بمناسبة العيد القومي للمرأة... هل أجاز الإسلام تعدد الزوجات.. أم أنها بدعة سلفية؟
الأحد، 11 مارس 2018 04:00 صحسن الخطيب
تعالت أصوات التيارات الإسلامية خلال الفترة الماضية بإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم في "تعدد الزوجات" وبخاصة التيار السلفي، زاعما بأنها سنة عن النبي، وأن الله تعالى أوجبها، وجعلها في مرتبة الفريضة من أجل أن تتكاثر الأمة الإسلامية وتزداد، وتكون أمة متكاثرة عملا بالحديث الشريف "تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة".
وشاعت في الأوساط السلفية مبدأ "تعدد الزوجات" حتى أصبحت في مرتبة الفريضة، تحت شعار من أجل نصرة الدين، وأحياءا للسنة النبوية المندثرة، وتخطى المبدأ حواجز المعقول حتى أن زوجات بعض رجال التيار السلفي يقمن بأنفسهن باختيار الزوجات الأخريات لأزواجهن.
وأصبح رجال التيار السلفي يخرجون في كل مناسبة اجتماعية رافعين شعارات تشجع على "تعدد الزوجات"، مطالبين بضرورة قيام الحكومة بتشجيع الفتيات على قبول فكرة تعدد الزوجات لحل مشكلة "العنوسة"، مشددين على ضرورة تغيير النظرة الاجتماعية الخاطئة عن تعدد الزوجات، فالتعدد سنة نبوية، وفيه فوائد كثيرة على الأفراد والمجتمعات.
بنت بنوت
وفي ظل الدعوات المنادية بـ"تعدد الزوجات"، نجد الشيوخ وأصحاب الأموال، يتجهون للفتيات "بنت البنوت"، ذات العشرين عاما، من أجل إحياء السنة، ويتركون الزواج من الأرامل، أو المرأة التي لديها أطفال أيتام، أو الزواج بالبنت ذات الأربعين عاما، وكأنما على أبصارهم غشاوة عنها، بل نراهم يبحثون عن بكر صغيرة السن يستمتعون بها وكانها دمية.
ويستدل أصحاب هؤلاء المنهج أن النبي رغب في الزواج من البنات "الأبكار"، من حديث جابر بن عبد الله أنه قد مات والده وترك له أخوات فجاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي حين استأذنته هل تزوجت بكرا أم ثيبا، فقلت: تزوجت ثيبا، فقال: هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك، قلت: يا رسول الله توفي والدي ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن.
رخصة مقيده
ووفي المقابل، يذهب فريق من علماء الدين وبخاصة الأزهر الشريف، على نقض المبدأ الذي ينشره السلفيين، ويؤكدون بأنه من الناحية الشرعية، فإن مبدأ "تعدد الزوجات" لم يترك لهوى النفس، مؤكدين بأنه كما للزوج حقوق في أن تعدد زوجاته، فإن للزوجة أيضا حقوق، ولا يصح للرجل التعدد للزوجات في ظل قيام الزوجة بواجباتها متكاملة اتجاه الزوج.
ويستدل هذا الفريق على ذلك، بأن تعدد الزوجات لم يذكر إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا"، فالإسـلام لم يجعل التعـدد فرضا أو سنة مؤكدة، وإنما جعله محددا، فلم يأمر بالتعـدد على سبيل الوجـوب، وإنما رخص فيه وجعله مقيدا.
فرض ابن باز
يرى الداعية السلفي الشيخ ابن باز، أن من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد هو الأفضل، فهو كافر ومرتد عن الإسلام، لأنه منكر لحكم الله وكاره لما شرع الله، والله يقول سبحانه "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ"، من كره ما أنزل الله حبط عمله، مبينا أن الذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة قد ظلمت، أو أن حكم الله في هذا ناقص، فهو ردة على الإسلام.
وضرب ابن باز في كتابه "مجموع الفتاوى" أن هذا المبدأ مثله كالذي يقول أنه لو ترك الناس بدون صلاة كان أحسن أو بدون صيام أحسن، أو بدون زكاة يكون أحسن، فمن قال هذا فهو كافر، ومن قال أن عدم الصلاة أولى أو عدم الصيام أولى أو عدم الزكاة أولى، أو عدم الحج أولى كان كافراً، وهكذا لو قال إن الحكم بغير ما أنزل الله جائز أو أنه حسن، كعدم تعدد الزوجات، فهو ردة عن الإسلام.
بينما يرى ابن تيمية إمام السلفيين، في كتابه "فقه الأسرة" "بأن مبدأ "تعدد الزوجات" هي سنة نبوية، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ورغب فيها، ودعا إليها، ولهذا كانت من السنة، فالحكمة الإلهية تقتضي أن تكون الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم "تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة"، ولذا فإن من كمال حكمة الرب تعالى وإحسانه ورحمته بخلقه ورعاية لمصالحهم فقد أجاز التعدد".
اقرأ أيضاً: "زواج المتعة".. باطل عند الفقهاء.. زنا عند الأزهر.. جائز عند ابن تيمية.. مباح عند الشيعة
الدين بيقول ايه؟
ومن ناحيته يقول الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن "تعدد الزوجات" في الإسلام أمر مشروع، وهو ماجاء في قوله تعالى في سورة النساء " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ"، وهذا دليل على إباحة المشرع الحنيف للرجل تعدد الزوجات، لكن التعدد لايكون لهوى النفس، حيث إن الشرع الحنيف رخص فيه بشروط.
وأشار أمين الفتوى إلى أن الأصل في ترخيص تعدد الزوجات، هو أنه كان شائعا بين العرب قبل مجيء الإسلام، فكان الرجل في الجاهلية يتزوج بما شاء من النسوة وبالكيفية التي أرادها من أنواع النكاح التي كانت موجودة في تلك الفترة، فلما جاء الإسلام، وكان لدى بعض الرجال ممن دخلوا الإسلام، أكثر من عشر نسوة، قام الشرع الحنيف بتحديد العدد من الزوجات واقتصارهن على أربع فقط.
وشدد أمين الفتوى بأن الإسلام جاء بالحد في تعدد الزوجات، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون بأنه سنة أو فرض، مشيرا إلى حديث سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة الثقفي رضي الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا"، منوها أن ما ورد بالحديث هو أمر بالحد من عدد الزوجات لمن كان يزيد على أربع، ولم يرِد ما يدل على أنه يجب على من تزوج واحدة أن يتزوج بأخرى؛ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب وشروط، أهمها العدل والاستطاعة.
للضرورة أحكام
الدكتور علوي أمين خليل عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر، يؤكد على أن الإسلام عندما أباح تعدد لزوجات، فقد أباحها للضرورة، معتبرا أنها رخصة دينية رخصها الله تعالى للمضطر، فأجاز الزواج مثنى وثلاث ورباع للمضطر، كان تكون زوجته الأولى عاقرا، آو أن زوجته الأولى مريضة مرضا عضال لايمكن من خلاله قضاء حاجاته ومتطلباته.
وأضاف أستاذ الشريعة، أن النص الديني الذي نزل في هذا الشأن كان مشروطا، وهو قوله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا"، فمن قال بفتاوى التعدد تمسكوا بالعبادة والإباحة، وتركوا الشروط.
وأوضح أمين بأن الشروط التي اقرتها الشريعة فيمن أراد التعدد ضرورة إقامة العدل وعدم إلحاق الضرر بالزوجة، فإن رفضت الزوجة من زواج زوجها بغيرها فهي محقة، لأنه سيلحق الضرر بها، منوها إلى أن الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى تحريم الزواج إن تيقن الظلم على الزوجة الأولى، لأن حكمة الزواج في الإسلام إنما هي لتحصين النفس، وإنجاب الولد، فإذا حدث ظلم أو ضرر من الزواج الثاني للزوجة الأولى، فقد ارتكب الزوج أمر محرما، وهنا يجب أن نخضع للقاعدة الفقهية "دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة".