«محكمة النقض ».. بين تفسير القوانين وارساء المبادئ القضائية
الإثنين، 14 مايو 2018 04:00 م
تلعب محكمة النقض دوراً هاماً في توجيه المحاكم نحو الثبات والاستقرار، وهي تختص بمراقبة صحة تطبيق القانون أي التحقق من سلامة أعمال حكم القانون على الوقائع الثابتة في حكم المحكمة الاستئنافية، وليس من وظيفتها إعادة النظر في هذه الوقائع لأنها محكمة قانون لا محكمة واقع .
دور محكمة النقض
وتقوم محكمة النقض بدور هام في إرساء واستخلاص القواعد القضائية من خلال توحيد القضاء واستقراره على مبادئ معينة ، حيث تختلف المحاكم أحياناً في تطبيق القانون و تتباين الأحكام بصدد أمر معين فيعرض النزاع على محكمة النقض لتقول كلمتها بشأنه، وقد يتم الطعن على حكم معين فتؤيده محكمة النقض أو تنقضه.
إرساء المبادئ
وغالباً ما ترسي في كل هذه الأحوال مبادئ معينة تقوم المحاكم عادة بالسير على هذه المبادئ نظراً للمكانة الأدبية لمحكمة النقض من جهة وخشية تعرض الحكم المخالف للنقض من جهة آخري، ويتوحد بذلك اتجاه القضاء أمام المسائل المتشابهة، وتبدأ القاعدة القضائية في الاستقرار بمجرد إقرارها من محكمة النقض وتقرر بأن الحكم المطعون فيه إذا أقام قضاءه على ما يخالف الرأي الذي استقر عليه قضاء النقض، فانه يتعين نقضه لأنه يكون قد خالف القانون .
النقض ترسي مبدأ قضائي: للزوجة الحق في طلب التطليق من خلال دعواها بالإعتراض على دعوى الطاعة
العدول عن المبدأ
ويجوز لمحكمة النقض العدول عن مبدأ قانوني سبق لها أن أقرته حتى تتمكن من تطويع أحكامها لظروف المجتمع المتغيرة ومستحدثات الفكر القانوني، إلا أنه أمام خطورة هذا العدول فانه لابد وأن يصدر من الهيئة المختصة بالمحكمة بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل إذا تعلق الأمر بعدول إحدى الدوائر عن مبدأ قانوني قررته في أحكام سابقة، أما إذا كنا بصدد عدول عن مبدأ سابق صادر عن دوائر آخري تعين موافقة الهيئتين مجتمعتين بأغلبية إحدى عشر عضواً .
«النقض» ترسي «مبدأ قضائي»: عدول المتهم عن جريمته لا يعفيه من العقوبة
قواعد القضاء
والواقع أن قضاء النقض هو الأساس وراء خلق القواعد القضائية، وتكتسب هذه القواعد قوتها الملزمة من وجود هذه المحكمة على رأس السلطة القضائية، ومن ثم فان القواعد القضائية تسير عليها المحاكم ويلتزم بها الناس في حياتهم وتحظى باحترام وتقدير رجال القانون .
فمتى استقر قضاء النقض على مبدأ معين فان المسألة تعتبر قد حسمت من الناحية القانونية ويندر منازعة الخصوم فيها مستقبلا، ومن أهم عناصر تدعيم حجية القاعدة القضائية نشرها في مجموعات قضائية منتظمة ليتحقق العلم بها وإتباعها .
توحيد تفسير المحاكم للقانون
وإنشاء القواعد القضائية لا يتأتى فقط من إكمال النقض التشريعي، بل أن القضاء يقوم بخلق هذه القواعد بمناسبة تفسير القانون كخطوة أولية لتطبيقه، فمحكمة النقض تقوم بتوحيد تفسير المحاكم للقانون، ولا يتحقق ذلك إلا باعتبار التفسير جزءاً لا يتجزأ من النص وله نفس قوته الملزمة والعمومية التي تتميز بها القاعدة التشريعية، فإذا أرست محكمة النقض قاعدة قضائية بمناسبة تفسير نص معين فان هذه القاعدة تندمج بالنص محل التفسير وتكون لهما صفة العمومية ونفس القوة الملزمة ويقتضي أداء محكمة النقض لدورها في توحيد تفسير القانون منحها السلطة القانونية لفرض التفسير الذي تتوصل إليه.
رأى القانون
وفى هذا الشأن، يقول الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائى بجامعة عين شمس والفقيه الدستورى، أن مبادئ محكمة النقض هي القواعد القانونية التي استقرت عليها محكمة النقض واستخلصتها من الأحكام التي تصدرها في إحدى الطعون المنظورة أمامها أو أثناء تطبيق قوانين جديدة وذلك بهدف توثيق أحكام المحكمة ونشرها ليعلم بها المشتغلون بتطبيق القانون ودارسوه.
النقض ترسي مبدأ جديدا: إلزام الورثة برد مبالغ مورثهم من الجرائم ليس عقوبة
وأضاف «الجنزورى» فى تصريح لـ«صوت الأمة» تستنبط المبادئ القانونية لمحكمة النقض من خلال إرسال كافة الأحكام التى تصدرها المحكمة إلى المكتب الفني للمبادئ القانونية والذي يؤلف من رئيس يختار من بين مستشارى المحكمة، ومن عدد كاف من الأعضاء من درجة مستشار أو رئيس محكمة أو قاض، ويكون اختيارهم بموافقة مجلس القضاء الأعلى، بناء على ترشيح رئيس محكمة النقض، حيث يقوم المكتب بمراجعة هذه الأحكام وتبويبها وفهرستها طبقا للحروف الأبجدية ومراقبة نشرها واستخلاص نتائج من شأنها أن تكون قاعدة يستند إليها القضاة في أحكامهم، سواء في حق الدفاع والخصوم والمحامين وإجراءات المحاكمة سواء فى الأحكام الجنائية أو المدنية أو العمالية ويكون لها قوة الالتزام الأدبي.
وأوضح «الجنزورى» إن محكمة النقض ترسل أحكامها في الدعاوى الجنائية والمدنية والعمالية إلى المكتب الفني، لاستخلاص المبادئ منها شهريا والتي يصل عددها في المتوسط من 9 إلى 15 حكما، مؤكدة إن المبادئ القانونية لمحكمة النقض هي القواعد التي يرجع إليها القضاة، سواء فى محاكم النقض أو الاستئناف أو الابتدائية، لتفسير وتأويل نصوص القوانين، سواء كانت هذه النصوص عقابية «مثل الحبس أو السجن على جريمة» أو نصوص مدنية أو عمالية، والتي لم يتم التعرض لها من قبل ومن ثمة تصبح قاعدة قانونية مستقر عليها.
النقض ترسي مبدأ جديدا: الشبورة المائية ليست قوة قاهرة في الحوادث
وفى سياق أخر، قال ياسر سيد أحمد، المحامى بالنقض، أن المبادئ القانونية لها قوة الإلتزام الأدبى من قضاة المحاكم، ولم يحدث من قبل وجود تضارب بين الأحكام والقواعد المستقر عليها، موضحاَ أن الجمعية العامة لمحكمة النقض تتكون من هيئتين عامتين، كل منها يتكون من 11 مستشاراً برئاسة رئيس محكمة النقض أو أحد نوابه، إحداهما للمواد الجنائية والأخرى للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية وغيرها.
وأضاف «أحمد» فى تصريح خاص أنه إذا رأت إحدى الدوائر سواء الجنائية أو المدنية وجود تضارب بين حكم صادر حديث وبين مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة أحال المكتب الفنى لمحكمة النقض الدعوى إلى إحدى الهيئتين، وتُصدر الهيئة أحكامها سواء بإلغاء الحكم الجديد المتضارب أو العدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل عن المبدأ القانونى.
مبدأ الشبورة
وفى غضون أبريل 2018، أرست محكمة النقض مبدأ قضائيًا بعدم اعتبار الشبورة المائية من القوة القاهرة المتسببة في حوادث الطرق.
المحكمة قالت في حيثيات الحكم أن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون حيث أنه أقام قضاءه على سند من القول أن الحادث وقع بسبب خارج عن إرادة قائد السيارة تتمثل في القوة القاهرة بسبب الشبورة المائية وانعدام الرؤيا، ما أدى إلى انحراف السيارات عن مسارها وتصادمها ورتب على ذلك انتفاء ركن الخطأ من جانب قائدها، فأسقط بذلك مسئولية الشركة المؤمنة رغم أن الشبورة لم تكن فجائية ومن الممكن توقعها ودفعها بالحية والحذر والسير بسرعة عادية في مثل هذه الظروف.
وأكدت المحكمة، أن هذا النعي في محلة ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط لاعتبار الحادث من القوة القاهرة عدم إمكان توقعه واستحالة دفعة فإذا تخلف أحد هذين الشرطين انتفت عن الحادث صفة القوة القاهرة وتقدير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر من القوة القاهرة هو تقدير تملكه محكمة الموضوع بشرط أن تلتزم الأسس القانونية وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحملة.
مبدأ إلزام الورثة
وفى غضون 3 مايو، أرست محكمة النقض مبدأ قانونياَ جديداَ يقضى بأن الرد بجميع صوره ليس بعقوبة، إنما المقصود به إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة، وتعويض الدولة عن مالها الذى أضاعه المتهم عليها بقدر ما نسب له إضاعته من أموال.
