لغز مذبحة الرحاب.. فتش عن اليأس الذي يدفع إلى الانتحار
الأحد، 06 مايو 2018 05:31 م
«الانتحار» ظاهرة كارثية انتشرت خلال الفترة السابقة، حيث شهدت مصر عددًا من حالات «الانتحار»، إلا أن عملية التزايد فى معدلات «الانتحار» أصبح كابوسًا يؤرق المجتمع بجميع شرائحه الغنى والفقير، مثلما حدث فى فيلا الرحاب الذي وقع فيها قتل أم وابنيها وانتحار والدهما بسبب ضائقة مالية وقع بها الأب.
أكثر الأعوام تسجيلا لحالات الانتحار:
في عام 2007: أظهرت دراسة مصرية أن هناك 3708 محاولات انتحار وقعت في مصر خلال العام، وأن نسبة المحاولين للإنتحار من الإناث كانت أكثر من الذكور لتصل إلى 68 في المئة للإناث مقابل 32 في المئة للذكور.
عام 2009: شهد محاولات للانتحار في مصر بلغت 104 آلاف حالة، وتقول الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن جريمة الانتحار في مصر، أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يوما بعد يوم.
وشهد عام 2011 نحو 18 ألف حالة محاولة انتحار وصلت إلى مركز السموم خلال العام، أغلبهم من الرجال، وتشهد مصر سنويا نحو 3 آلاف حالة محاولة انتحار لمن هم أقل من 40 عاما، فيما تقول تقارير أخرى إن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الانتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.
مركز السموم، كشف عن وقوع 2335 حالة محاولة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويًا، كان النصيب الأعلى بينهم من الفئة العمرية التي تتراوح بين 22 و25 عامًا، بنسبة تجاوزت فاصل الـ 50 بالمئة، حسبما أكدت أيضًا إحصائية «المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية».
أسباب الانتحار
ويرى الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن الاكتئاب أهم العوامل التي قد تؤدى إلى محاولة الأشخاص التخلص من حياتهم عن عمد، حيث يوضح أن نسبة المنتحرين بسبب الاكتئاب تصل من 15 إلى 18,9 بالمئة من حالات الانتحار يليه الإدمان بنسبة 15 بالمئة، ثم الفصام بنسبة 10 بالمئة. مضيفا: «98 بالمئة من حالات الانتحار وراءها دوافع مرضية، سواءً عضوية أو نفسية، النسبة القليلة المتبقية بتعبر عن اختيار حر».
وأرجع «المهدى» فى تصريحات صحفيه، ظاهرة الانتحار إلى الاضطراب النفسي، مشيرًا إلى أن ما يقرب من 34 بالمئة من المصريين يعانون منه، 15 بالمئة منهم يخططون للانتحار، حيث أن الاكتئاب أحد أسباب تلك الظاهرة، بالإضافة إلى سقوط الرمز الديني، وعدم وجود جهات خاصة بالنشر الصحيح للدين، وكذلك انتشار تعاطي المواد المخدرة وزيادة معدلات البطالة.
وأشار إلى أن قضايا مثل العنف المنزلي والزواج المبكر والبطالة والتربية الخاطئة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، تسهم في انتشار ظاهرة الانتحار، مشددًا على أن أصحاب محاولات الانتحار مرضى نفسيين أهملت الأسرة والمجتمع رعايتهم، أن الأسباب الاجتماعية للانتحار في مصر تأتي في المرتبة الأولى، متنوعة ما بين خلافات ونزاعات أسرية، وشجارات ونزاعات زوجية، ويرتبط الكثير منها بالشعور بالضيق لأسباب مالية.
وأوضح أن الأسباب المالية المباشرة تعد السبب الثاني والأهم في زيادة حالات الانتحار بمصر، في ظل تدني الرواتب، وتراجع فرص العمل، والارتفاع اليومي في أسعار السلع والخدمات، مما أصاب المواطن بالاكتئاب والاضطراب النفسي، مضيفاَ أن هناك 4 أسباب نفسية تدفع الأشخاص للانتحار، أبرزها الاكتئاب العقلي، والاضطرابات الشخصية، أما السبب الثالث، فيعرف بين أطباء علم النفس بـ«فقدان العقل»، وأخيرًا يأتي «الانتحار العاطفي».
بينما أرجع خالد رجب، الخبير القانونى المتخصص فى قضايا الأسرة، أن ظاهرة الانتحار في مصر تنقسم إلى شقين مميزين، الأول: تراجع المستوى المعيشي جراء الفشل في إدارة الأمور اقتصاديًا وسياسيًا، فلم يجد الإنسان سوى روحه ليحتج بها، وهي صورة احتجاج إنسانية معروفة في كل العالم، أما السمة الثانية لظاهرة الانتحار مرتبطة بالشباب، ومدى قدرته على تحقيق الإنجازات والأمل والتفاؤل لتحقيق الذات، فإذا ما عجز الشاب عن تحقيق كل ذلك أصبح عمره دافعًا مثاليًا للانتحار.
رأى الدين
وبالنسبة لرأى الدين في «الانتحار»، فالأمر لا يزال محل جدل ما بين المطرود من رحمة الله تعالى وما بين رحمة الله التي وسعت كل شيء، حيث إن لا أحد يعلم هل هو مؤمن أم كافر، تشمله رحمة الله أم مطرود من تلك الرحمة الله؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه معظم الأسر التي ينتمي إليها عدد من المنتحرين ذلك حماية لنفسها من العار المجتمعي الذي يلاحقها.
رجال الدين من الأزهر الشريف، أكدوا أنه لا بدَّ من التفريق بين تعامل المولى عز وجل مع المنتحر وتعامل المسلمين معه، حيث إن المسلمين يجب أن يتعاملوا مع المنتحرين كأى مسلم عادي، يدفن في مقابر المسلمين، لأن الانتحار ذنب وكبيرة من الكبائر، والله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به، والله قادر على أن يغفر الانتحار ويدخل الشخص الجنة.
وكذا الأزهر الشريف في فتوى سابقة له، أكد أن المنتحر واقع في كبيرة من عظائم الذنوب، إلا أنه لا يخرج بذلك عن الملَة، بل يظل على إسلامه، ويصلَى عليه ويغسَل ويكفَن ويدفن في مقابر المسلمين؛ قال شمس الدين الرملى في «نهاية المحتاج» (2/ 441): [(وغسله) أى الميت (وتكفينه والصلاة عليه) وحمله (ودفنه فروض كفاية) إجماعا؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتلُ نفسِهِ وغيرُه.
القانون والانتحار
التشريعات الجزائية تُعدّ في أغلب الدول العربية متقاربة؛ لما لها من مرجعية تاريخية مشتركة سواء كانت إرثًا ثقافيًا أو استعماريًا، ولذلك فإن كثيرًا منها قد تناول بعض الموضوعات بشكل متشابه، مع وجود بعض الاختلافات لأسباب تتعلق بوضع كل دولة، فما رأي القوانين العربية في مسألة اﻻنتحار؟ وكيف تعاقب السلطة القضائية المُحرِّضين على إنهاء الحياة أو المساعِدين في اﻻنتحار؟ وهل مِن دولة تعاقب مَن يحاول اﻻنتحار؟
تناولت التشريعات الجزائية العربية موضوع الانتحار بشكل متقارب؛ فأغلبها لم تجرم الانتحار نفسه ولا الشروع فيه ولكنها جرَّمت التحريض عليه والمساعدة فيه.
فى هذا الشأن، تقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض ياسر سيد أحمد، أن التحريض يعرَّف قانونًا بأنه «حمْل شخص آخر ومحاولة حثه بأي طريقة كانت على الإقدام على الجريمة»، مؤكداَ أن التحريض على الانتحار هو النوع الوحيد من التحريض المجرَّم على فعل ليس مجرمًا، ويكون التحريض بأية طريقة مثل الكتابة أو التلقين، أما توفير وسائل الانتحار فهي ترقى لأن تكون مساعدة تتعدى التحريض.
الانتحار فى القانون المصرى.. المُحرِّض مُدان لكن المُنتحر ليس كذلك
وأضاف «أحمد» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن القانون المصري لا يعاقب على الانتحار لكنه يجرِّم التحريض والمساعدة دون الفعل ذاته، وكذلك القانون الكويتي الممثل بالمادة «١٥٨» من قانون الجزاء: «كل مَن حرض أو ساعد أو اتفق على الانتحار وانتحر يعاقب بالحبس لمدة لا تجاوز ٣ سنوات وغرامة لا تجاوز ٣ آلاف روبية (وهي العملة المتداولة في بعض القوانين) أو بإحدى هاتين العقوبتين».
الانتحار فى سوريا
وأشار «أحمد» إلى أن المِثل في القانون السوري، إلا أنه أخذ بظرف التخفيف من مسؤولية القاتل في حالة الإشفاق في المادة رقم (٥٢٨) من قانون العقوبات؛ إذ «يُعاقَب بالسجن ١٠ سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب»، وبخاصة في حالات المرض المستعصي؛ فقد وجد المُشرِّع السوري هنا أن دافع القتل إنساني إشفاقًا على طالب الموت فخفف العقوبة.
الانتحار فى العراق
وأوضح أن الفقرة (٣) من المادة (٤٠٨) من قانون العقوبات العراقي تنص بشكل صريح على عدم تجريم الشروع في الانتحار بأنه «لا عقاب على من شرع في الانتحار»، لكن المُشرِّع العراقي في المادة رقم (٤٠٨) الفقرة (١) فرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على ٧ سنوات لكل من حرض على الانتحار أو ساعد فيه.
وأكد أن القانون يشترط في بعض الأحيان وقوع «الانتحار» وقتل النفس حتى تتم معاقبة المحرض والمساعد كما في القانون الكويتي والسوري والعراقي، وفصّل القانون السوري هذا الأمر؛ إذ يعاقب المحرض والمساعد حتى لو لم يقع الانتحار لكن نجم عنه إيذاء أو عجز دائم، وذلك في المادة (٥٣٩) من قانون العقوبات.
الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.
وشدد القانون العراقي العقوبة على المحرض والمساعد إذا كان المنتحر قاصرًا لم يُتم الثامنة عشرة من عمره أو ناقص الإدراك والإرادة، أما إذا كان فاقدًا لهما، فيعاقب المحرض والمساعد بعقوبة القتل العمد أو الشروع فيه.
القانون الأردنى
أما في القانون الأردني فإن الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.
قد يكون المُنتحِر مُجرِمًا
وأوضح «أحمد» تدور فلسفة المشرِّع بشأن عدم تجريم «الانتحار» و«الشروع فيه» حول أمرين؛ فالمنتحر قد انتهت حياته ولذلك تسقط عنه أية عقوبة قانونية، أما من يشرع في الانتحار فهو فاقد للأمل يائس من الحياة لأي سبب كان، سواء كان ضغطًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو نفسيًا، فلا يرى المُشرِّع هنا أنه من المنطقي معاقبته على يأسه بما يزيد منه، بل تجب مساعدته، كما أنه عدّ الموت وسيلة نجاة؛ فلا فائدة من معاقبته بعقوبة أخرى.
إلا أن تشريعات عربية أخرى اتخذت منحى آخر في هذا الشأن؛ فعاقبت على الشروع في الانتحار، مثل القانون العماني الذي ينص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبالغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادةً».
كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة.
والأمر كذلك في القانون القطري؛ إذ تنص المادة (١٥٧) من قانون العقوبات القطري على أن «كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد عن ألف ريال أو بالعقوبتين معًا»، والقانون السوداني أيضًا يرى الأمر بالطريقة نفسها، فهو ينص في مادته رقم (١٣٣) على أن «من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأي وسيلة يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا».
ما الذي يمكن للدولة فعله؟
وسط اهتمام التشريعات العربية بما يخص الانتحار ووضع نصوص قانونية له، ما دور الدولة وما الذي تقدمه لمن لديه ميول انتحارية أو سوابق في الشروع في الانتحار؟ هل هناك مراكز متخصصة لمساعدة من تنتابه هذه الرغبات؟
أكد «أحمد» أن الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية، فهى في الواقع ليس هناك اهتمام عربي كاف بهذا الشأن من قبل الأجهزة الرسمية للدولة، وربما كان السبب هو أن معدلات الانتحار في الوطن العربي لم ترقَ، من وجهة النظر الرسمية، إلى أن تكون ظاهرة تحوز اهتمامَ الدولة، أو أن الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية.
وأضاف «أحمد» أنه تجد في القاهرة من الشباب الناشطين اجتماعيًا من يتطوع للحد من هذه الحالات، وتابع: «وعلى هذا نتمنى تفعيلاً أكبر لدور الدولة في معالجة الأمر والتدخل لمساعدة من لديه هذا النوع من الميول، وذلك عن طريق توفير مراكز للصحة النفسية وخطوط هاتفية مباشرة لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى الحملات التوعوية للمحيطين بمن يفكر في الانتحار ليؤدوا دورهم في مساعدته، ومن المهم أيضًا إجراء البحوث والدراسات حول أسباب الانتحار والوصول إلى المعدلات الحقيقية لعدد المنتحرين ومن لديهم ميول انتحارية مما سيسهم في معالجة المسألة التي قد تؤثر في المجتمع والدولة».