بعد هزيمته بالعراق وسوريا.. "داعش" يتفكك ويتحول إلى تنظيم سري
الإثنين، 30 أكتوبر 2017 05:30 م
كشفت دراسة عن اقتراب تحول تنظيم داعش الإرهابى إلى منظمة سرية بقيادة عسكريين سابقين فى الجيش العراقى، فوفق الدراسة فإن الهزائم المتلاحقة لتنظيم داعش في معاقله في سوريا والعراق، أصبحت مؤشرا على انهيار هذا التنظيم، لكن أدبيات التنظيم تقول إنه يبقى ايدلوجية متطرفة، لايمكن التخلص منها إلا بعد عشرات السنوات أو بالأحرى يعتمد على سياسات حكومية غير ناقصة.
قال جاسم محمد، باحث في قضايا الإرهاب فى دراسته التى نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب المعلومات إن أبو بكر البغدادي ارتبط ” بدولة داعش بالعراق " نهاية عام 2007. وكان معروفا كونه رجل دين ويخطب في مساجد الفلوجة ويعطي الفتاوى إلى تنظيم داعش في العراق والشام برغم عدم ارتباطه تنظيميا. وقبل ذلك عمل أبوبكر البغدادي إبراهيم عواد داخل فصيل (أهل السنة) في الانبار، وكان معروفا أنه رجل دين وفتوى وليس قياديا في أي من التنظيمات.
حصلت مجلة " شبيغل " الألمانية على مسودة وثيقة (31 صفحة) مكتوبة بخط يد العقيد سمير عبد محمد الخليفاوي، الضابط السابق في المخابرات العراقية، الذي كان يعرف باسم الحاج بكر. هذا الضابط هو الذي فكر وخطط لإنشاء هذه المنظمة التي يعرفها العالم الآن باسم "داعش" .
تابعت الدراسة : كان الذين عملوا معه في قاعدة الحبانية الجوية (في العراق) يطلقون عليه لقب “سيد الظل” وأنه لم يكن إسلاميا أبدا، بل كان قوميا، بعد الغزو الأمريكي للعراق أصبح الضابط الخليفاوي من دون عمل. لذلك فكر مع البعثيين في ضرورة السيطرة على المجتمع عبر إنشاء قوة لمجموعة صغيرة غير خاضعة لأحد، لكي تحكم باسم الدين، وتحقيق رسالة الأمة العربية.
إن إدارة المستشارين من العسكر من قبل شخص غير عسكري مثل البغدادي ليس بالهين وفي الغالب يكون مرفوضا، لكن البغدادي استطاع وبنجاح توظيف قيادات التنظيم من العسكر ويحركهم وفق إستراتيجية التنظيم التي تقوم على رسم خارطة " داعش" وتنفيذ الخطط على الارض.
وربما يعود إلى عامل آخر، هو حصول البغدادي على الإسناد والدعم والتمويل ومسك مصادر التمويل بنفسه، أي أن البغدادي هو حلقة الوصل، بدونه لايستطيع قادة العسكر ومستشاريه الحصول على تدفق التمويل والدعم ومايدعم هذا ان المعلومات كشفت بأن البغدادي يشرف على مصادر التمويل بنفسه.
الاحتمال الآخر والذي كشفته التحقيقات، بأن “الحاج بكر” الى تاريخ مقتله عام 2013 في سوريا هو زعيم التنظيم الحقيقي، وما أبو بكر البغدادي إلا واجهة لكسب أصحاب الفتاوى، وهذا ربما أكثر ترجيحا.
أضافت الدراسة :" كشفت المعلومات والتحقيقات التي حصلت عليها الاستخبارات العراقية تفاصيل جديدة عن تنظيم داعش هذه التفاصيل تضمنت معلومات عن قيادات التنطيم وأخرى عن سياسات وتفاصيل حركة ونشاط الجماعة. المعلومات أوصلت الاستخبارات العراقية إلى اعتقال بعض القيادات من الخط الأول قبل وبعد اجتياح الموصل يوم 10 يونيو 2014، حيث أعلنت وزراة الداخلية، مطلع شهر يونيو 2014 ، عن مقتل رئيس المجلس العسكري لـ”داعش” المدعو أبو عبد الرحمن البيلاوي واعتقال قيادات أخرى بالتنظيم خلال عمليات أمنية نفذت في الموصل ".
كما أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 يوليو 2017، بيان النصر وتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش من مقر عمليات جهاز مكافحة الإرهاب في المدينة، لتنتهي حلم “دولة الخلافة” إلى جانب ذلك أعلنت قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من تحرير مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا خلال شهر أكتوبر 2017، لينحصر التنظيم في دير الزور وعند الحدود العراقية، مدينة القائم.
تابعت الدراسة :" المعلومات كشفت أن “خليفة داعش إبراهيم عودة البدري” المكنى بالبغدادي، يرتكز في عمله على مجموعة مستشارين عسكريين وأركان من النظام العراقي السابق ماقبل 2003 واغلبهم من المنطقة الغربية ولديهم امتدادات عشائرية في سوريا".
لقد نجح البغدادي في إدارة مستشاريه رغم عدم توفر الخبرة في إدارة الجماعات أو الاشخاص، كون خبرته تنحصر بتدريس مادة الحديث والفقه، ورغم وجود معلومات بأنه قاد أحد التنظيمات “الجهادية” قبل التحاقه في " داعش" في العراق انذاك تحت زعامة أبو عمر البغدادي حتى 2010، لكن تدرجه بشكل سريع والوصول الى قيادة ورأس هرم التنظيم بفترة لا تتجاوز بضعة سنوات بعد اطلاق سراحه من سجن “بوكا “عام 2004 والصعود عام 2010، يثير الكثير من التسائولات.
أظهرت الشهادات وجود اختراق مخابراتي للتنظيم، لذا ركز أبو بكر البغدادي على البنية الأمنية مع تأسيس دولة داعش بالعراق 2006 وصعود ه عام 2010.
عمل البغدادي بعد خروجه من المعتقل ساعي بريد في " داعش" مهمته استلام وتسليم التقارير والرسائل السرية وخلال تلك الفترة خرج من السجن العميد الركن محمد الندى الجبوري المعروف بالراعي والذي استلم قيادة أركان الدولة، والعميد الركن سمير عبد محمد المعروف بـ حجي بكر نائباً له، الأخير كان له دورا بارزا في ادارة العمليات والتنظيم حتى مقتله شهر يناير 2014 في سوريا، ليحل محله اللواء ابو مسلم التركماني.
وهذا يعني أن نشاط البغدادي ضمن التنظيمات " الجهادية " كان قائما، مع الاخذ بالاعتبار ان القوات الاميركية كانت تحرص على اعادة تجنيد المعتقليين واعادتهم الى الاوساط “الجهادية”.
وهذا ما يرجح بان البغدادي كان عميلا مزدوجا إلى القوات الأميركية رغم عمله داخل الاوساط " الجهادية "، ورغم ذلك يبقى في اطار التحليلات، كون العميل المزدوج يحصل على معلومات من الجانب الأميركي ويسربها إلى التنظيم “الجهادي” البعض منها مفبركة والبعض الآخر تكون معلومات حقيقية لغرض كسب ثقة التنظيم بالبغدادي .
العميل المزدوج: يعني الحصول على تغذية بالمعلومات وتغذية عكسية تمكنه من كسب ثقة التنظيم ومنحه ادوار قيادية وهذا مايحصل في روايات الاستخبارات، فهنالك الكثير من العملاء المزدوجين وصلوا إلى صدارة المواقع القيادية، وما يدعم هذا التحليل هو أن سيرة البغدادي تنقصها الإدارة والحوكمة والخبرات العسكرية، عكس ماتناقلته بعض وسائل الاعلام.
اعتمد البغدادي المعلومات الاستخبارية داخل التنظيم، لتكون علامة فارقة عند البغدادي وتنظيمه حتى وصف بانه يقوم على الشراسة الاستخبارية أكثر من القدرة والقوة العسكرية، وهذا يعني أن البغدادي حصل على خبرات استخبارية داخل المعتقل ليوظفها تنظيميا بعد خروجه.
إن إدارة البيت الابيض ووكالة الاستخبارات المركزية، لم تعلن أي معطيات أو معلومات عن البغدادي رغم إعلان الاستخبارات العسكرية العراقية عنها وأن تحفظ الولايات يرجح أنها كانت متورطة بتجنيد البغدادي ضمن سياستها بتفريخ الجهاديين داخل معتقلاتها
كون التنظيم المركزي للقاعدة لم يمده بالمال منذ نشأته حتى انشقاقه عن الظواهري في ابريل 2013، وهذا يعني أن هنالك مصادر تمويل على مستوى حكومات تكفلت بتمويل البغدادي، ومايزيد بالقضية تعقيدا أنه لم يحصل أي تسريب حول تمويل البغدادي لا على مستوى المعلومات المؤكدة ولا التحليل.
يشار إلى أن تنظيم " داعش" في العراق آنذاك تحول إلى شبكة لجمع الاتاوات في العراق خاصة في محافظة الموصل وضعفت عملياته حتى نهاية مطلع عام 2012 بعد انسحاب القوات الاميركية في ديسمبر 2011، اي ان الدعم المالي للبغدادي تدفق اكثر بعد الانسحاب الاميركي؟
يعتبر تنظيم داعش من أكبر التنظيمات " الجهادية "الذي يتمتع بامكانيات مالية، فقبل سيطرته على منابع النفط في سوريا ـ الرقة او المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، استعرض التنظيم بارتال من مئات السيارات ذات الدفع الرباعي في محافظة الانبار وفي حزام بغداد، هذه القدرة مكنت التنظيم من ابتلاع تنظيمات اسلامية أخرى والانضمام إلى صفوفه مابين الترغيب والترهيب، بعد أن ضمن لمقاتليه دفع مرتبات جيدة وتسليح عالي. لقد جمع البغدادي الخبرات العسكرية مع الولاء العقائدي، وهو ذات الأساس الذي اعتمدته إيران مع الحرس الثوري وفيلق القدس.
لقد استطاع داعش من استعادة ما فككته الحكومة العراقية والقوات الأميركية بقيادة باتريوس بتحالفها مع عشائر المنطقة الغربية عام 2005 ـ 2006 في محاربة الإرهاب، إلا أن هناك مسار عكسي لداعش والمجموعات المسلحة والعشائر، التي توحدت جميعها ضد الحكومة المركزية، لكن هذا التحالف سوف يشهد الكثير من التقاطعات بسبب تقاطع المصالح والايدلوجيات بين مكونات “الدولة الاسلامية” والعشائر.
هذا يعني أن مستقبل داعش في المنطقة الغربية بات مرهونا بموافقة أهالي المنطقة الغربية وزعاماتها العشائرية.التجربة في افغانستان أي بالعلاقة ما بين القاعدة وطالبان التي مثلها الكثير من الخبراء المعنيين بالتنظيمات “الجهادية” والقاعدة بأنها مثل البصلة وقشرتها والتي يصعب الفصل بينهما، لكن الحقائق برهنت أن أصحاب الأرض هم أصحاب القرار أي أن طالبان كانت هي صاحبة القرار بابعاد القاعدة التي تمسكت بـ”عولمة الجهاد” عكس طالبان التي كانت معنية بأرض افغانستان، هذا ممكن ان ينطبق على الوضع مابين عشائر الانبار التي تقابل طالبان في معادلتها مع القاعدة او داعش
إن استمرار داعش في المنطقة الغربية والشمالية الغربية ومطالبة زعامات العشائر بالانفصال او اقامة دولة كردية شمال العراق من شأنه ان يخلق دولة سنية تنقصها الكثير من مقومات الدولة ومنخورة من قبل الارهاب وتنظيم داعش من الداخل، هذه الدولة ستكون ضعيفة امام دولة كوردستان العراق في الشمال التي تتمتع بمقومات الدولة كاملة وحكومة بغداد ذات المكون الشيعي في الجنوب.
بات مرجحا أن التنظيم سيبقى على منظمة إرهابية سرية، داعش كان هدفها الاساسي تغيير حكومة بغداد، واستعادة السلطة، أكثر ماتكون جماعة” جهادية”، لذا نشأت ضمن حلقة مغلقة، قادتها من العسكر ومن العراقيين، لكن بعد اجتياح مدينة الموصل يونيو 2014، اتسعت رقعة الجغرافية، لتعلن انتهاء الحلقة المغلقة.
التنظيم تحول إلى جماعات صغيرة، بعد أن كان يتحرك على شكل”تشكيلات” عسكرية، وهذا يعني أنه سيعود إلى عمليات الكر والفر. التقديرات تشير إلى أنه ممكن أن يعود ليهدد المدن والمناطق التي خسرها، وهذا مابات متوقعا. وسيعود التنظيم إلى الاستراتيجية التي انتهجتها عام 2011، بتنفيذ عمليات ارهابية لزعزعة ر الحكومة العراقية وفي ذات الوقت وضع اوروبا نصب اعين التنظيم لتنفيذ عمليات انتحارية، على غرار “الذئاب المنفردة”
المشكلة تكمن بقدرة التنظيم على التجديد، وذلك استعادة خلايا جديدة، خاصة في المناطق الغربية من العراق أكثر من المناطق في سوريا، وهذا ما أكده الخبير في الجماعات المتطرفة الدكتور هشام الهاشمي.
السؤال ربما يكمن: مدى قدرة الحكومة العراقية، بسد فراغ السلطة وتبني سياسات جديدة غير قائمة على الطائفية والمناطقية؟
وبرغم ما حققته القوات العراقية من انجازات واستعادة سمعتها، لتحصل على جائزة أفضل جيوش العالم خلال شهر اكتوبر 2017، فإن تحدي الجماعات المتطرفة وتنظيم داعش يبقى قائما، ربما بسبب المعضلة السياسية في العراق.
داعش والتنظيمات “الجهادية” لايمكن أن توجد إلا وسط دولة ضعيفة أو فاشلة، هي خير من تستغل غياب السلطة، لذا كثيرا ماتوصف إلى جانب القاعدة بالانتهازية، لذا بقاء تنظيم داعش سوف يعتمد على سياسات الحكومة العراقية الجديدة، أكثر من قدرة داعش على الظهور من جديد.