اكسروا التابوهات وانشروا البراهات
الأربعاء، 20 ديسمبر 2017 02:22 م
(1)
في العام 1792 أمسكت الكاتبة الإنجليزية ماري وولستونكرافت بقلمها وقررت أن تخط أحد أوائل الكتب الفلسفية النسوية في العالم، وعنونت ما كتبت بـ"A Vindication of the Rights of Woman"، أو "دفاعًا عن حقوق المرأة".
أرادت ماري وولستونكرافت أن ترد على فلاسفة ذلك العصر الذين كانوا يقولون بـ"عدم أحقية المرأة في التعليم"، وطالبت الكاتبة المجتمع بـ"احترام المرأة و معاملتها ككائن بشري له حقوقه، وليس كشيء يمكن امتلاكه وبيعه من خلال مؤسسة الزواج"، وقالت إن تعليم المرأة يساعدها على تربية أطفالها وأن تصبح رفيقة جيدة لزوجها، وإن أخذ البعض في مراحل تاريخية أكثر تطورا ما نحت إليه من غاية التعليم من وجهة نظرها وهو "أن تكون رفيقة وأم جيدة".
(2)
ماتت ماري وولستونكرافت، وبقي ما كتبت حيا وملهما لتعدد الكتابات والمؤلفات، وبشكل تراكمي تحولت قضية حقوق المرأة إلى قضية ذات أهمية ومدلول، وتطورت الأشكال بتطور المجتمعات، ومدعومة دومًا بكفاح وتجارب وبعصارة معاناة رائدات في البحث عن ذات المرأة وحقوقها.
وتحول حلم ماري وولستونكرافت في التعليم إلى ما هو أبعد، فوصلنا إلى تأسيس وتأصيل مفاهيم أكثر تطورا مثل: " الحقوق الشخصية، والسياسية، والعائلية، والتربوية، وحقوق المرأة في ميدان العمل، وحقوق المرأة الزوجية، وحقوق المرأة في الملكية"، وفي كل منها تفاصيل وجدليات.
(3)
الحركة النسوية في مصر لم تخلو من الكفاح الطويل، والمشاغبات والنضال، فمن ينكر دور هدى شعراوي، مؤسسة الاتحاد النسائي المصري في 1923، ومن ينس إسهامات صفية مصطفي فهمي، ونبوية موسى، وملك حفني ناصف، وأمينة السعيد، ودرية شفيق، وسهير القلماوي، وعائشة راتب.
وعلى النهج سار كثيرات، وصفحات نضار المرأة المصرية مليئة بالأسماء، وفي العقود الأخيرة تحول الكفاح إلى شكل مؤسسي وأمسك براية النضال منظمات ومبادرات ومشاريع مثل: " المجلس القومي للمرأة، ثورة البنات، جنوبية حرة، حركة بهية يا مصر، شفت تحرش، فيمي هاب، مؤسسة المرأة الجديدة، مبادرة بنت المصاروة، مشروع ست الحيطة"، وغيرها.
(4)
تتباين الرؤى وتختلف المسارات، وكل الاحترام لمن أراد أن يضيف لبنة في بناء تحقيق أو منظومة الدفاع عن حقوق المرأة، ولكن في تقديري أن يتناسب الطرح مع عدالة القضية، أمر حتمي، وأن يتلائم الخطاب مع احتياجات المرحلة، طلب حتمي، وأن الأفكار الأكثر تطرفا تضر بالقضايا وإن كانت عادلة.
القائمون على مشروع يدعى "بصي"- يعرفون أنفسهم أنهم "مشروع فني يهدف إلى خلق مساحة حرة للنساء والرجال في مصر لحكى التجارب الشخصية المسكوت عنها في المجتمع. تقوم بصي أيضا بتوثيق وعرض القصص الحقيقية في شكل عروض مسرحية، في مجتمعات مختلفة في مصر- تفتق ذهنهم عن طرح ربما يدهش ماري وولستونكرافت شخصيا في قبرها، بنشر بوست يتحدث عن قصة مؤثرة جدا تتلخص في مدى معاناة رجل ما في مكان ما من قيامه بمداراة والخجل من "لباس وسنتيان" أمه وزوجته وشقيقته، قائلا إن مهمته في الحياة تتلخص في: " "السباك جى خبي البرا أو السوتيان"، وذلك حسب منشور لهم بصفحتهم الرسمية.
(5)
ولأني شرقيّ حتى النخاع، فلاح ما زالت بقايا من حبات الطين تسكن أسفل أظافره وشقوق قدميه وتأبى أن تغادرها تمسكا ببقايا عبق من ماض جميل، ما زالت تثيرني وتعصف بهدوئي الظاهري تلك التراهات، والسذاجات التي باتت تحيط بقضايا المرأة وتحررها.
لا أزعم أني نسوي أو مدافع عن النموذج الجديد من حقوق المرأة ولا أريد، ولكن طالما أن هناك فصيل يصر أن يختزل قضايا المرأة وأزماتها وحياتها في الشكل الظاهري منها، فأنا وبكل إصرار سأقف على الجانب الآخر من الشاطئ.