزاحم السید محمد بن نصیر على مركزه الدینى الذى هو الباب ومنهم: الشلمغانى بن أبى العزافر والسریعى، ومن المحتمل أن یكون الحسین بن منصور الحلاج منهم لأن الحلاج هذا انتقل من مبدأ إلى مبدأ، ومنهم إسحق الأحمر أیضًا.
أما الفئة التى التزمت بابیة أبى شعیب محمد بن نصیر البكرى النمیرى فقد أصرت على استمراریته فى مركزه، لأن الشیعة یجب أن یظل لهم مرجع دینى كبیر یرجعون إلیه فى أمورهم الدینیة بعد غیاب الإمام المهدى المنتظر، وبما أن أبا شعیب كان بابًا لإمامین، وقد ثقف علومه من الأئمة السابقین، ومن إمام عصره فهو جدیر بقیادة الشیعة بعد غیبة الإمام المهدى، ولتوضیح أهمیة الباب، نقول أن الإمام كان یختار رجلًا عالمًا فاضلًا یتحلى بالأخلاق الرفیعة والمزایا الحمیدة یأخذ عنه العلم ویكون واسطة بینه وبین شیعته، ویبلغ عنه وینقل تعلیماته ونواهیه، ویحدث عنه بالعلوم التى اجتناها ولقفها منه هذا الرجل الثقة الأمین المحب المتفانى فى الإخلاص والفداء، ولهذا كان یطلق علیه لقب «الباب»، وهذه التسمیة مأخوذة من قول الرسول «ص» فكان لكل إمام من الأئمة بابه، «أنا مدینة العلم وعلى بابها فمن أراد العلم فلیأت الباب»، وعلى هذا النحو برزت الطائفة العلویة كفرقة من فرق الشیعة، یقودها الباب أبو شعیب محمد بن نصیر النمیرى بزهده وتقشفه وفقهه فى الدین، وشدة حبه للإمام على بن أبى طالب، وموالاته لأهل البیت الكرام، وقد اتبع التنظیم السرى فى نشر الدعوة العلویة، وكوّن التلامیذ والأتباع فى مناطق متعددة من الدولة العباسیة.
يقول البحث: أدلة التشریع عندنا أربعة: أولها «القرآن الكریم» ونعتقد أن المصحف الشریف المتداول بین أیدى المسلمین هو كلام الله تعالى، لا تحریف فیه ولا تبدیل فیه، { وإنه لكتاب عزیز لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه تنزیل من حكیم حمید }، أما المصدر الثانى فهو السنة النبویة: وهى عندنا ما ثبت عن النبى، من قول وفعل وتقریر، ونعتقد أن من أنكر حكمًا من أحكامها الثابتة فهو كافر، مثل من أنكر حكمًا من أحكام القرآن، لأن السنة النبویة لا تتعارض مع الكتاب الكریم إطلاقا ویلحق بها ما ثبت عن الأئمة الطاهرین قولًا وفعلًا، أما المصدر الثالث فهو «الإجماع»: نعتقد أن ما أجمع علیه المسلمون من أحكام الدین، وفیهم الإمام المعصوم، فهو دلیل قطعى، ولو خفى علینا مستنده من الكتاب والسنة، والإجماع بهذا التعریف لا یتعارض مع نصوصهما، أما المصدر الرابع فهو «العقل»: والدلیل العقلى حجة إذا وقع فى سلسلة العلل أو كان من المستقلات العقلیة، ویقتصر استعمال الدلیل العقلى فى الفقه عندنا على المجتهد، وهو من حصلت عنده ملكة تساعده على استنباط الأحكام الفرعیة من أدلتها التفصیلیة، والمرجع المقلد عندنا هو «من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدینه، مخالفًا لهواه، مطیعًا لأمر مولاه».
فروع الدین: نعتقد أنها كثیرة، وكنا نؤثر أن نكتفى بذكر بعضها، رغبة فى الإیجاز، محیلین المتطلع إلى المعرفة، والجاهل والمتعنت، إلى كتب علمائنا المنشورة فى المكاتب فهى تفصل عقائدنا بوضوح، ولكننا انسیاقا مع خطتنا التى رسمناها فى هذا البیان، رأینا أن نذكر بعضها بكثیر من الإیجاز، وخصوصًا العبادات منها «الصلاة»: نعتقد أنها { كانت على المؤمنین كتابًا موقوتًا } وأنها عمود الدین، وأهم العبادات التى فرضها الله، وأحب الأعمال إلیه، ونعتقد أن الصلوات المفروضة یومیًا خمس صلوات هى: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، أما الصوم فاننا نعتقد أنه من أركان الدین الإسلامى، ویجب على كل مكلف مستطیع امتثالًا لقوله سبحانه: { یا أیها الذین آمنوا كتب علیكم الصیام }، أما الزكاة فأننا نعتقد أنها من الأركان التى بنى علیها الإسلام، ولها شرائط عدیدة مذكورة فى كتب الفقه، وفيما يخص الحج فاننا نعتقد بأنه واجب لقوله تعالى: { والله على الناس حج البیت من استطاع إلیه سبیلًا } ویجب على كل مسلم بالغ عاقل بشرط الاستطاعة، أما الجهاد: وهو من أركان الدین، ویجب من أجل الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمین وعن النفس والعرض والمال.
يختتم البحث قائلا: هذه هى عقیدتنا نحن المسلمین «العلویین»، ومذهبنا هو المذهب الجعفرى الإثنا عشریة، وإننا لنسأل الله أن یكون فى بیاننا هذا من الحقائق ما یكفى لإزاحة الضباب عن عیون الجاهلین والمغرضین، وأن یجد فیه القریب والبعید والمنصف والمتحامل منهلًا عذبًا ومرجعًا مقنعًا، وإننا نعتبر كل ما ینسب إلینا أو یتقول علینا بما یغایر ما ورد فى هذا البیان مفتریًا أو مدفوعًا بقوى غیر منظورة یهمها أن تتفرق كلمة المسلمین فتضعف شوكتهم أو جاهلًا ظالمًا لنفسه وللحقیقة، ومن الله وحده نستمد العون ونسأله التوفیق إلى ما فیه وحدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصلاحها فى دینها ودنیاها بتعارفها وتآلفها وتسامحها وتعاونها على البر والتقوى وعلى جهاد أعدائها المتربصین الشر بنا جمیعًا دون استثناء.
كان العلويون قد أصدروا بيانا جاء فيه بسم الله الرحمن الرحیم {هذا بلاغ للناس ولینذروا به ولیعلموا أنما هو إله واحد ولیذكر أولو الألباب}، الحمد الله والحمد حقه كما یستحقه ونستعین به ونستهدیه ونؤمن به ونتوكل علیه والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله سید النبیین وخاتم المرسلین، وأزكى سلامه على سادتنا الأئمة الهداة المهدیین الذى أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرًا... أما بعد: فإن أكثر ما یفرق بین الناس جهلهم بحقیقة بعضهم البعض واتّباعهم لما تزین لهم أهواؤهم واعتمادهم فى التحدث عن سواهم على الأقاویل دون تمحیص أو تثبیت وهذا الجهل المفرق بین الناس أعطى تأثیره السيئ فى الماضى والحاضر، ففى الماضى جعل الناس یتراشقون بالتهم إبان التخاصم السیاسى، فكان كل فریق یسجل على الآخر ما یتهمه به فى دینه ودنیاه، أما فى الحاضر لا یزال المتزمتون والمغرضون یتناقلون التهم المسجلة فى الماضى على أنها حقائق تاریخیة ویروجها أعداء العرب والمسلمین من یهود وغیرهم حتى لتكاد تقطع كل صلة رحم دینیة إن لم تكن قطعتها، والعرب والمسلمون الیوم - فى محنتهم السیاسیة، وفى یقظتهم الحاضرة – مدعوون أكثر من أى وقت مضى إلى تمحیص تلك التهم ونبذها، وهم مدعوون إلى التسامح الإسلامى فى الخلافات حول الفروع، وإلى الأخذ بما یقره العقل والدین، لا بما یتقوله ویسجله الجهلاء والمغرضون، ومصلحة جماعات العرب والمسلمین فى هذا الظرف الحرج تقتضى من عقلاء كل جماعة الیقظة والحذر من التشنیع على الغیر بما عند جماعتها مثله أو شبیه به، ولا یخلوا أى مجتمع من انحرافات دخیلة أضحى بسببها عرضة للتشهیر والتحامل، المصلحة كل المصلحة فى المبادرة إلى إصلاحها والتخلص منها بدلًا من الاستمرار فى التشهیر بأخطاء الآخرین والتندید بها، ولقد كان مجتمعنا، نحن المسلمین، مستهدفًا لأقسى أنواع التشنیع فى الماضى، ولا تزال النفوس المریضة تنبش من الماضى، وتردد ما یختلقه أعداء الإسلام والعروبة، لا یردعها دین ولا یثنیها كتاب ولا خلق، وإنا لنحذر، والعدو حولنا یتربص بنا ویكید، والأمم بلغت الأجواء من التحمل والتندید، والله سبحانه أوعد المشنعین بأشد العذاب، «إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فى الذین آمنوا لهم عذاب ألیم»، وإلى أصحاب الاختلاق والتشهیر نتوجه بقوله سبحانه: { یا أیها الذین آمنوا لا تكونوا كالذین آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجیهًا }، وما من خطة للإصلاح أجدى من الدعوة إلى سبیل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة: {ادع إلى سبیل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبیله وهو أعلم بالمهتدین }، وما من سبیل للقاء أجدى من النشر والإطلاع والتمحیص، فتزول حجج المفترین وذرائع المغرضین.
وانطلاقًا من هذه المفاهیم القویمة وحفاظًا على الأخوة الإسلامیة، وحرصًا على الحقیقة أن تشوهها النفوس السقیمة، كان لعلمائنا مواقف نبیلة فى مناسبات اختلقها الأجنبى للتفریق بین أبناء الأمة الواحدة، ونحن نقتصر هنا على غیض من فیضها على سبیل الإشارة والتذكیر، لا على سبیل الإحصاء والحصر: ففى بدایة الاحتلال الفرنسى لسوریة، وإحداث دولة العلویین المستقلة، قام الأجنبى بمحاولة لئیمة، كما فعل بالمغرب العربى، حیث أثار هناك قضیة الظهیر المغربى المشهورة، محاولًا فصل البربر عن العرب، بأن یحكم البربر حسب عاداتهم وتقالیدهم، لا بموجب الشریعة الإسلامیة وكذلك أراد أن یكون للمحاكم المذهبیة العلویة هنا تشریع خاص، وقد رفض ذلك قضاتنا العلویین وأعلنوا بإصرار وقوة أنهم مسلمون وتشریعهم إسلامى جعفرى، فتراجع الأجنبى وحكم قضاتنا فى الزواج والطلاق وغیرهما بمقتضى مذهبنا الإسلامى الجعفرى، لا زیادة بذلك ولا نقصان، وبهذا أفسدوا على الأجنبى خطته التى كان یرمى بها إلى إبعاد هذه المنطقة عامة، والمسلمین العلویین خاصة عن حظیرة العروبة والإسلام، لیوطد فیها حكمه وینفذ غایاته.
أما الموقف الثانى ففى سنة 1936 نشر علماؤنا فى كراس قرارًا من بندین يقول البند الأول منه: كل علوى هو مسلم، یقول ویعتقد بالشهادتین، ویقیم أركان الإسلام الخمسة» أما البند الثانى فيقول « كل علوى لا یعترف بإسلامیته أو ینكر أن القرآن كتابه وأن محمد «ص» نبیه لا یعد فى نظر الشرع علویًا ولا یصح انتسابه للمسلمین العلویین، وقد أردفوا هذا بمذكرة إضافیة عن عروبتهم ودینهم جاء فیها بالحرف: «إن العلویین شیعة مسلمون وقد برهنوا طوال تاریخهم عن امتناعهم من قبول دعوة من شأنها تحویر عقیدتهم»، كما جاء فیها أیضًا: «إن العلویین لیسوا سوى أنصار الإمام على، وما الإمام على سوى ابن عم الرسول «ص» وصهره ووصیه وأول من آمن بالإسلام، ومن مكانه فى الجهاد والفقه والدین الإسلامى مكانه، وإن القرآن الكریم هو كتاب العلویین، وما العلویین سوى أحفاد القبائل العربیة التى ناصرت الإمام على فوق صعید الفرات.
وفى مناسبة أخرى أثارها الأجنبى أیضًا سنة 1936، وقع علماؤنا جوابًا عن سؤال قدم إلیهم ونكتفى من الجواب بهذه العبارات ننقلها بالحرف: { إن الدین عند الله الإسلام } { ومن یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرین } وإن مذهبنا فى الإسلام هو الإمام جعفر الصادق والأئمة الطاهرین، سالكین بذلك ما جاء به خاتم النبیین سیدنا محمد بن عبدالله «ص» حیث یقول: «إنى تارك فیكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا من بعدى: الثقلین أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتى أهل بیتى، ولن یفترقا حتى یردا عليّ الحوض»، هذه هى عقیدتنا نحن العلویین، وفى هذا كفایة لقوم یعقلون، ونحن الیوم حرصًا منا على تمتین الصلات بإخواننا فى الدین والوطن ووقایة لهم من الانخداع بما یدسه أعداء العروبة والله وحده نسأله أن یكون عملنا هذا قبسًا یفئ إلى نوره كل جاهل أو مشكك وهدیًا تطمئن إلیه كل نفس.