شيخ الأزهر: تجديد الخطاب الديني يبدأ بالتيسر (صور)
الجمعة، 04 مايو 2018 08:38 م
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الجمعة، المحاضرة السنوية للمجلس الإسلامي في سنغافورة، والتي جاءت تحت عنوان "الدين كعامل للوحدة"، وذلك في إطار زيارة فضيلته الحالية إلى جمهورية سنغافورة، وضمن احتفال المجلس الإسلامي السنغافوري بمرور 50 عاما على تأسيسه.
أدار المحاضرة الدكتور محمد مالكي عثمان، كبير وزراء الدولة لشئون الخارجية والدفاع، والوزير المرافق لفضيلة الإمام الأكبر، بحضور وزير التربية والتعليم أونج يي كونج، ووزير الاتصالات السابق الدكتور يعقوب إبراهيم، والدكتور محمد فتريش، مفتي جمهورية سنغافورة، وحاج عبد الرزاق مايكار، مدير المركز الإسلامي في سنغافورة.
وشدد الإمام الأكبر، في بداية المحاضرة، على أن زيارته لسنغافورة "ليس المقصودُ بها زيارة المسلمين فقط؛ بل هي زيارةٌ لشعبِ سنغافورة "مسلمين وغير مسلمين"، من أجلِ تدعيمِ وَحدَتِهم العظيمة، وعَيشِهم المشتَرَكِ، وتقديمهم نموذَجًا رائعًا للأخوَّة في الوَطَن وفي الإنسانيَّةِ، والعملِ يدًا واحدةً من أجلِ مُجتمَعٍ راقٍ مُتقدِّمٍ وقويٍّ".
وأشار الإمام الأكبر إلى أن القرآن يقرر اختلاف الناس في الاعتقادات وفي الأفكار والمشاعر والسلوك، وأن هذا الاختلاف سنة إلهية، وأنه باق فيهم إلى يوم القيامة.. كما أن القرآن كلف للإنسان حرية الاعتقاد أيا كان نوع هذه العقيدة، وأيا كان قُربها أو بعدها من الدين الإلهي الصحيح، والقرآن، كذلك، يقرر أن علاقة الناس في إطار حق الاختلاف هي علاقة التعارف والسلم والتعاون والتكامل.
واعتبر الطيب أنه من الجهل الفاضح بالإسلام والقرآن أن يُقال إن علاقة المسلم بغير المسلم أو بالكافر هي علاقة الدم، حيث لم يُسَجِّل التاريخ حالة واحدة دخل فيها المسلمون بلدًا وخيَّروا أهلها بين الدخول في الإسلام أو القتل أو التهجير القسري من البلاد، مشددا على أن الإسلام دين السلام ليس بين المسلمين فقط، بل بين المسلمين وغير المسلمين، وعلى المسلم الذي يقتدي بنبيه أن يكون مصدر رحمة لنفسه وللمسلمين وللناس أجمعين.
ولفت إلى أن الإسلام هو دين الأخوة الإنسانية، وإذا كانت الأخوة الدينية ترتِّب على المؤمنين حقوقا وواجبات؛ فإن الأخوة الإنسانية ترتب على الناس حقوقا وواجبات أيضا، ومطلوب من المسلم شرعا أن يتعامل مع الناس جميعا بالبر وبالقسط الذي هو العدل؛ لأن الله يحب الذين يتعاملون مع غيرهم بهذه الأخلاق.
وفي نهاية المحاضرة، أجاب فضيلته على عدد من أسئلة الحاضرين، حيث أوضح إن هناك علاقتين: الأولى علاقة "الأخوة الدينية" والثانية علاقة "الأخوة الإنسانية"، وهناك دائما مشتركات بين الناس بغض النظر عن أديانهم، فهناك مآسي الفقر والمرض والجوع، وهي تستوجب مشاركة أي إنسان من أجل مواجهتها، وعلى المسلم أن يكون هو المبادر بالاتصال بالآخر، للاستفادة من عناصر الخير الموجودة بداخله.
وردا على سؤال حول المقصود بتجديد الخطاب الديني، أوضح الإمام الأكبر أن تجديد الخطاب الديني يكون بتيسيره كي يفهمه الناس ونحل به المشاكل المعقدة، خاصة قضايا المرأة، حيث لا زلنا نخشى أن نقدم فقها في الأحوال الشخصية، من منطلق الإسلام وليس فقها مستوردا، يساعد المرأة على العمل والاندماج وأن تكون عضوا فعالا في المجتمع، لكن تجديد الخطاب الديني لن يمس الثوابت أبدا.
وأشار فضيلته إلى أنه من الصعب إرجاع ظاهرة الإرهاب لأسباب دينية بحتة، وإن كان البعض قد استغل بعض المتطرفين الذين يكفرون الناس، لذا يجب أن نراقب مناهج التعليم، وننقيها من عناصر رفض الآخر، حيث إن منهج الأزهر يعود الطالب على الانفتاح والتعددية والرأي الآخر، وهذه سمة عامة في التراث الإسلامي، لأنه يقوم على الحوار والمراجعة، ولابد أن نقدم تعليما حواريا وليس تعليما قائما على الحفظ.
وعن الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، أوضح الإمام الأكبر أن السنة والشيعة عاشوا 14 قرنا إخوة، ولا توجد بيننا من خلافات إلا الخلافات العادية بين المذاهب المختلفة، لكن أن يتخذ من السني والشيعي وسيلة لتفجير صراع تباد فيه شعوب وأمم بأكملها، فهذا لا يرجع إلى الشيعي أو السني، وإنما هو اختطاف للمذهبين ووضع كل منهما في مواجهة الآخر، لينفجر الموقف وليتدفق السلاح وتقسم المنطقة، كما سمعنا قبل سنوات عن الشرق الأوسط الجديد.
وشدد فضيلته إلى أن هذه أمور مفتعلة ونحن في الأزهر ندرس المذهب الشيعي ولا نجد حرجا في ذلك، ولذلك نحن نسعى لوحدة المسلمين، وليس من الصالح إطلاقا أن يقسم المسلمون إلى فرقاء يتصارعون، وما كان ينبغي أن نبتلع هذا الطعم، فقد ابتلعنا الطعم في السنة والشيعة، وفي الإسلاموفوبيا، وأخيرا طالبوا بأن يجمد المسلمون بعض آيات القرآن الكريم.. "فهل نضعها في الثلاجة مثلا".
وردا على سؤال حول كيفية تعايش المسلم في مجتمع علماني، أوضح فضيلته أن هناك درجات من العلمانية، فهناك علمانية متسامحة، وعلمانية شرسة، والعلمانية الشرسة التي تقصي الدين والمؤمنين وتجعلهم يشعرون كما لو كانوا أغرابا يجب أن تقاوم فكريا من أجل الحق في الحرية، فالتي تريد أن تتحجب يجب أن تحترم على نفس قدم المساواة مع غير المحجبة، أما العلمانية المتسامحة، فليس هناك مشكلة معها، لأن المجتمع يسع الجميع.