هذا ما حدث حين رفعت يديّ أدعو ربي
الإثنين، 28 مايو 2018 05:47 م
كثيرة هي تلك الأدعية التي نسمعها ونحفظ بعضها ونرددها في صلاتنا وخارج صلاتنا، وقد تعودت مثلي مثل الكثيرين أن أدعو الله بهذه الأدعية إلى أن كان ذلك اليوم قبل عدة سنوات حين شعرت بعدم الارتياح وأنا أكرر ما حفظته وتعودت قوله، شعرت أن ذاكرتي هي التي تنطق بالدعاء وليس قلبي، شعرت بِوَحشة في قلبي، فاشتكيت حالي لربي وأردت أن أشارككم شكواي هذه.
يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، ها أنا رفعت يدي إلى السماء داعياً مكرراً ما دعوتك به بالأمس وقبل الأمس وقبله وقبله، فتساءلت في نفسي: مولاي، من هذا الذي يدعوك ويتحدث إليك؟ لا، إنه ليس أنا، إنه ليس قلبي، إنها ذاكرتي التي تستدعي ما حفِظَتْه وتكرره منذ سنوات.
يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، كم أشعر بالخجل منك، ألا أملك ما أقوله لك سوى ذلك الذي حفظته وقرأته في الكتب؟ أنت حبيب الصادقين، فهل أنا صادق معك، أم أني أكرر مجرد ما تعودتُ قوله؟ هل أحتاج حقاً أن أتذكر ما تعلمته من أدعية كي أدعوك بها وكأني لا أملك ما أقول لك؟!
مولاي أنا حبيس ما تعودت عليه، أنا حبيس ذاكرة تكرر ما حوته، ألا يوجد ما أريد أن أقوله لك غير هذا الذي تعودت قوله وتكراره؟
يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، تساءلت في نفسي: لو أردت أن أقول لأمي قولاً لطيفاً، هل كنت سأستحضر قولاً حفظته عن ظهر قلب، أو قولاً قاله أو كتبه غيري لأقوله لها تعبيراً عن حبي لها؟ ربما فعلت ذلك في هذه أو تلك المناسبة، وهذا ليس عيباً أو خطأً، لكنها ستكون شهادة فقر معنوي إذا غلب على خطابي مع أمي أو مع من أدعي حبه أقوالاً حفظتها وأكررها، فأين ذلك القلب الذي ينبض بالحب والذي لديه الكثير الكثير كي يقول؟
مولاي، إن لم يجد قلبي ما يقوله لك، إذن لكان حالي كحال من ليس لديه ما يقوله لأمه أو لمن يحب، فيستحضر أقوالاً قالها أو كتبها غيره. لكن أليس هذا مخجلاً؟
نعم يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، لا أريد أن أكون مثل من ليس لديه ما يقوله لك، أريد حين أتوجه إليك أن ينطق قلبي وليست ذاكرتي، لن أخاطبك بعد اليوم بأدعية حفظتها وتعودت تكرارها إلا فيما ندر مما تعلمته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل سأطلق لقلبي عنان الحديث إليك دون أن أفكر كثيراً، سأدع قلبي يقول لك كل ما يخطر له، لأَنِّي أريد أن أكون صادقاً في حديثي معك وفي كل ما أقوله لك.
يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، كم شعرت بالوحشة والبعد عنك بسبب انشغالي بتكرار أقوال حفظتها لم يكن القلب حاضراً حين توجهت بها إليك. مولاي شغلتني أقوال وأدعية من ذاكرتي عن أقوال وأدعية من قلبي. مولاي شغلتني ذاكرتي عنك، بل أبعدتني عنك بينما كنت أظن أني قريب منك.
إلهي وربي وسيدي ومولاي، شكواي لم تنته، فقد رفعت يدي أدعوك، فشاهدت نفسي وأنا أطلب منك هذا وذلك من متاع الدنيا، فخجلت من نفسي، أهذا كل ما أريد أن أقوله لك؟ شاهدت نفسي وأنا أتعامل معك كمن يتعامل مع من عنده مصلحة معه، لا يا مولاي، لا أريد أن تكون علاقتي بك محكومة بالمصالح، لا أريد أن يكون حديثي معك عبارة عن تقديم لائحة مطالب لك.
مولاي، شاهدت نفسي وأنا أطلب منك الثواب والحسنات وجنات النعيم، فسألت نفسي، ألهذا أعبدك يا مولاي وسيدي وإلهي وربي؟ أخاف النار وأطلب نعيم الجنة فأدعو وأدعو وألح بالدعاء، ألهذا أدعوك؟ خجلت من نفسي مولاي كيف صارت علاقتي بك محكومة بالمادة والمصالح الدنيوية والأخروية.
مولاي تذكرت رابعة العدوية والتي كانت تمشي يوماً في شارع من شوارع البصرة حاملة في إحدى يديها مشعلاً وفي الأخرى دلواً، فسألها الناس ماذا تريد أن تفعل بهما، فقالت أريد بالمشعل أن أشعل النار فى الجنة وبالماء أن أطفئ نار جهنم ، حتى يبدأ الناس عبادة الله حباً له وطلباً للقرب منه ويتوقفوا عن عبادة الله مجرد طمعاً بلذات الجنة أو خوفاً من عذاب النار.
مولاي، لا أريد أن تكون المصلحة هي التي تحكم علاقتي بك سواء في الدنيا أم في الآخرة. مولاي، لا أريد سوى حبك والقرب منك وهذه عين جنتي التي وعدت عبادك الصادقين، فأعنّي يا مولاي أن أكون صادقاً في حبي لك، فمن لي سواك يمد لي يد الرحمة؟
مولاي، بدأت أفهم قولك في كتابك الكريم: "وما لِأَحَدٍ عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى". هذا هو معنى الإخلاص الحقيقي، عمل الخير لأنك مولاي تحب الخير، لا ابتغاءً لمصلحة، سواء في الدنيا أو في الآخرة. العلاقة الخالصة بك هي علاقة حب غير مشروط.
يا إلهي وربي وسيدي ومولاي، ارحم ضعفي وقلة حيلتي وساعدني بكرمك ورحمتك كي أخلص لك في دعائي وفي حبي لك، فأنا منك ولَك وإليك، فمنك المبتدأ وإليك المنتهى وأنت أرحم الراحمين.