د. نجاح أحمد عبداللطيف تكتب: أحن إلى شطة أمى
الأحد، 22 أكتوبر 2017 03:30 م
مرت سنوات طوال منذ أن حطت قدماها لأول مرة على أرض القاهرة. كانت القاهرة لفتاة صعيدية لم تخرج من الصعيد قط حلما بعيد المنال، هوسها بها وإصرارها على الذهاب إليها جعلها تختار كلية ليس لها بديل فى الصعيد بالعند فى مكتب التنسيق. وجاءت الفتاة الصعيدية لتجد نفسها غريبة فى بلاد غريبة تبهرها القاهرة فى كل حين بعجائب وغرائب لا قبل لابنة الصعيد بها.
من عجائب أهل القاهرة الشتيمة؛ التى تنساب من الشفاه بشكل تلقائى تختلف حدتها وقبحها على حسب السياق، ولكل مقام مقال. تساءلت الصعيدية فى سرها بكل سذاجة، ألا يوجد فى مطابخ الأمهات شطة؟ شعرت بحرارة الشطة فى فيها وهى تتذكر كيف كانت أمها تحشو فمها بالشطة إذا ما بدر منها قول عدته الأم شتيمة، كانت كلمة «غبى» عند أمها جديرة بملعقة كبيرة أما، «كلب» أو «حمار» فتستحق البرطمان بأكمله، الله يمسيكِ بالخير يا أمى.
أحيانا كانت تسمع ألفاظا لا تفهمها، فضولها يغريها بالسؤال، خشيتها من تفسيرٍ لا تحتمله أذناها يمنعها. حظها أوقعها فى بيت أصحابه أساتذة فى الشتائم، أحيانا يبتكر أحدهم شتيمة لم يسبقه إليها أحد فيقبل عليه الآخرون مهللين مهنئين إعجابا بعبقريته أو فلنقل بقباحته. الطريف أن أصحاب البيت كانوا يستخدمون الشتيمة باعتبارها اسما منادى، اعملى كبايتين شاى يا بنت ال.. روح اشترى بجنيه عيش يا بن ال.. بما لا يحمل أى معنى من معانى الغضب، إنها طريقة فى النداء لا أكثر للتنبيه والإسراع بالتنفيذ، الأمر الذى جعل الصعيدية تسألهم: لماذا تطلقون على أولادكم أسماءً ما دمتم لن تستخدموها؟
تحسرت على الصعيد وأهله المهذبين اللى العيبة ما تطلعش من بقهم، وودت لو عدوى نظافة اللسان انتقلت لأهل القاهرة، ولكن هيهات. الآن ازداد الأمر سوءا وأصبح الشتامون يتقلدون مناصب رفيعة والجميع يهابونهم ليس احتراما لشخصهم ولكن اتقاء لألسنتهم حتى لا تصيب بسوء الأم أو الدين أو كليهما.
لكن الزمن يمضى ولا يبقى حال على حاله، الفتاة كبرت ولم تعد تترحم على أدب الصعايدة؛ ففى مسألة الشتيمة توحد القطران وأصبح كله محصل بعضه، ولم يعد أحد يفكر فى استخدام الشطة.
الله يمسيكِ بالخير يا أمى.
مدرسة بكلية الألسن