للحسين رايحين بالملايين
الثلاثاء، 16 يناير 2018 02:50 م
لست مجذوبا ولا أحد الأشخاص التي تستدعيهم الروحانية بشكل كبير- النداهة ما بتندهنيش يعني- وعلى الرغم من عدم قدرتي على الاستجابة لرغبتي الدفينة بأن أقضي الليلة في منطقة الحسين بالقاهرة، إلا أنني أشعر وكان روحي تطوف أعلى مسجد الحسين منذ أمس.
لا أدعى أنني متدين بطبعي، أو أنني أقمت الشعائر الدينية كاف، ولا حتى أنني اتبع نهج ديني "صوفي، سلفي.. أو غيره"، ولكن لا اعلم ما يجذبني حتى اليوم في قضاء الليلة برحاب مسجد الحسين.. سؤال يبدو سهل الإجابة إلا أنه في مضمونه يصعب عليا وربما على الكثيرين إجابته، فأنا على سبيل المثال، لا انضم إلى الصوفية وابتهل معهم.
كما أنني لا انجذب للمنشدين بنفس الطريقة التي تدفع مريدهم خلفهم في المحافل والموالد، كما أنني لا أقضي يومي بأكمله في مسجد الحسين- لربما هي وقت الصلاة فقط- إنما أتجول كثير بمحيط المسجد وبجوار البازارات وعلى المقاهي.. لربما هي ذكرى دفينة لا أعلم مصدرها حتى الآن.
(1998).. في إحدى ليالي تلك العام، وبالتحديد عندما كنت أبلغ نحو (10 أعوام)، أتذكر أن والدي اصحبني معه إلى رحاب مسجد الحسين.. بدأ اليوم في الساعات الأولى لصباح اليوم- الذي كان بشهر رمضان الكريم- كان اليوم إجازة لوالدي من عمله، أيقظني في الصباح المبكر، وأخبرني أن الأسرة بأكملها سوف تخرج للتنزه وأننا سوف نتناول الإفطار الرمضاني في مكان أكثر من رائع.
ربما كان الغضب يسكن قلبي في ذلك الوقت: "هو في حد يصحي حد ويقوله هنروح نفطر في مكان بره.. يعني هو بابا مش عارف إني صائم.. أصَحى بدري أوي كده ليه.. أنا حقيقي عطشان.. طيب أنام تاني يمكن بابا ينسى ومنروحش في أي حتة".
اتكأت برأسي على وسادتي التي تحمل قدرا كبير من "الحنية"- كما أرى آنذاك- وبعد لحظات أيقظني والدي، ارتديت ملابس وأنا أتلكأ ويظهر على وجهي نظرات الغضب، إلا أن والدي لم يلتفت لي- على غير عادته- كان ليٌ آنذاك أختي والتي تصغرني بنحو ثلاث سنوات، والتي مكثت بجواري طوال الطريق، تعبر عن غضبها هي الأخرى بسبب الرحلة المفاجئة.
لم تستمر رحلتنا أكثر من (45 دقيقة) فنحن من سكان القاهرة، ولكن لا أعلم ما حدث بعدها، فبمجرد دخول رحاب منطقة الحسين، وبدأت السكينة تتملكني، وبدأت في عشق المكان الروحاني- على الرغم أنني لست بالشخصيات المتدينة أو الصوفية كما ذكرت سابقا- وكان لوالدي ووالدتي أثر كبير، حيث أمطرني الثنائي باللعب والمرح طوال اليوم.
كل ما سبق لم يؤثر تأثيرا كاملا حتى جاءت لحظة الإفطار، ودعاني أبي لنفطر على إحدى مقاهي الحسين، وبالرغم من تواضع التقديم في الإفطار، فهو ليس كما كانت تصنعه أمي في المنزل آنذاك- أكل شارع بقى- إلا أنه كان مميز بطريقة خاصة، حتى أنني أتذكر طلبي وأختي أن نبقى في الحسين حتى السحور.
منذ ذلك الحين وان اعشق هذا المكان الروحاني، وأصبحت أميز شهر رمضان بأن أذهب هناك يوما على الأقل لتناول وجبتي الإفطار والسحور، في رحاب مسجد الحسين المنطقة الأكثر روحانية في القاهرة، إضافة إلى حضور المناسبات التي تجري بتلك المنطقة.