حينما يكون المسجد درعا للكنيسة فأنت في مصر.. خبايا 13 بؤرة خطرة تحتضن أوكار التطرف بحلوان
الخميس، 11 يناير 2018 08:00 م
حينما يكون المسجد درع للكنيسة فأنت في مصر
خبايا 13 بؤرة خطيرة تحتضن أوكار التطرف بحلوان وخريطة هروب عناصر الإرهاب
كتائب حسم أبرز الخلايا المتحصنة في جنوب القاهرة.. ونكشف حقيقة لغز "أبوحسيبة"
خبير أثري: المدينة مسقط رأس النبي موسى.. وعبد العزيز بن مروان أقام بها كنيستين
أحمد بن طولون اعتاد مجالسة رهبان دير طرة وأنشأ صداقة مع الأنبا "أندونا"
أول بطريرك خارج الإسكندرية اختاره الأقباط من حلوان في العهد الأموي
إذا رأيت المسجد يقف درعا للكنيسة، فأنت في مصر، وإذا لم تصدق أن هذا يمكن أن يحدث فكل ما عليك أن تزور حلوان، تلك المدينة التي تجمع تناقضا، لم يكن من الصعب إلقاء الضوء عليه، قبل الحادث الإرهابي الأخير، الذي استهدف كنيسة مارمينا، بحلوان.
مبعث التناقض في هذه المدينة التي تقع جنوب العاصمة القاهرة، وكانت ذات يوم محافظة مستقلة، إنها كانت على مدار السنوات الأربع الماضية، ملاذا تتحصن به الخلايا الإرهابية، التي تكونت على خلفية انهيار جماعة الإخوان تحت أقدام الشعب المصري، في 30 يونيو، وفي الوقت ذاته هي منطقة من أكثر المناطق الدالة على الوحدة الوطنية في مصر، منذ مجيء الفتح الإسلامي.
وحلوان هي إحدى ضواحي جنوب القاهرة الراقية القديمة على شاطئ النيل، وهي تابعة للقاهرة. وتعدادها يتجاوز 800 ألف نسمة.
شهادة التاريخ
هناك اتفاق على أن العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، تختلف عن مثيلتها في كل بلاد الدنيا، وحلوان هي الدليل الأبرز على هذه الحقيقة، إذ أن مدينة حلوان تعد إحدى أقدم المدن المصرية، فهي مسقط رأس النبي موسى، كما أنها كانت المحطة الأولى التي اختارها أقباط الإسكندرية الأغنياء للمعيشة في القاهرة، وكانت أيضا مقر الوالي عبد العزيز بن مروان، في عهد الدولة الأموية، شقيق الخليفة عبد الملك بن مروان، ووالد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
الارهابى الهارب ابوحسيبة
الدكتور عبد المنصف سالم نجم، الأستاذ بكلية الآثار في جامعة حلوان، يكشف الكثير من التفاصيل التاريخية عن الوحدة الوطنية في حلوان، موضحا أن حلوان من أقدم مدن مصر وأحيائها، وأقيم بها أقدم سد مائي في التاريخ، بني في عصر ما قبل الأسرات الفرعوينة، لحجز مياه السيول، وكان يشبه الأهرامات، كما أن حلوان تضم كمائن المحاجر القديمة اللي اقتطعت منها الأحجار المستخدمة في بناء الأهرامات.
وأشار إلى أن أول كنيستين أقيمتا في حلوان، كانتا في عهد عبد العزيز بن مروان، وتحت إشرافه، كما أن أول بطريرك للأقباط، ينتخب من خارج الإسكندرية، اختاره أهل مصر من حلوان.
ولفت في حديث خاص لـ"صوت الأمة"، أن عبد العزيز بن مروان، هو أول من أطلق على هذه المنطقة اسم حلوان، أسوة بمنطقة تشبهها في الجغرافيا والأجواء بالعراق، كاشفا عن أن والي مصر، أحمد بن طولون، أقام صداقة مع رهبان أديرة حلوان، وكان يحرص على مجالستهم، وبخاصة الأنبا أندونا.
وحول علاقة حكام مصر بأقباطها، قال "نجم" إن الراهب إسحاق، من دير الأنبا مقار، وأول راهب من خارج الإسكندرية، تصدى لطلب تصريح من الأمير عبد العزيز بن مروان، بإنشاء كنيسة، فوافق الأمير، وهو ما يدل على سماحة المسلمين، وحسن معاشرتهم للأقباط، وشيدت الكنيسة بالفعل في هذا العهد وهي المعروفة باسم كنيسة الفراشين.
ولفت أستاذ الآثار إلى أن الوالي المملوكي إبراهيم بك، شيخ البلد، في العهد العثماني، عام 1785 أحرق حلوان، بعد أن سرق عدد من اللصوص مركبه، مما قضى على المنطقة، ولم تعد ذات وجود في التاريخ إلا مع مجيء القرن الـ19.
عهد الخديو إسماعيل
وأضاف "نجم"، أن قمر حلوان بدأ يشرق من جديد في عهد الخديو عباس حلمي الأول، بعد أن بلغه أن عيون حلوان، كانت سببا في القضاء على مرض جلدي بدأ ينتشر بين جنود الجيش، بعد أن اغتسل الجنود المصابين فيها، وهو ما دفع الخديو إلى بدء مشروع لإعادة بناء هذه المنطقة، استكمله الخديو اسماعيل بانشاء حمامات حلوان عام 1823، لوالدته خوشيار هانم سرايا، بموقع يسمى عزبة الوالدة.
وقال: "على النهج ذاته سار الخديو توفيق، وهو من نظم وخطط المدينة، وأنشأ بها المسجد التوفيقي، وفندق جراند أوتيل، وكازينو حلوان، كما شيدت ابنته خديجة هانم قصرا، هو مقر رئاسة الحي الآن".
13 بؤرة خطرة
تاريخ حلوان يبدو أنه لم يشفع لها، لينقذها من مصير باقي الأماكن الأثرية الجميلة في مصر، فسقطت، كما سقط غيرها، في براثن العشوائيات، الناجمة عن تقسيم مساحتها الشاسعة إلى كانتونات صغيرة، في أعقاب هوجة التأميم، وكذلك الانفجار السكاني، الذي عاشته مصر منذ نهاية حرب أكتوبر 1973.
وتضم حلوان 56 منطقة عشوائية، 8 منها بمدينة المعادي وطرة، و6 في التبين، وعزبة الزبالين و15 مايو، و19 منطقة عشوائية في مدينة حلوان وحدها، ولأن العشوائيات تجلب معها الانهيار الاقتصادي، والاجتماعي، فإن حلوان الجميلة لم تعد كذلك، وتلطخ محياها الجميل، وبخاصة منذ بداية الألفية الجديدة، بانتشار الكثير والكثير من المخالفات بها، التي كان أبرزها الجرائم الجنائية، والإرهاب.
وتضم حلوان أكثر من 13 بؤرة عشوائية، كانت وكرا للعناصر المتطرفة، التي اختارت الانزواء بين المتسولين، وأبناء الشوارع، والإقامة بالمقابر، حتى يكونوا بمنأى عن القبضة الأمنية التي تلاحقهم.
ومن أهم المناطق التي أوت العناصر الإرهابية خلال فترة ما بعد ثورة 30 يونيو: عزبة زين، وكفر العلو، وعرب راشد، وعزبة الوالدة، والمعصرة، وأطراف طرة، والمثلث، وحكر التبين، وعرب غنيم، وامتدادها في الملقة، بالإضافة إلى منطقة الموظفين في أطلس، وحدائق حلوان، ووادي حوف.
المناطق المشار إليها، كانت مركزا لنشاط عناصر الإخوان، والسلفيين، كما أن مدينة أطلس السكنية، وتحديدا منطقة الموظفين، المشار إليها هي التي وقعت بها الجريمة الإرهابية الأخيرة، فيما كانت وادي حوف هي المكان الذي خرج منه الفتاة المتهمة بتصوير فيديو كتائب حلوان الشهير.
واعتمد الإخوان خلال فترة التظاهرات التي تلت انتفاضة 30 يونيو ضد حكمهم الفاشي، على حلوان، لإشعال جنوب القاهرة، وحدود الفيوم، وبني سويف، وبدايات الصعيد بالاضطرابات وأعمال العنف، وكانت العناصر المفجرة لهذه الاضطرابات تلجأ إلى دهاليز حلوان؛ من أجل الهروب عقب ارتكابهم أعمال العنف المدبرة بأوامر مكتب الإرشاد.
خريطة الهروب
وتضم حلوان الكثير من الدهاليز والطرق التي استغلتها العناصر الإرهابية، للفرار، والاختباء، في أعقاب ارتكابهم أعمالهم التخريبية.
وتشمل خريطة الهروب من القبضة الأمنية، عقب ارتكاب الأعمال الإرهابية الأماكن العشوائية بحلوان، إما للاختباء بين عصابات المتسولين التي تتخذ من المنطقة ملاذا لها، أو الانطلاق من هذه العشوائيات إلى الشارع الجديد، قرب ملف الحرير، ومنها إلى كوبرى المرازيق في الجيزة، حيث الأماكن التي اخترقتها "صوت الأمة"، خلال جولتها في مدن جنوب الجيزة.
ويستغل الإرهابيون، منطقة عرب راشد، وتحديدا داخل المقابر، إما للاختباء، أو الهروب إلى مدينة 15 مايو، وطريق الأوتوستراد عند مجرى السيل، ومنها ماشرة إلى جبال الصف، وطريق الكريمات، كما أنه من منطقة عرب غنيم، يمكن للإرهابي الوصول إلى حدائق حلوان كورنيش المعصرة، ومنهما إلى أتوستراد.
خريطة الهروب السابقة، هي التي استغلها المتهمان الهاربان من سيارات الترحيلات التي وقعت قبل أشهر، في حلوان، حيث تخفى أحدهما وسط عصابات المتسولين، وكان يقيم بصحبتهم في مقابر "أم بطاطا"، إلى أن تم ضبطه.
لغز أبوحسيبة
ومن أكبر الأدلة على خطورة المناطق المشار إليها، هو لغز أبوحسيبة، ذلك الإرهابي الخطير، الذي كان منسقا لكتائب حلوان، والذي ادعت شقيقته في محضر رسمي، أنه فر إلى السودان، دون وجود تأكيد على ذلك.
ويمثل أبوحسيبة لغزا حقيقيا، حتى الآن، في ظل عدم تحديد مكانه حتى الآن، وعدم التأكد في الوقت ذاته من مغادرته مصر إلى السودان، رغم بلاغ شقيقته، وإنشائه هو صفحة على فيسبوك، يدعي من خلالها أنه في السودان، لكن هذا كله لم يتم تأكيده أو نفيه عن طريق أي مصادر أمنية.
معاناة الأهالي
في ظل التراجع الشديد لمعدلات الأمان في المناطق المشار إليها، بات الأهالي يعيشون معاناة شديدة في تلك المناطق، حتى أنهم وفق تأكيدات سيدة تدعى "أم محمد"، لا بستطيعون الخروج من منازلهم مع حلول الظلام، كما أنهم يسمعون كل يوم، عن وقوع سرقات، للمنازل، والسيارات، وخطف الأطفال؛ من أجل استخدامهم في تجارة الأعضاء البشرية.
وقالت أم محمد لـ"صوت الأمة": "المأمور ورجال المباحث، اضطروا لكتابة أرقاهم هواتفهم على جدران المنازل؛ من أجل استخدامها من قبل الأهالي، عندما يتعرضون لأي مخاطر".
تجارة الأعضاء
تشتهر منطقة المثلث، بأنها تحتضن جميع أنواع الجرائم الجنائية، بعد أن استوطنها الخارجون عن القانون، مستغلين سيطرة العشوائية على كل شيء فيها، وانعدام الخدمات، كما أنها ضمت أخطر عصابات تجارة الأعضاء، التي أنشأت عيادات شعبية في مساكن الزلزال، لإجراء عمليات سرقة أعضاء الأطفال المخطوفين، بعيدا عن أعين الأمن.
وخلال الأشهر الماضية، داهمت قوات الأمن إحدى الشقق التي تستخدم في هذا الغرض، وضبطت 4 من المتهمين، من بينهم صاحب الشقة، وأحد سمسارة الأعضاء، الذي يعمل نقاشا، واثنين من الضحايا، وهما عاطلان يقيم الأول بأسيوط والثاني في القاهرة.
وعثر رجال الأمن في الشقة على مبالغ مالية ضخمة وعقود بيع وتنازل، متنوعة، وأقر المتهمون في التحقيقات، بأنهم استطاعوا تأجير الشقة محل ممارستهم غير المشروعة، دون أن يجدوا أي عوائق، أو استفسارات، سواء من الأهالي، أو الأجهزة الأمنية.
حادث مارمينا.. ضارة نافعة
كانت منطقة حلوان إحدى المراكز المهمة لجماعة الإخوان، وحلفائها، وفيها أقام حسن البنا معسكراته، وعاش منظر الجماعة الأكبر سيد قطب، كما أنها كانت نقطة الانطلاق، للتظاهرات وأعمال العنف التي تلت ثورة 30 يونيو، كما سبق أن أشرنا.
واستمرت حلوان مسرحا للشد والجذب، إلى أن جاءت الجريمة الإرهابية الأخيرة، التي وقعت قبل أيام في كنيسة مارمينا، وأسفرت عن استشهاد عدد من الأقباط، والمواطنين، ورجال الأمن، وتم خلالها ضبط مرتكبها، لتكشف عن أبعاد النتيجة النهائية لفترة التوغل الإرهابي في حلوان.
ربما لم تحظ منطقة في مصر، بما حظيت به حلوان التي كانت الجريمة الأخيرة بمثابة دليل قاطع على أن الإرهاب لم ينل منها، ومن طبيعة أبنائها، ففي حلوان وقف المسجد ليحمي الكنسية، وأسقط مواطن مسلم الإرهابي الذي استهدف الأقباط.
ويروي هذه المشاهد المضيئة، المواطن شريف عبيد، من أهالي المنطقة التي شهدت الهجوم الإرهابي فيقول لـ"صوت الأمة": "لم ينقذ المنطقة سوى المسلمون، الذي هبوا من حدب وصوب لنجدة الأقباط في الكنيسة، حتى أن عامل المسجد وقف داخله، ينادي الأهالي قائلا: أنقذوا الكنيسة من الإرهاب".
وأضاف: "كما أنه بات من المعروف أن الذي أسقط الإرهابي، هو مواطن مسلم من أهالي حلوان، لم يخش كونه أعزل، كما لم يفكر في أنه ينقذ غير مسلمين، وكل ما كان في ذهنه أنه ينقذ أرواح البشر، دون النظر إلى الدين".
وتابع: "يمكن أن نقول عن الحادث الأخير، رب ضارة نافعة، لأنه كشف عن أن الإرهاب فشل في تحقيق أهدافه من حلوان، وهي تفتيت عزيمة الأهالي، وبث الفتنة بينهم، وهو ما تأكد من ردود الفعل على الحادث الأخير، أنه هدف لم ينجح فيه الإرهابيون".
التوعية وتعزيز دور الأزهر قارب النجاة
الدكتورة هدى درويش أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق، ترى أن الوضع الذي يعيشه الأهالي في حلوان، لا يختلف كثيرا عما يواجهه الكثيرين، في مختلف محافظات مصر، منوهة بما كشفته "صوت الأمة" من تشابه بين المناطق المختلفة، خلال رحلتها إلى أعماق الأقاليم المصرية.
وأضافت في تصريح خاص لـ"صوت الأمة"، أن النسيج الاجتماعي المصري، يتميز بالمتانة، والقدرة على مواجهة محاولات إثارة الفتنة، والخلافات الطائفية، لكنه في الوقت ذاته، يحتاج إلى بعض التحركات التي تزيد مناعته، وتحوله إلى حائط صلب في مواجهة التحديات.
وأضافت: "يجب أن تشهد الفترة المقبلة، مزيدا من الحركة الميدانية، لرجال الدين من أبناء الأزهر الشريف، الذي يجب أن يزورا الأحياء، والنجوع والقرى، لتوعية أبنائها بمخاطر التفرق، والانزلاق في بحر الفتنة، بالإضافة إلى إطلاق الجماهير على صحيح دينهم، وعلى حقائق المعاملة الواجبة بين مع الأقباط.
وأشارت إلى أن الدولة مطالبة بمد يد العون، والاهتمام إلى بالمناطق العشوائية، بشكل يسرع من وتيرة، التخلص من سرطان هذه المناطق، التي لن ينصلح حال الوطن، دون التخلص منها، ورفع مستوى معيشة المواطنين.
ودعت إلى الاهتمام برفع مستوى التعليم، والاهتمام بالصحة، وتقليص معدلات الفقر، باعتبارهم أهم الثغرات التي ينفذ منها التطرف إلى العقول، والقلوب، ويستطيع السيطرة على المواطنين وبخاصة الشباب.
بقي أن نشير إن حلوان شهدت العديد من العمليات الإرهابية، أبرزها ارتكبته عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، وشملت اقتحام وحرق نقاط الشرطة، ما أسفر عن استشهاد عدد من رجال الأمن.