بأمر الإدارية العليا ممنوع على الدولة الدعاوى "التافهة"..2جنيه ونص .. تثير أزمة قضائية بين محصل وهيئة النقل العام
الأربعاء، 07 فبراير 2018 05:55 مهبة جعفر
لا يمكن لأحد أن ينسي واقعة محصل الأتوبيس الذي ظلت الدولة تقاضيه لمدة 10 سنوات لوجود عجز في عهدته بقيمة 2 جنيه ونص، الأمر الذي أثار الكثير من الأزمات، فالدولة تقاضيه لاسترداد مبلغ دفعت في مقابل ما يزيد عن 10 ألف جنيه من خلال مراحل التقاضي، وتكليف الشؤون القانونية بمتابعة القضية وتجهيز المستندات وغيرها من الأوراق، فضلاً عن تعطيل وقت المحكمة في نظر قضية قيمتها أقل من المداد المكتوبة به القضية ، اليوم قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه لا يجب علي الدولة أن تعطل القضاء لنظر مثل هذه القضايا " التافة،" ونستعرض في هذا التقرير أبرز القضايا المماثلة .
عجز واختلاس 120 جنيه يدخلوا أمين مخزن المحكمة
وفي 2007 تقدم محامي بطعن أمام محكمة النقض لوجود عجز في عهدة أمين مخزن، وتمت إدانته بجريمة الاختلاس قد شابه التناقض والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عول في قضائه على أقوال شهود الإنبات وتقرير اللجنة المشكلة لجرد عهدة الطاعن وأورد وجود عجز قدره 40 جنيه ثم خلص إلى اختلاسه في الكتب البالغ قيمته 80 جنيه وقضى بإلزامه برد مبلغ 180 جنيه، بالإضافة إلى غرامة قدرها 200 جنيه بالتضامن مع الطاعنين الثاني والثالث.
وتمسك الطاعن بدفاعه بأن الواقعة لا تعدو مجرد إهمال بدلالة وجود عجز وزيادة في الجرد وقام بسداد قيمة العجز، إلا أن الحكم طرح هذا الدفاع برد غير سائغ مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه، وإعادة القضية للمحكمة النقض للبت فيها.
242 جنيه كلمة السر في نزاع قضائي 30 عاما
بعد مرور 30 عاما قرر محافظ الشرقية بصفته اللجوء للقضاء لمقاضاة أحد المواطنين وإلزامه بدفع 120 جنيهًا، عبارة عن قرض حصل عليه عام 1988، ليقيم المحافظ ضده دعوى قضائية أمام المحكمة في 1998، التي تداولت في المحاكم لسنوات، لتنتهي بالحكم برفض القضية، ورغم هذا الحكم إلا إن الدولة ممثله في المحافظ، أصرت على استكمال طرق التقاضي، للحصول على هذا المبلغ التافه، وفقا لنص الحكم، بإن أقامت طعن أمام المحكمة الإدارية العليا لإلزام المواطن برد المبلغ المذكور.
وانتهت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة فحص، "في أغرب طعنين" بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من محافظ الشرقية ضد أحد المواطنين بمطالبته بمبلغ 120 جنيها والفوائد، كما قضت أيضا برفض طعن أخر مقام من محافظ شمال سيناء ضد أحد المواطنين بمطالبته بمبلغ 124 جنيها والفوائد.
المحكمة أكدت إنه لا يجوز اتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستارًا غير عاقل لتحقيق مصالح قليلة القيمة وأنه لا يليق بأن تستهلك المحافظة وقت الدولة الثمين لاسترداد مبلغ تافه 120 جنيها وأمامها مسئوليات لحل مشكلات المواطنين، لمواجهة تحديات العصر، وأن فكرة إساءة استعمال الحق ليست من دواعي الشفقة، وإنما لاعتبارات العدالة والتوازن بين الحق والواجب وأن مطالبة المحافظة لمواطن 120 جنيه غير جدير بالعرض على أعلى محكمة بالبلاد.
لم تهدر المحكمة حق الدولة في استرداد حقها، ولكنها أوضحت وفقا لحيثياتها "أنه من المقرر أن حق الالتجاء إلي القضاء وإن كان من الحقوق العامة التي تثبت للكافة، إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له إذا كانت المصالح التي يرمي الي تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها، وذلك درءا لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستارا غير عاقل، لتحقيق مصالح قليلة القيمة، أو لإلحاق الضرر بالغير، فيجمع بينهما ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء علي نحو ايجابي بتعمد السعي إلي مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو علي نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلي الترف أقرب مما سواه".
وسلطت المحكمة الضوء علي أمر هام للغاية بإنه لا يجب علي الدولة إن تهدر وقت المحكمة، في أمور أقل قيمة من الحبر الذي كتبت به، فهناك مهام كبيرة تقع علي عائق المحافظة لابد من الالتفات لها، وذلك وفقا لما ذكرته في الحيثيات نصا بأن "المبلغ الذي تطالب بها محافظة الشرقية المطعون ضده تنحصر في نسبة 5% عن المبلغ المضي به والبالغ مقداره 120 جنيه في عام واحد حتى تاريخ السداد وكذلك محافظة شمال سيناء تطالب بمبلغ 124 جنيه سنويا،وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يتسق مع ما بذلته الجهة الإدارية من جهد وإجراءات لا يساوى مداد ما كتبت به تلك القيمة،فلا يليق بأن تستهلك الجهة الإدارية وهى في قمة السلم الإداري للمحافظة وقت الدولة الثمين، من أجل الحصول على مبلغ 120جنيه سنوياً حتى السداد، بينما هناك مسئوليات جسام ومهام ثقيلة تتعلق بتحسين خدمات الصحة، والتعليم، والبيئة، والضمان الاجتماعي، والسياحة، والاقتصاد والتجارة، والمواصلات والبنية التحتية، وتطوير أدائها وحل مشكلات المواطنين لمواجهة تحديات العصر ومجابهة الصعاب لتقصي أفق المستقبل برؤية ثاقبة، وتلك مسئوليات تفوق قيمة هذا المبلغ الذي أنفقت عليه الإدارة ما يفوق أضعاف قيمته من أجل الحصول عليه .
وفي ذات السياق أشارت المحكمة أن المحافظة تطالب بإلزام المطعون ضده بـ 120 جنيه اعتباراً من 16 أبريل عام 1988 أي منذ ثلاثين عاماً ثم لجوئها لمحكمة أول درجة عام 1998 وإقامتها الطعن الماثل في 17 سبتمبر 2014 فاجتمعت في المطالبة الماثلة تفاهة القيمة وإصرار الإدارة على المطالبة بها، رغم تبدل الزمان إعمالاً للقاعدة الأصولية التي تقضى بأنه"لا يُنْكَرُ تغيّرُ الأحكامِ بتغيُّرِ الأزمانِ".
واختتمت المحكمة أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلي الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة، وإنما من اعتبارات العدالة القائمة علي إقرار التوازن بين الحق والواجب، بهذه المثابة فإن ضاَلة قيمة المبلغ الذي تطالب به الجهة الإدارية المواطن لا يكون جديراً بالعرض على المحكمة الإدارية العليا التي تستوي على القمة في محاكم مجلس الدولة لإرساء المبادئ القانونية في المنازعات الإدارية ،ويتعين الحكم بإجماع الآراء برفض الطعنتين.