ننشر رسالة توفيق الحكيم لـ "هيكل" بعد خريف الغضب
الجمعة، 23 فبراير 2018 11:00 مكتب- محمد أبو ليلة
في أواخر عام 1982 من القرن الماضي، كان الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل قد انتهى من كتابة النسخة العربية من كتابه "خريف الغضب"، ذلك الكتاب الذي وثق وفسر فيه هيكل عصر الرئيس الراحل أنور السادات طيلة 11 عاماً من حكمه، لكنه فور انتشار الكتاب من نسخته العربية إلا وتزايدت حملات الهجوم على هيكل من أتباع السادات والسلطة وقتها.
فكيف من وجهة نظرهم أن يوجهن هيكل في كتابه انتقادات لاذعة للسادات وطرقة حكمه للبلاد أنذاك، هذا الهجمات المنظمة كان مُشارك فيها كُتاب وسياسيين كانوا مؤيدين للعصر الساداتي.
تخاريف الغضب
من بينهم الكتاب الصحفي الراحل أنيس منصور الذي ألف كتابا في تلك الفترة للرد على "خريف الغضب"، وأساماه "تخاريف الغضب"، يؤيد فيه سياسات السادات السياسية والاقتصادية ويوجه اللوم على هيكل وكل من جرأ أن ينتقد سياسة عصر كان قد زال وقتها.
تحول الوسط السياسي المصري في أواخر عام 1982 لكتلة من التراشقات بين مؤيد ومعارض لرئيس تم اغتياله أثناء العرض العسكري في ذكرى حرب أكتوبر، لكن الجانب الأكبر من أجهزة وصحف تتبع سلطة مبارك وقتها كانت توجه اللوم إلى هيكل بسبب كتابه "خريف الغضب"، على الرغم من أن هيكل نفسه قال ان الهدف من هذا الكتاب في المقام الأول هي رواية قصة سياسية كبرى يجب أن تروى بل كان ضروريا أن تروى إذا أريد لنتائجها المأساوية أن لا تتكرر في المسقبل.
رسالة توفيق الحكيم
في تلك الأثناء كتب الأديب والروائي الراحل توفيق الحكيم رسالة مفتوحة إلى صديقه هيكل على هيئة مقال رفضت جريدة الأهرام وقتها أن تنشرها، ثم أرسلها توفيق الحكيم إلى جريدة الأهالي ونُشرت على صفحاتها، "المهم أن يكون المجتمع خاليا من السلطة الواحدة والمسيطرة برأي واحد في إمكانه إسكات كل صوت غيره".. هكذا قال الحكيم في أول رسالته له لهيكل.
تلك الرسالة كانت تشد من أزره أناء تلك الحملة الشديدة عليه، هذه الرسالة نُشرها هيكل في الطبعة العاشرة من كتاب خريف الغضب التي انتجت سنة 1985، ونعيد نشرها هنا في صوت الأمة.
وتابع الحكيم رسالته: أنا معتقد أنك متأكد من عدم موافقتي على كتابتك السياسية لأنك تتذكر ما كان يقوم بيننا من خلاف عندما كنا نجتمع في جلسات مجلس الإدارة بالأهرام حيث كنت أوجه لك الهجوم العنيف، ثم تنتهي الجلسة فإذا بذراعي في ذراعك ونذهب نتاول الطعام معا ونحن نبتسم ونضحك، ذلك أن علاقتنا تقوم على أمرين.
الثوابت والمتغيرات، أما الثوابت فهي المحبة والمودة وأما المتغيرات فهي الأراء من سياسة وغيرها، لا نخلط أحدهما بالأخر، وإني اكتب إليك اليوم كي أهدئ من أعصابك بدافع هذه المودة والمحبة، وأنا بالذات لسبب واحد هو أن حالتي تشبه حالتك، فأنت كتبت كتابا "خريف الغضب"، أعتبر هجوماً ضد السادات بعد موته، وأنا كتبت كتاباً هو "عودة الوعي"، اعتبر هجوماًعلى عبد الناصر بعد موته، وقد يفسر الغضب عندك بأنه وضعك في السجن، اما انا فلم يضعني عبد الناصر في سجن!،..فلم يبق أمام العالم العربي إلا التفسير الواحد "عدم الوفاء"، وربما النفاق لعهد أخر.. واليوم أيضا تقوم ضدي القيامة لكتابة أخرى قيل أنها ضد الله تعالى فأنا الأن في وحدتي التي تعرفها لا زوجة ولا ولد، أعيش مع الله وأناجيه فقالوا أن هذه المناجاة ضلال واخلال وطردوني من جنة الله وانهالت على خطابات الغوغاء وحتى بعض العقلاء تترحم على عقلي الذي ذهب، والتخريف الذي جاء مع الشيخوخة، كل الذي يهمني بالنسبة لك ولي هو عدم احترام "الرأي الحر"، فأكتب رأيك ولأكتب أنا رأيي وليس من الضروري أن يعجبني رأيك أو يعجبك رأيي المهم أن يوجد الرأيان والأهم أن يكون المجتمع خالياً من السلطة الواحدة المسيطرة برأي واحد في إمكانه إسكات كل صوت غيره، ولقد كان يحكى لنا في الحكايات والأساطير القديمة أن للملك وزيرين، وزير عن يمنيه هو الميمنة، ووزير عن يساره أو شماله، هو وزير المشملة، كما كنا نسميه ضاحكين، ولم نسأل عن اختصاص كل وزير، اليوم أو أن يكون وزير الميمنة هو الوزير المؤيد للحاكم، ووزير المشملة هو الوزير المعارض، والحاكم يستمع لكل وزير بعين الاهتمام، ويستخلص رأيه بعد فحص الرأيين بكل دقة ونزاهة، ولقد قلت للمشايخ الأفاضل الذين زاروني في مكتبي بالأهرام ليسألوا عن حقيقة موقفي من الدين والله والحساب، فقلت لهم :ما دام يوجد حساب في الأخرة فأنا مطمئن لأن معنى الحساب أنه محكمة يسمح لي فيها بإبداء دفاعي، لأن كل اتهام لابد له من دفاع، وفي الدار الأخرة لابد أن الحساب سيكون في جو من الهدوء والصفاء يجعل الدفاع مسموعاً اما فيالدنيا فان أصوات الغوغائية مقترنة احياناً بأصوات جديدة للمفرقعات تجعل صوت الدفاع يخرج مخنوقاً يثير الضحك والاستهزاء أكثر مما يثير الرحمة والرثاء.. فلنا الصبر ولك مني الثابت في حياتنا المودة والمحبة..
-