المحكمة قالت فى حيثيات الحكم بإلزام الورثة برد المبالغ التى تحصل عليها مورثهم من الجرائم المنصوص عليها فى المواد سالفة الذكر من قانون العقوبات وهو قضاء محكمة الجنايات التى أصدرت الحكم الجنائي بالعقوبة الجنائية والعقوبات التكميلية المقضي بها، ومن ثم فإن محكمة الجنايات ببورسعيد التي أصدرت الحكم هى المختصة أصلاً بإصدار حكم برد المبالغ المتحصل عليها من الجرائم المنصوص عليها في المواد سالفة.
وأكدت المحكمة أن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه وإن كان الرد في جميع صوره لا يعتبر عقوبة إذ المقصود منه إعادة الحال إلى مكان عليه قبل وقوع الجريمة وتعويض الدولة عن مالها الذي أضاعه المتهم عليها بما لازمه ومؤداه وصحيح دلالته حسب الحكمة المبتناة من تقريره أن يقتصر الحكم به على ما نسب للمحكوم عليه إضاعته من أموال على الدولة ومن فى حكمها فى هذا الخصوص، وإذا كان الحكم بإلزام الورثة برد المبالغ التى تحصل عليها مورثهم من الجرائم المنصوص عليها فى المواد سالفة الذكر من قانون العقوبات وهو قضاء محكمة الجنايات التى أصدرت الحكم الجنائي بالعقوبة الجنائية والعقوبات التكميلية المقضى بها.
وأضافت أن محكمة الجنايات ببورسعيد التى أصدرت الحكم فى القضية رقم 246 لسنة 83 ج الشرق والمقيدة برقم 84 لسنة 1983 كلى بورسعيد هى المختصة أصلاً بإصدار حكم برد المبالغ المتحصل عليها من الجرائم المنصوص عليها فى المواد سالفة الذكر فى مواجهة الورثة ليكون الحكم نافذاً فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد فى ضوء القواعد التى أرساها قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات ولا يحول دون ذلك أن يكون الحكم قد صدر غيابياً ضد مورث الطاعنين إذ إن على النيابة العامة اختصامهم فى الجناية المشار إليها ليصدر الحكم برد هذه المبالغ فى مواجهتهم ليكون نافذاً قبلهم على النحو المشار إليه.
(الطعن رقم 2944 لسنة 79 جلسة 2017/04/10).
مبدأ عدول المتهم عن جريمته
وفى غضون 8 مارس، أرست محكمة النقض مبدأ قضائيًا، بعدم إعفاء المتهم من العقوبة، حتى إذا أعلن عدوله عن الجريمة أو تراجعه عنها، أو حاول إبلاغ الشرطة عن شركائه، طالما كانت الجريمة قد تمت بالفعل واكتملت أركانها.
وصدر الحكم برئاسة المستشار وجيه أديب، برفض طعن متهمين على حكم الجنايات الصادر ضدهما بالسجن المؤبد لخطفهما مع آخرين، فتاتين لم تبلغا 18 عاماً بالإكراه واستخدام السلاح الأبيض وقيدوهما واقتادوهما واحتجزوهما بأحد المساكن لمدة يومين، حتى يتسنى لهم الحصول على فدية من والد إحدى الفتاتين.
ودفع أحد المتهمين بأنه لا يستحق الإدانة لأنه عدل من تلقاء نفسه عن الجريمة بعد اختطاف الفتاتين، وحاول إبلاغ الشرطة لإعادتهما لذويهما، فقالت المحكمة إن: «هذا العدول الاختياري لا يعفيه من العقوبة، لأن الجريمة كانت قد اكتملت بخطف الفتاتين، وتوافرت جميع أركانها، وبالتالي فلا يجدي نفعا ما يتذرع به من محاولته الإرشاد عن باقي الخاطفين».
وردت محكمة النقض على الأسباب التي استند إليها الطعن على حكم الجنايات، مؤكدة أن الحكم ساق أدلة سائغة لوقوع جريمة خطف أنثى بالتحايل والإكراه المؤثمة، بالفقرة الأولى من المادة 290 من قانون العقوبات، وأن الجريمة تحققت بإبعاد الأنثى عن المكان الذي خُطفت منه، أيًا كان هذا المكان وذلك بأية وسيلة احتيالية أو بالإكراه لسلب إرادة المجني عليها وحملها على مرافقة الجاني.
وذكرت محكمة النقض، أن حكم الجنايات أثبت تنفيذ المتهمون للجريمة، وتواجدهم جميعًا على مسرح الحادث كفاعليين أصليين.
وأضافت محكمة النقض أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إلى اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ولا يلزم في الأدلة التي يُعتمد عليها أن ينبئ كل منها، ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي.