الوفاء بالوعود

الإثنين، 15 يناير 2018 10:12 م
الوفاء بالوعود
د. أماني ألبرت تكتب:

مع نهاية عام وبداية عام جديد، تدق الأجراس ايذانًا للاحتفال بعيد الميلاد المجيد. وبينما يتم الترتيب للاحتفالات والصلوات تدق أجراس الحذر انذارًا للانتباه لإى عمل ارهابي خائن في محيط الكنائس. فتستعد وزارة الداخلية بخطط أمنية متنوعة وبحراسة مكثفة وبتمشيط لمحيط الكنائس من خلال أجهزة الكشف عن المفرقعات كما هي عادتها. 
 
ولكن ما لم يكن معتادًا هو أن يزور رئيس الدولة الكاتدرائية وسط الاحتفالات لتهنئة الشعب بالعيد. فقد اقتصرت زيارات الرؤساء السابقين على التهنئة البروتوكولية بمقر مكتب البابا أو بارسال برقيات تهنئة أو كانت الزيارات مرتبطة بأحداث أخرى غير العيد. فالرئيس عبد الناصر زارها في حفل افتتاحها الرسمي والرئيس السادات زارها مرتين الأولى بعد حادث الخانكة والثانية لوضع حجر أساس مستشفى مار مرقسوالرئيس الأسبق مبارك زار الكاتدرائية مرتين فقط خلال ثلاثين عام. والمرتين كانتا لتقديم واجب العزاء وكان يرسل مندوبًا عنه لحضور الاحتفال. بينما بعث الرئيس المخلوع مرسي برقية تهنئة بالعيد، وزار الرئيس المؤقت عدلي منصور مكتب البابا قبل العيد بيوم للتهنئة.
 
وبهذا يكون الرئيس السيسي هو الرئيس الأول والوحيد في تاريخ مصر الذي يذهب بنفسه ليهنيء الشعب وجهًا لوجهويقدم كلمة تهنئة بالعيد. كانت البداية في 2015 حيث فوجئ جمهور المصلين بدخول الرئيس وسط الكنيسة في خطوة تجاوزت رسميات التهنئة من برقيات ومندوبين واتصالات هاتفية، ليقف بنفسه وسط الشعب ويتواصل معهم بشكل مباشر وبسيط مقدمًا التهنئة ومؤكدًا على أننا جميعًا مصريين دون تفرقة. قوبلت الزيارة بتقدير بالغ وحفاوة شديدة كانت بمثابة بلسم لجروح مفتوحة وقلوب تعتصرها الألم جراء الهجمات الارهابية على الكنائس. 
 
ولما لم يكن الأمر معتادًا، لم يتوقع المسيحيون أن تتكرر الزيارة ليفوجئوا في السنة التالية 2016 بزيارة مصحوبة بوعد أن يتم ترميم كافة الكنائس التي تم حرقها بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. 
 
كانت الزيارة في العام 2017 مختلفة، إذ أعلن الرئيس السيسي برحابة قلب أنه سيتم إنشاء أكبر كنيسة وأكبر مسجد بالعاصمة الإدارية الجديدة، ليحتفل فيها المسيحيين العام المقبل. وكان هو أول المتبرعين بمبلغ 100 ألف جنية لبناء الكاتدرائية، والمسجد. وتم العمل فيها ليل نهار لينجز الطابق الأول في زمن قياسي ويتم الاحتفال فيها.
 
هناك في العاصمة الإدارية بجوار الحي الحكومي تقع الكاتدرائية مصممة على شكل صليب، فيما تحاط قباب الكنيسة بزهرة اللوتس. وتبلغ مساحتها 15 فدان بما يعادل 63  ألف متر مربع بما يوازي ثلاث أضعاف كاتدرائية العباسية ، وتعد أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط بسعة تتجاوز 8200 فرد. وتتكون الكنيسة الرئيسية من دورين وبها كنيسة الشعب والمقر البابوى الجديد ومكاتب إدارية بتكلفة مقدر لها أن تصل مليار ومائتا ألف جنيه.
 
حلقت فوقها طائرات الهليوكوبتر ممتزجة مع دقات الأجراس، أجراس الفرحة والوحدة إيذانًا ببدء الاحتفالفى أول قداس عيد خارج كاتدرائية العباسية منذ نصف قرن. وللعام الرابع على التوالي دخل الرئيس مهنئًا ومشاركًا للمسيحين فرحتهم. ليكرر رسالة صادقة من القلب ’’كل عام وانتم بخير‘‘ ووعد جديد رغم الأحداث الحالية وهو أن الشر والخراب والتدمير والقتل لن يقدر أن يهزم الخير والبناء والمحبة والسلامفي إشارة لما يتم بذله من مجهودات رسمية لتجفيف منابع الارهاب ومحاربته ومجهودات غير رسمية في تقدير واحترام الاخر.
 
لقد ضرب الرئيس مثالاً، في تبرعه من ماله الخاص من أجل بناء الكنيسة ومثالاً في إلتزامه بوعوده ليعلن أنه رجل يحترم كلمته. والمثال الأكبر كان في زيارته أيام الأعياد للتهنئة في إشارة لوجود إرادة سياسية وشعبية لمنع محاولات شق الصف وللوقوف ضد كل فكر متطرف دخيل، ولتنفيذ قيم ومبادئ الثورة بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية للجميع بلا أي استثناء. وبسبب زيارة رأس الدولة للكنيسة وإعلانه انه لا فرق بين المسلمين والمسيحين تحركت الأجواء وتزايد حضور عدد رجال الدولة والقيادات الإسلامية والشخصيات العامة المهنئين بالعيد عاما بعد عام، واهتم عدد كبير باعلان نبذه للأراء المتطرفة ليضعوا أيديهم في أيدي القيادات المسيحية بكل الحب والأخاء. 
 
ومازالت الأجواء تتغير عاما بعد عام، فالحب يهزم الكراهية، والوحدة تنبذ التقسيم، والمساوة تنبذ التعصب والحوار يزيل الحواجز واحترام الاخر يولد التفاهم والعيش المشترك. 
 
ومرت الأيام وها هي الوعود تتحقق، فالوعد الأول بترميم وبناء كافة الكنائس تحقق والوعد ببناء الكاتدرايئة تحقق، ومن قلب الكاتدرائية الجديدة علت أصوات الترانيم والتسابيح لله، مقترنة بكلمة الرئيس ’’إن افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح هو رسالة سلام ومحبة للعالم أجمع‘‘وبكل ثقة في الله أولاً وفي القيادة السياسية سيتحقق الوعد بأن الشر لن يقدر أن يهزم الخير ولن يقدر أحد أن يشق الصف.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق