لهذه الأسباب فشلت جهود استقلال كاتالونيا عن أسبانيا
الإثنين، 20 نوفمبر 2017 08:00 م
في أكتوبر الماضي شرع مواطنو إقليم كاتالونيا في الاستفتاء من أجل استقلال الإقليم عن أسبانيا، وذلك بدعوة من الحكومة الإقليمية في كاتالونيا.
وتسبب الاستفتاء في نشوء الأزمة الدستورية الأسبانية عندما تم سن قانون من قبل برلمان كتالونيا بعبارات دقيقة يوم 6 سبتمبر 2017، ولكن رد المحكمة الدستورية في إسبانيا جاء في اليوم الموالي، مؤكدًا على أن الاقتراع غير قانوني، لكن رئيس إقليم كتالونيا كارلس بوتشدمون أكد على عزمه إجراء الاقتراع في وقته المخطط له، مما دفع المحكمة الدستورية إلى إصدار حكم نهائي على عدم شرعية الاستفتاء؛ كان ذلك في 12 سبتمبر 2017.
وفق مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، تُعد أزمة استقلال إقليم كتالونيا واحدةً من أكثر الأزمات التي واجهت أسبانيا، منذ انتهاء حكم الديكتاتور الإسباني الجنرال "فرانسيسكو فرانكو" تقريبًا، خاصةً بعد أن واصل طرفا الصراع (الحكومة الكتالونية الداعمة للاستقلال، وحكومة مدريد الرافضة له) عمليةَ التصعيد السياسي مؤخرًا، إلى الدرجة التي دفعت كلا الطرفين إلى نقطة لا تُتيح مساحةً كافيةً للمناورة، أو التراجع من أجل تجاوز الأزمة.
وأشار العرض البحثي لمركز الدراسات إلى خلفية الصراع بين الإقليم ومدريد، وأنها تمتد إلى نحو 1000 عام، تَشَارَكَ سكان إقليم كتالونيا تاريخًا مستقلًّا، وتحدث أبناؤه لغة مختلفة عن سائر المناطق المحيطة. وبناء على حالة التمايز الهوياتي تلك، فقد مُنح الإقليم استقلالًا مؤقتًا في عام 1932 بعد تأسيس الجمهورية الثانية.
وتابع أنه مع صعود الديكتاتور الأسباني الجنرال "فرانكو" إلى الحكم، تم إلغاء هذا الاستقلال، وقُمعت أية أنشطة أو ممارسات عامة ذات طابع قومي، وبعد وفاته مَنَحَ دستورُ إسبانيا الجديد عام 1978 -في فترة التحول الديمقراطي- الإقليمَ حكمًا ذاتيًّا، وإن كان الدستور قد أكد -في الوقت ذاته- أن الأمة الإسبانية لا تتجزأ.
وفي عام 2006 تطورت علاقة الإقليم بالدولة الأم، بعد مفاوضات وافقت فيها الحكومة الإسبانية على تحسين وضعية الحكم الذاتي للإقليم بإقرار البرلمان الإسباني ميثاق حكم ذاتي يُعزز سلطات الإقليم، خاصة المتعلقة بالمالية والقضائية، كما يصف الميثاق سكان الإقليم بـ"الأمة". وفي عام 2010، قضت المحكمة الدستورية الإسبانية بإلغاء أجزاء من الميثاق بعد أن ارتأت أن مصطلح "أمة" كوصف للإقليم لا يحمل "قيمة قانونية"، وهو ما أعقبته حالة حراك في السنوات الأخيرة، وعمليات تعبئة للقطاعات الداعمة لاستقلال الإقليم، تحت شعارات قومية ومزاعم بضرر اقتصادي واقع على الإقليم من وجوده داخل إسبانيا.
وفي خلال الأعوام 2015 و 2016 و2017، تحركت الحكومة المحلية للإقليم نحو اتخاذ إجراءات سياسية فعلية في سبيل تحقيق هذا الهدف، كان أبرزها إعلان البرلمان الكتالوني في 27 أكتوبر ٢٠١٧ انفصال الإقليم عن إسبانيا، وهو قرار جاء بعد استفتاء رسمي في بداية الشهر نفسه وافق فيه 90% من المُصوِّتين على الانفصال، فيما اقتربت نسبة المشاركة فيه من 43% من الناخبين المُسجَّلين. وقد كانت تلك الإجراءات مصحوبة بعملية تعبئة جماهيرية بمسيرات دعت إليها حركات داعمة للاستقلال ودعمتها الحكومة.
لم تكلل جهود الحكومة الكاتالونية بالنجاح، بل فشل الاستفتاء الذي أجرته، وذلك لعدة أسباب حددها المركز، أولها الانقسام الداخلي، وتُعد حالة غياب التوافق في الإقليم التي تُظهرها استطلاعات الرأي، وتباين المواقف، سواء على مستوى النخبة أو الجمهور، نحو فكرة الاستقلال كقرار مصيري؛ عنصرًا هامًّا في محاولة فهم المشهد في كتالونيا، إضافة إلى التحركات الجماهيرية المناهضة لبعضها البعض داخل الإقليم.
ومن بين الأسباب الأهمية التي يمثلها الإقليم لأسبانيا، وذلك لعدة أبعاد أبرزها البُعد الاقتصادي، أخْذًا في الاعتبار حقيقة أن الإقليم الذي يُعد جغرافيًّا سادس أكبر منطقة في أسبانيا هو واحد من أغنى الأقاليم مساهمًا بـ25.6% من الصادرات، و19% من إجمالي الناتج المحلي، فيما يضم 20.7% من الاستثمارات الخارجية لأسبانيا.
كذلك من بين الأسباب معارضة القوى الغربية الفاعلة، بحسب المركز، في الوقت الذي راهن فيه أنصار انفصال الإقليم على دعم المجتمع الدولي؛ يبدو واضحًا الموقف المناهض الذي عبّرت عنه القوى الكبرى، خاصةً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وكلاهما اعتبر الأمر مسألة داخلية أسبانية.
وحدد المركز عدة سيناريوهات لمستقبل الأزمة، أولها مزيد من التصعيد: أي أن يتجه الطرفان نحو مواصلة الخطوات التصعيدية انطلاقًا مما يملكه كل طرف من أوراق ضاغطة، ومنها لجوء مدريد نحو تفعيل القرار النووي بفرض الحكم المباشر على الإقليم، واتخاذ خطوات أكبر فرضًا لهذا القرار بالقوة وسط دعم ضمني تحظى به مدريد من المجتمع الدولي، كذلك إجراءات تصعيدية من قبل الكاتالونيين مثل: الاحتجاجات، والإضرابات، وتنظيم التجمعات الجماهيرية، وتجديد الدعوات لموظفي الإقليم لعدم اتباع أوامر الحكومة الأسبانية.
من بين السيناريوهات إعطاء مساحة للحوار، ويرى البعض أن الانتخابات المقرر عقدها في الإقليم في 21 ديسمبر المقبل، قد تكون مساحة لتغير مسار النزاع بالكامل، غير أن ما قد تُسفر عنه نتائج الانتخابات.
وانتهى العرض البحثي، إلى أنه على الرغم من تحرك أطراف النزاع (الداعمين لاستقلال الإقليم من جانب، وحكومة مدريد من جانب آخر) نحو خطوات تصعيدية في أكتوبر الماضي، والتي يبدو معها أن مسار الأزمة قد بلغ نقطة التأزم؛ إلا أن هناك مساحات لانتزاع فتيل الأزمة بين الطرفين قد تلوح في الأفق، تحت ضغوط تجعل من استمرار عملية التصعيد محفوفًا بالمخاطر على مصالح الطرفين.