الخوف لا يفنى

الإثنين، 14 مايو 2018 08:00 م
الخوف لا يفنى
نهلة عبدالسلام تكتب :

الخوف لا يفنى ولا يُستحدث من عدم، فهو ناتج ارتطام ذكرياتك بجدار مستقبلك ليرتد مثل السهم الطائش يصيب ما راق له من جسدك.

القلب مجمع الأحبة والدم المراق على أعتاب فراقهم بدعوى من الظروف أو خضوعًا لسنة الحياة، ألسنة ذات نصل حاد وبارد فى الذبح الفظ فى المباغتة.

العقل فصوص محشوة بتفاصيل تراكمت مع دوران شريط عمرك، التلافيف تقيها السقوط فتتثاقل وتتثاقل حتى تسقط أنت حين تعجز فقرات عنقك عن حمل عبء ما تختزنه جمجمتك.
الساق عظام طالما تحملت حماقاتك بداية من ركضك خلف قطارات جل راكبيها يعدونك دخيلا غريبا مصرا على زرع نفسه عضوًا فى كيان لفظه منذ أمد بعيد، ونهاية بإسرافك فى تناول هذا الشخص أو ذاك غير عابئ بحد الكسر.
 كسرة العين حين ينبت لك طرف ثالث خشبى أو ربما تطور الأمر فبت تشتاق الوقوف، أن تطأ الأرض بقدميك تهصرها مذكرًا إياها بأنك سيدها، ولولا الباطن الحافظ لرفات أجدادك وبالطبع فى انتظارك داعيًا كائناته لوليمة طازجة لتماديت وتعديت أكثر وأكثر.
الرئة حويصلات منتفخة بهواء أفسده التناسى يوم وعدوا بالعودة، لوحوا ونفسوا آخر زفير، وبينما الزرقة تعتلى وجهك تخفى لون شفاهك الوردى فتشى بنهاية قريبة بل وتؤكد عليها ما زلت قابضًا على وهم لقاء أقرب.
الشعر المضفور على قصاصات الحكايات وصور البدايات البريئة وسنى العمر النقية حرمتك البحر خشية البلل، اكتفيت بالجلوس إلى الشط متطلعًا للمغامرين بالعبور للضفة المقابلة معتبرًا محاولاتهم دربًا من الجنون محكوم عليهم بالغرق، ما قد يرقى لمرتبة القذف بالنفس للتهلكة والانتحار عمدًا مع سبق حب البقاء، تختار بيوت الرمال تبنيها محاولا وصلها بقنوات، ويسرى الماء وتباغتك الأمواج بتقويضها وتغطيتك، تتشبث بالأنقاض الرخوة فلا تسعفك، تضطر إلى اللجوء لصخرة تضيف لراحتيك جروحا تجاور ندوبك القديمة، وتتساقط القطرات من خصلاتك المبعثرة فيهالك اللون الرمادى الذى ابتلع سواده بأوهامك.
اللسان اللاهج بذكرهم، المعطر بسيرتهم الطيبة، الطيبة بحدقتك، تحصد سخرية المخالطين لهم عن كثب، سخرية مخلوطة بشفقة لذا يؤثرون التأمين على أقوالك معتبرين إياها محض ولهان.
الخوف لا يفنى، معك حتى آخر نبضة، آخر ومضة، آخر خطوة، آخر صبغة، آخر لفظة، الخوف ناتج ارتطام ذكرياتك بجدار مستقبلك، ووحدها الذكريات المتدفقة كسيل كشلال كإعصار قادرة على ثقب الجدار، هدم الجدار فربما ولجت الشمس فجففت منابع ذكرياتك ومدامعك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق