"من يسخر الجان من الأولياء الصالحين".. هكذا حلل ابن تيمية استعانة البشر بالعفاريت

الجمعة، 02 مارس 2018 10:00 ص
"من يسخر الجان من الأولياء الصالحين".. هكذا حلل ابن تيمية استعانة البشر بالعفاريت
تسخير الجن
حسن الخطيب

يتملكنا الخوف في كل مرة، ونحن نشاهد الفيلم الشهير "التعويذة" الذى يرصد مراحل تسخير الجان من أجل إيذاء و أيقاع الإضرار بالبشر، حيث تدور قصة الفيلم حول الاستعانة بأحد الدجالين من أجل تسخير الجان في إلحاق الإيذاء بأهل بيت كان يريد شراءه، وقد رصد الفيلم مراحل الاستعانة بالجان وكيفية تسخيره 
 
 عرفت الإنسانية تسخير الجان من خلال ماحكاه القرآن الكريم عن النبي "سليمان بن داوود" عليهما السلام، في قوله تعالى " وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ "، وقوله أيضا "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ".
 
ووفق ما بينته الآيات الكريمات بأن النبي "سليمان" كان يستخدم الجان بأمر من الله تعالى، فكانوا يطيعونه طاعة بأمر الله تعالى، وكان يستخدمها في أمور الخير وبناء الأرض، وبعد موت النبي "سليمان" عليه السلام، ظل القسم السليماني لغز من ألغاز الجن، يستخدمه الدجالون والمشعوذين ويسخرونه في أعمال سحر وإضرار، والشواهد من حولنا عديدة.
 
ولكن هل يجيز الإسلام  تسخير الجان؟ وما رأي فقهاء المسلمين في هذه القضية؟ وهل كان ابن تيمية أول من نادى بالإستعانة بالجان؟
 
لايمكن لمسلم أن ينكر في العقيدة الإسلامية وجود الجن، لأن هناك دليل قطعي الثبوت والدلالة من القرآن الكريم على خلق الله تعالى للجن، جعل الإيمان بوجودهم من كمال الغيمان فيقول تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، وقال في موضع آخر "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا"، فهذا دليل قطعي الثبوت على خلق الله تعالى للجن، وقد ضم القرآن الكريم سورة كاملة بأسم سورة "الجن".
 
ويجمع أهل الفقه والعلم بأن الإيمان بالجن هو إيمان أخباري، كإيماننا بالملائكة، لأن هناك إيمان  حسي، وإيمان عقلي، وإيمان أخباري، فالحسي هو إيمان من خلال الإدراك بالحواس، أما الإيمان العقلي فهو الإيمان بالعقل كالإيمان بالله تعالى، أما الإيمان الإخباري فهو الإيمان بالجن والملائكة، ودليل اخبارهما القرآن الكريم والآثار النبوية.
 
وقد عرف تسخير الجن في أعمال السحر والشعوذة منذ القدم حيث كان الاعتقاد السائد في الاستعانة بالجن من خلال التأثير على الطبيعة، والتغلب على العوائق، وتطويع المقدرات لتحقيق مرادهم عن طريق إلحاق الضرر باالطرف الآخر، وعندما جاء الإسلام حرم تلك الأعمال، وأطلق عليها لقب السحرة.
الفقهاء بيقولوا إيه
 
يجمع الفقهاء الأربعة على أنه لا ينبغي الاستعانة بالجن مطلقا، فيما ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى تحريم الاستعانة كلها خيرها وشرها، وذلك لأنه لايعرف أحوالهم، فقد يلحقون المستعينين بهم إلى أمور لايدركها أحد، فلا يستعان بهم، وعلل الفقهاء سبب رفضهم للاستعانة بالجن بأن الجن فيهم المبتدع والرافضي والكافر والمؤمن، وذك وفقا لقوله تعالى "وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا"،فهم كالإنس فيهم المؤمن والكافر، ونحن لا نراهم ولا نعلم أحوالهم.
 
ويستدل الفقهاء على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم، مرت به أزمات وكروب، ولم يذكر أنه استعان أو سخر الجان، وهو نبي الله تعالى وصفيه، فلم يشرع باستخدامهم وتسخيرهم، ولم يشرع لنا كذلك استخدامهم أو التعاون معهم، فقد حارب لنبي في غزوات مع جيوش كانت تفوق المسلمين عددا ولم يكن يستعين بهم، وعليه فإنه في حالة عدم فعل النبي ذلك فقد عرف عدم شرعيته، ولو كانت الاستعانة بالجن مشروعة لفعلها عليه الصلاة والسلام.
 
ومن الأمور الدالة على عدم مشروعية تسخير الجان أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للسحر وللسم، فقد وضعت له اليهود السم في طعامه، ومع ذلك لم يأته جني يخبره، مع أنه كان يعلمهم الإسلام، وإنه قد أرسل إليهم كما أرسل للإنس، فلو كان ذلك جائزا لفعله، وبهذا يتبين عدم شرعيته بالكامل.
ابن تيمية يخالف 
 
خالف "ابن تيميه" الفقهاء، وأفتى بجواز تسخير الجان واستخدامهم، فيقول في كتابه "مجموع الفتاوى" في الجزء الحادي عشر" أن تسخير الجن مع الإنس فهو على أحوال فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به رسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه فهذا من أفضل أولياء الله تعالى، وهو فى ذلك من خلفاء الرسول ونوابه، ومن كان يستعمل الجن فى أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس فى أمور مباحة له، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم فى مباحات له، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون فىعموم أولياء الله مثل النبى الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".
 
ويتابع "ابن تيميه" فتواه فيقول "ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما فى الشرك وإما فى قتل معصوم الدم أو فى العدوان عليهم بغيرالقتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم، وإما فى فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر، وإن استعان بهم على المعاصى فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق