الاحتياج
الإثنين، 12 فبراير 2018 09:23 م
حينما تغيب وبعد فترة من الغياب في طرف بيحس باحتياجه للشخص اللي كان في حياته، بيعافر ويقاوم لكنه بيفشل فبيعيش حالة إنه مستعد كل حاجة ترجع حتي لو هو الشخص الموجوع، بيدوس علي جرحه وبيكون علي أتم استعداد لبداية جديدة وبالفعل بيبدء يتواصل مع الشخص دا علشان يتكلموا.
من عجائب القدر إن في الغالب الطرف التاني وقتها بيكون لسة موصلش للمرحلة دي، الطرف الأول بيبدأ يبعتله رسايل تاني لكن التاني مبيردش، بيوصل الطرف الأول لمرحلة إنه يبعتله "رسايل الاحتياج"، ودي أصعب أنواع الرسايل الحزينة اللي ممكن طرف يبعتها لطرف، ممكن تكون رسالة طويلة جدًا فيها كل الضعف والعجز اللي في الدنيا وفيها كم احتياج محدش بيحسه غير الشخص نفسه، وممكن تكون عبارة عن كلمتين بس "أنا محتاجك" ودي في حد ذاتها كارثة خصوصا لو من شخص متعودش يحتاج لحد ورغم كل الضعف دا، الطرف الأول مبيقتنعش إنه غلط فيبعت رسالة من النوع دا، وبيفضل في دوامة مع اقتناع تام إنه صح، المهم مع رفض الطرف التاني الاستجابة للرسايل دي بيوصل الطرف الأول لمرحلة جديدة.
المرحلة هي إنه يبدء يلوم نفسه ويعاتبها في الصباح، وياخد قرار إنه مش هيبعت تاني أبدًا، بس مع اكتمال القمر ويطل عليه الليل والسكون وشعور الوحدة والحزن اللي بيحسه الطرف الأول وهو لوحده، بيبعت برده رسايل "الاحتياج"، وكل رسالة بتبقي أصعب من اللي قبلها والطرف التاني يرفض الاستجابة برده، فالطرف الأول يصحي الصبح يلعن في نفسه ويعاتبها وياخد قرار إنه مش هيبعت تاني مهما حصل وتستمر المعاناة والدوامة دي كل يوم، الصبح ياخد قرار إنه مش هيبعتله وبليل ميتحملش اللي بيحصله فيبعتله تاني، ومييأسش على أمل إن الطرف التانى يشعر بيه ويستجيب للاحتياج.
لحد آخر مرحلة إنه يبدأ يحس إن الاحتياج دا وصله "للذل"، وقتها بيشغل نفسه بأي حاجة بليل في سبيل إنه ميبعتش الرسايل دي، وفعلا تعدي يوم وميبعتش ويبعت اليوم التاني ويستمر الوضع في اضطرابات وصراعات نفسية والطرف التاني ميعرفش كل دا، لحد ما فعلا الطرف الأول يبطل يبعت الرسايل دي، وياخد قرار إنه لو بيموت مش هيبعتله فعلا، لحد ما تنتهي "رسايل الاحتياج"، ويبطل يبعتها ويتأقلم غصب عنه علي الغياب وحتي لو حس بنوبة احتياج أواشتياق بيفضل إنه يكتبها وفي آخر لحظة يمسحها، تدريجيا لحد ما بتنتهي آلامه واشتياقه واحتياجه تماما.
ولأن الحياة والقدر بيلعبوا بينا أحيانا، ولأن القدر أوقات بيتعمد يحطنا في ظروف مصيرية، أوقات بتتحول الآية ويبدء الطرف التاني اللي كان بيتبعت ليه الرسايل، دي هو اللي يحس بـ "الاحتياج"، ويبدء يدخل ويعيش في نفس الدوامة اللي دخل وعاش فيها الطرف الأول، وهنا غصب عن الطرف الأول بيرفض الاستجابة وبيفتكر كم مرة كان محتاجه والتاني مسمعش، كام مرة كان بيموت والتاني مهتمش، كام مرة كان بيبكي وبيصرخ والتاني مش فارق معاه، غصب عنه بيرفض إنه يقدم له إيد المساعدة أو يرضي احتياجه دا.
فالطرف التاني عن جهل بيتهم الطرف الأول بالقسوة مع إنه برده كان في يوم قاسي ومبيسمعش، المرعب في المرحلة دي إن الطرف التاني لو فعلا بيموت الطرف الأول مش هيتأثر ومش هيهتم، ودا يرجع لقسوة وغباء الطرف التاني من البداية واللي هو دلوقتي بيشكي وتعبان.
خلاصة القول هى :
الشخص اللي محتاجك دلوقتي هيفضل محتاجك لحد وقت معين بعدها هيلعن احتياجه ليك واللي ظاهر قدامك دلوقتي زي الجبل مبيتهزش أكيد في يوم كان اضعف من ورقة في قلب عاصفة.
الاحتياج ورسايل الاحتياج دي ألعن وأصعب الرسايل الحزينة بس زي ما هي مخبية وراها كل الألم والضعف، مع الوقت هتبقي سبب في كل القوة والجبروت اللي ممكن تتخيله، ربنا ما يكتب علي حد الاحتياج دا ولا يكتب علينا الاحتياج لأي مخلوق.