رحلة مصر من الاكتفاء الذاتي إلى استيراد "الهيروين الأبيض"
الأحد، 14 يناير 2018 08:00 م
علامات استفهام وتساؤلات عدة يطرحها تخصيص الدكتور مصطفى مدبولي، القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء اليوم، اجتماعاً لمناقشة أوضاع صناعة السكر في مصر، مع وزيري المالية والتموين ورؤساء مجالس إدارات عدد من الشركات العاملة في هذه الصناعة الوطنية، حيث أتى الاجتماع بعد موافقة مجلس النواب على التعديل الوزاري مباشرة.
تخصيص اجتماعا بمجلس الوزراء لمناقشة وضع صناعة سلعة غذائية واحدة فقط، يؤكد مدى أهميتها وشعور المسئولين بالحكومة أن هناك شبه"عوار" في هذه الصناعة، خاصة أنها"صناعة وطنية"، لوجود 8 مصانع سكر تعمل على التكرير والتصنيع تشرف عليها وزارة التموين، وخاصة أنه على الرغم من هذا الكم الهائل من زراعة قصب السكر إلا أن مصر تنتج ما يقرب من 2 مليون و300 ألف طن، من أصل 3 ملايين طن حجم استهلاك مصر من هذه السلعة الجوهرية.
من اكتفاء ذاتي بنسبة 118% إلى فجوة 29%..ماذا حدث؟
استخدام السكر
خلال السنوات الأخيرة، تحولت مصر من دولة تكتفي ذاتيا من السكر بنسبة وصلت إلى 118% إلى دولة تعانى من أزمة حقيقة في هذه السلعة، فطبقًا للبيانات الرسمية لكل من مجلس المحاصيل السكرية، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التموين تستورد مصر حاليا ثلث احتياجاتها من السكر سنويًا، لتغطية الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك، وهذه الفجوة تقدر ما بين 800 طن إلى مليون طن سكر سنويًا، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الأزمة؟، ومن هم الرابحون منها؟، وكيف تحل؟.
أزمة كل عام
مزارعو قصب السكر
نقطة انطلاق أي حدث بمثابة طرق خيط لتتبع كافة أحداثه والتعرف علي واقع وحقيقة مراحله، وأزمة السكر في مصر تتكرر بشكل سنوي وتبدأ مع انطلاق استلام المصانع المحصول السنوي من قصب السكر من الفلاحين للبدء في العصر، والذي يزرع أغلبه في صعيد مصر، حيث أن أسعار النقل وغيره ارتفعت بشكل كبير ولا زالت أسعار التوريد كما هى، الأمر الذي دفع البعض لزراعة زراعات أخري غير إستراتيجية لتجنب الخسارة، وخاصة أن الزراعة تعد المصدر الرئيسي للعيش، لكن الحقيقة الثابتة أن ما يزرع في مصر يكفي ما ينتج للاستهلاك المحلي- بحسب ما أكده الخبراء-.
خطوط الإنتاج
مصنع تكرير السكر
الـ8 مصانع التي تتولي عملية إنتاج وتكرير السكر في مصر، تعمل بنظام شبه تقليدي وتحتاج لتطوير في خطوط الإنتاج، أكثر مما هى عليه الآن، تحسين كفاءة العمل، كي تفي بالمتطلبات وتسد تلك الفجوة التي تثير مخاوفا يوما تو الآخر.
وهم تأثير الزيادة السكانية
البعض يسند أحيانا للزيادة السكانية دورا في أزمة السكر، لكن هذا ليس قادرا على أن يغير الدفة 180 درجة، لتتحول الاكتفاء الذاتي بنسبة 118% إلى فجوة 29%، وبمثابة مبرر غير منطقي بالمرة، وأساسه كبار المستوردين للسكر الذين نجحوا في تسجيله كـ"مشاع" يبرر الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج.
"الحيتان" وتعطيش السوق
ازمة السكر
ما وصلت إليه مصر في هذا الملف "مفتعل"، واستيراد مصر لهذه الكميات الكبيرة من السكر من أجل الاستهلاك، بسبب تحكم أشخاص بعينهم في سوق السكر أو من يطلق عليهم "حيتان السوق"، وأنهم يجنون ملايين الأرباح السنوية من هذه الصناعة التي تكبد مصر خسائر بالدولارات، لاستيراد ما يكفي الاستهلاك المحلي، وهذا ما أكد عليه كافة المتخصصون في ملف السكر.
أزمة "شح" السكر التي تتكرر في أوقات معينة من العام، حينما يقوم "الكبار" بخفض كميات السكر بالأسواق ورفع أسعاره "مفتعلة" لا محالة، ولعل آخرها ما وقعت نهاية 2016 ، حينما أصبح السكر كالـ"هيروين" ووصل سعره إلى قرابة الـ20 جنيها، ثم استقر عند الـ10 جنيهات حينما تدخلت الحكومة ووفرته بالأسواق، وهذا ما أكده الخبراء أيضا.
تكدس إنتاج شركات الحكومة
سكر
على الرغم من الإنتاج الذي زاد مؤخرا بالشركات الحكومية الـ8 التي منها واحدة تعمل طوال العام وهى شركة سكر الحوامدية إلا أن مخازنها امتلأت على آخرها بالإنتاج ولا تستطيع تصريفه،حيث أن تثبيت وزارة التموين أسعار بيع السكر من الشركات للتجار بـ9.50 جنيها دون تخفيضه لأكثر من ذلك أدى لعزوفهم عنه، واتجاههم إلى السكر الذي يستورده كبار التجار نظرا لانخفاض سعره، كل هذا ولا يوجد لدى الحكومة وبالتحديد وزارة التموين وهى الوزارة المعنية بالأمر، أي سبيل أو فكرة للخروج من الأزمة.
اللجنة العليا للسكر وكشف العوار
العوار بين ما ينتج وما يستورده كشفه أخر تقرير عن اللجنة الصادر في سبتمبر والذي قالت فيه إنه انخفض أسعار السكر عالميا حاليا، وأن شركات القطاع الخاص تحاول استيراد السكر الخام والأبيض من الخارج بكميات كبيرة بسبب انخفاض الأسعار، حيث يصل تكلفة إنتاج طن السكر المستورد من 7.5 لـ8 آلاف جنيه في حين يبلغ تكلفة إنتاج طن السكر المحلى إلى 9.5 جنيها للطن حاليا، وطالبوا برفع مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء تتضمن فرض رسوم على السكر المستورد من 20 إلى 25%، للحفاظ على المنتج المحلى فى ظل معاناة شركات القطاع العام من بيع مخزون السكر الموجود لديها حاليا وتعثرها في توفير الاعتمادات المالية.
المستورد "شغال"
استيراد السكر
وسط صراخ الفلاحين من ارتفاع تكلفة زراعة القصب، ومحاولة رؤساء مصانع التكرير الـ8 الخروج من المأزق وتصريف الإنتاج، لم يتوقف المستورد وشركات القطاع الخاص لحظة عن ممارساته هواياتهم في استيراد السكر من الخارج، بحيث يغرقون به الأسواق وتغرق معها صناعة السكر المصرية، وتغلق المصانع الحكومية.
كبسولة النجاح
نجاح مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر مرتبط بثلاثة نقاط أساسية، أولها يتمثل في حماية الفلاح نفسه زراع القصب، وتحقيق مطالبه، بأن يجد في زراعة القصب ملاذه، وثانيها تطوير خطوط الإنتاج في المصانع الحكومة التي تعمل حاليا، وثالثها وهى الأهم مقارنة بالنقطتين السابقتين السيطرة على سوق الاستيراد، والتضييق على أباطرة السكر في مصر.