الدراما فتحت الملف الشائك.. ماذا قالت الإفتاء عن الزواج بين «المسلمين والمسيحيين»؟
الإثنين، 07 مايو 2018 03:00 مكتب:حسن الخطيب
لاخلاف على أن الفن والدراما الهادفة، تقوم باستهداف قضايا اجتماعية معينة، لطرحها ومناقشتها بأسلوب بسيط، وبمنهج مقبول، يمكن المجتمع من تقبل تلك الحلول، لكن في بعض الأحيان هناك تجاوزات لايمكن للمجتمع تقبلها بأي حال من الأحوال.
ومن تلك الحلول التي طرحتها الدراما المصرية، ماتناوله المسلسل العربي المصري "ألوان الطيف" والذي يذاع على أحدى الفضائيات، حيث طرح المسلسل قضية شائكة وحساسة للغاية، وقدمها في مشهد له جمع بين أم لشاب مسلم، وفتاه مسيحية، حيث طلبتها الأم خطوبتها لأبنها المسلم.
وفي رد الفتاة المسيحية للأم، لم تنكر موافقتها على الخطوبة، ولكنها عللت خوفها بالموروثات الثقافية للمجتمع الشرقي ككل، ودعمت ذلك من خلال حديثها ضمن السياق الدرام، بأن المجتمع الذي من حولها قاسي ولا يرحم، وهو مايشكل هذا الخوف الذي يعتريها، لترد الأم المسلمة، قائلة: أنه لو كان هذا الأمر في بلد غير مصر لما اصبح هناك مشكلة، وكأنها تدعو المجتمع إلى تغيير اهذا المروث الثقافي.
ذلك الأمر وضع على المحك مقارنة بين العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في السابق، والحالي، وتفشي التعصب، والكراهية ضد الأخر، إلا أن أسلوب عرضه أثار استفزازا كبيرا لدى المتابعين، حيث تعترف الفتاة المسيحية بحبها للشاب المسلم دون قيود.
من الناحية الاجتماعية، فإن هذا الأمر غير قابل للتطبيق، لاسباب عديدة، أبرزها التعصب الديني، رغم أن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر علاقة أخوة ورباط ومحبة، إلا أن هذه القضية تحديدها تحدوها العصبية الدينية، وأغلب المشاكل التي وجدت خلال الفترات السابقة بين المسلمين والأقباط، كان أبرزها تلك القضية.
سمعنا عما حدث في محافظة قنا في التسعينيات، ومن قبلها في محافظة أسيوط، ومن بعدها في محافظة المنيا، وغيرها من الحالات التي دائما ما كانت تنتهي بمشاكل بين المسلمين والمسيحيين، رغم أن الإسلام لايحرم زواج المسلم من المسيحية، لكنه يحرم زواج المسلمة من المسيحية، وهو ماسيكون محور تقريرنا التالي.
وقبل الحديث عن المحور الشرعي لهذه القضية، يجب الاعتراف بأن الزواج بين مسلم ومسيحية في دولة أخرى خارج نطاق الدول العربية، منتشر بشكل كبير، حتى بين الشباب المصري، الذي يسافر لدول اوربا او الولايات المتحدة الأمريكية، ويتزوج بفتاه غير مسلمة وغير عربية، وتظل العلاقات فيما بينهم علاقات طيبة، وكل منهما له معتقده ودينه، فهم ينظرون إلى عقد الزواج على أنه عقد مدنى.
أما المحور الشرعي لتلك القضية، فإنها تأتي على شقين، الشق الأول: وهو مايتناول زواج المسلم من المسيحية، حيث أن الإسلام أحل تلك القضية وجعلها مباحة، بدليل قوله تعالى "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".
وإذا ماحدث وتزوج المسلم المسيحية، فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها أو منعها من ذهابها إلى الكنيسة، وأوجبت على المسلم ضرورة توفير عنصر الاحترام لعقيدة زوجته وعبادتها، وفي ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.
أما الشق الثاني: فهو زواج المسلمة من المسيحي، وه الإشكالية الرئيسية لهذه القضية، حيث أن العقيدة الإسلامية تحرم هذا الأمر، وذلك لما جاء في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم، ولا هم يحلّون لهن".
وقد أوردت دار الإفتاء المصرية فتواها حول تلك القضية، حيث بينت، أن الإسلام أباح زواج المسلم من الكتابية، بخلاف العكس، فلا يحل للكتابي أن يتزوج بمسلمة، مبينة أن العلة الأساس في هذه المسألة تعبدية، بمعنى عدم معقولية المعنى، وذلك في كل الشرائع السماوية، فإن تجلّى بعد ذلك شيء من أسباب هذا التحريم فهي حكم لا علل.
وأشارت الإفتاء إلى أن الأصل في الزواج أنه أمر لاهوتي وسر مقدس، وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ؛ فقال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾، وتكلم الفقهاء في الحكمة من هذا التحريم فقالوا: إنه لو جاز ذلك لكان للزوج غير المسلم ولاية شرعية على الزوجة المسلمة، والله تعالى لم يجعل لغير المسلمين على المؤمنين سبيلًا شرعيا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورا.
وأوضحت دار الإفتا بأن الفقهاء قالوا: إن المسلم إذا تزوج من مسيحية أو يهودية فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له-من وجهة النظر الإسلامية أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة، وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفي ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.
أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام ولا يعترف به؛ لأن الإيمان به والاعتراف بصحة ما جاء به يعني ضرورة اتباعه، وحينئذٍ لا مناص له من أن يكون مسلمًا، بل إنه بعدم اتباعه للإسلام يعتبره نبيًّا زائفًا وَيُصَدِّق -في العادة- كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع.
وتابعت دار الغفتاء فتواها، بأنه حتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها، وهذا أمر لا تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة، فالقضية قضية مبدأ، وقد كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه حين حرم زواج المسلم من غير المسلمة التي تدين بدين غير المسيحية واليهودية.
وذلك لنفس السبب الذي من أجله حرم زواج المسلمة بغير المسلم، فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا بشرية، فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة في هذه الحالة -بعيدا عن المجاملات- يكون مفقودًا، وهذا يؤثر سلبا على العلاقة الزوجية، ولا يحقق المودة والرحمة المطلوبة في العلاقة الزوجية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن جانبه يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الازهر والعميد الاسبق لكلية الدراسات الإسلامية، أن الزواج في الاسلام يقوم على الود والمحبة والاحترام، ويقوم على غاية التي من أجلها خلق الله الانسان وهو إعمار الكون، ولهذا كان عقدالزواج في الاسلام شريعة بين الزوج وزوجته، كما أن الرجل المسلم امين على المرأة المسيحية، وسيعاملها وفقا لما أمرته به الشريعة الإسلامية، فلن يمنعها من ممارسة شعائرها الدينية.
وتابع أستاذ الشرعة الإسلامية، اما كون الإسلام حرم زواج المسلمة من المسيحية، لما أن للرجل ولاية على المرأة، فخيف على المسلمة أن تتبع زوجها، ولهذا كان علة التحريم، عملا بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم، ولا هم يحلّون لهن".