تداخل المتناقضات في زمن انفتاح الشبكات

الإثنين، 18 ديسمبر 2017 09:46 م
 تداخل المتناقضات في زمن انفتاح الشبكات
أيمن شعبان يكتب:

(1)

المجتمع في خطر، فما كل هذا الانحلال القيمي والأخلاقي؟ كيف أصبحنا أسرًا مفككة نعيش في جزر منعزلة؟ الأب لا يعلم ماذا تفعل ابنته، وما يحوي هاتفها الخلوي، وماذا تفعل في جوف الليل على تلك الأشياء المسماة شبكات التواصل الاجتماعي؟ ولماذا تتغاضى الأم عن تقويم سلوك ابنتها؟، هل حلم البحث عن زوج مرموق مبرر كاف؟ وكيف يرى الأخ شقيقته تتخطى حدود الأدب واللياقة ويغض الطرف؟ بل كيف وصل بنا الحال إلى تقبل فكرة أن تنشأ علاقة بين شاب وفتاة خارج إطار الزواج؟ ولماذا أصبح الزنا خاطر لطيف يمر على أكثر الأزواج فيبتسمون بل يمرون على أقرب صيدلية لشراء واق ذكري للبدء في التنفيذ ومعاقرة الحلم؟ ثم كيف وصلنا هنا: للحق في الإجهاض لمن تحمل بلا زواج؟ بل والأدهى حق الأم العزباء في الحفاظ على طفلها..

أسئلة ملحة فجأة احتلت العقل الجمعي.

(2)

أهل الحل والعقد منقسمون بين أننا وصلنا إلى آخر الزمان وأنها نهاية العالم وعلامات الساعة الكبرى، وبعضهم ذهب إلى ما أقرب ويتهم أخلاقنا التي تبدلت، وقيمنا التي تناثرت، وطبقتنا الوسطى التي "انحل وسطها"، وتاهت، وآخرون يمسكون بناصية لوحة المفاتيح ويقاتلون دفاعا عن الحق في حياة بلا قيود رجعية تصل للتخلف، فالمجتمع بات أكثر تقدما وحداثة، وخاض معارك مع تلك القيود، ونحن الآن أبناء الألفية الجديدة، ولنا تصور مختلف، وتوجهات جديدة، فما المانع من أن يكون هناك جنسًا خارج إطار الزواج، وكيف نحرم فتاة من حلم الأمومة إذا ما أرادت ذلك دون زواج..

وجهات نظر متباينة لمجتمع يعاني من انقسام وتشرذم ليس فقط سياسي وحزبي، بل أخلاقي وقيمي.

(3)

للأسف المعركة ليست جديدة، والأطروحات لم تفتح بابا مغلقا، فالقصة أشبه بقوانين الجدلية أو "الديالكتيك": "التحول من الكمية إلى الكيفية و العكس- قانون تداخل المتناقضات- قانون نفي النفي"، ومفادها بشكل مبسط في أحد جوانبها أن كل منظومة تحمل في طياتها عوامل فنائها، وأن كل مرحلة تتصارع مع مرحلة أسبق لإنتاج مرحلة أحدث بملامح جديدة، وربما هذا يفسر بشكل ما حركة تطور المجتمعات بشكل فلسفي، ولكن الأغرب أن أغلب مبررات الأزمة التي يمر بها مجتمعنا حاليا تم تنحية كل النظرات والفلسفات والخطابات الدينية والسياسية والتاريخية، بعدما ظهر السبب الجلي والأوضح لكل كوارث عصرنا وباتت الإجابة: "مسلسل سابع جار".

ماذا تفعل القوانين والفلسفات لجماعة من البشر الأصل أنهم أبناء وطن واحد ولكن كل فصيل يقف على الشاطئ الآخر من النهر ويقذف الآخر بحجر الخطيئة.

(4)

لماذا نضيع الوقت في البحث عن تفسير فلسفي أو علمي لما نحن فيه، ولما نجهد أنفسنا في التفكير ومحاولة الإجابة على السؤال: كيف وصلنا إلى هنا؟ وما هي جدوى أن نقف ونقيم وضعنا الحالي، هل هذا ما نريده لأنفسنا؟ هل هذه هي الأخلاق التي يجب أن نتبناها، وإن لم تكن فماذا نريد؟ ما هو الشكل الذي نبتغيه لمجتمعنا وما هي القيم التي ننادي بها بشكل جمعي أو فردي؟، وأيا ما كان ما نرتضيه ما نحن فاعلين كي نروج له وندافع عنه؟ هل نحن مجتمع يعاني من أزمة سلوك؟ إن كان نعم، كيف نتحرك لعلاجها؟ وما هو النموذج الذي نبحث عن تفعيله؟

أسئلة وجودية كاشفة إن كنا نريد حقا الخروج من الأزمة، وحتميا خلق أرضية مشتركة للبحث عن صيغة لهوية ما أي ما كانت للاتفاق والالتفاف حولها، وصولا لاحترام كل ما هو مختلف عنا ومنا ومعنا، وحفاظا على كل ما هو ضروري وأصيل.

(5)

الإجابة المؤكدة هي أن "السبب الجلي والأوضح لكل كوارث عصرنا": "مسلسل سابع جار"، وربما يكون ما يطرحه المسلسل من معالجات ليست الأمثل، ولكن لماذا نتخلى عن مواجهة الحقائق، ونبحث عن إجابات حقيقة للأسلة الأهم، بعيدا عن دفس رؤوسنا في الرمال وإخضاع عمل فني للنقد بمعيار أخلاقي، فالفن لا يخضع دوما للنقد بمنظور أخلاقي، بل محله أن يتم تقييمه بمنظر فني بحت، ولكن على الرافضين والمؤيدين أن يجيبوا عن السؤال الأصعب: هل هذا ما نريد، إن كان نعم فلما نخشاه، وإن كان لا فماذا فعلنا كي نصلح ما أفسدناه؟.

"سابع جار" لا يعدو كونه عملا فنيا يقدم وجهة نظر صناع المسلسل، قد تحتمل القبول أو الرفض، ويجب إخضاعه لمعايير النقد الفني لا أكثر، وربما تميز في بعض عناصره وربما شابه الضعف في غيرها، لكن من الظلم، وربما من الضحالة أن يتم تحميله أو أخذه على أكثر من ذلك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق