نكشف أسرار الخطة «شامل»
السبت، 07 أكتوبر 2017 03:00 مشريف عارف
الفريق أول محمد فوزى: كيسنجر هدد باشتراك أمريكا فى القتال لصالح إسرائيل إذا حاول المصريون اختراق وقف إطلاق النار
الرئيس الجزائرى «بومدين» أهدانا 150 دبابة ويوجوسلافيا أهدتنا 140 دبابة
الفريق أول محمد فوزى (1915-2000) قائد حربى فَذ، وصاحب تجربة لن تتكرر فى التاريخ العسكرى المصرى. تخرج على يديه الآلاف من ضباط الجيش المصرى عندما كان مديرًا للكلية الحربية، كما عينه الرئيس عبدالناصر قائدًا عامًّا للجيش المصرى ووزيرًا للحربية، وكلفه بإعادة تنظيم القوات المسلحة وتجهيزها وتدريبها بعد حرب يونيو 1967، فسبب ضغطًا هائلًا وخسائر مستمرة وجسيمة للعدو خلال حرب الاستنزاف (1969-1971)، وأعاد بناء الجيش الذى استطاع أن ينتصر فى 1973.
ويتناول كتابه «حرب أكتوبر 1973: دراسة ودروس» أهم مواجهة بين العرب والعدو الإسرائيلى. فيشرح جميع المعارك بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية من 6 إلى 10 أكتوبر 1973، وأسرار التخطيط، وأسلوب الإدارة، وتحركات مسرح العمليات، والمواقف الدولية.
بعد صدور القرار 338 مباشرة قام «كيسنجر» بإخطار الرئيس السادات أن إسرائيل وافقت على قرار وقف إطلاق النار، ولكن تبين بعد ذلك أن «هنرى كيسنجر» وهو فى طريقه إلى موسكو عرج على إسرائيل لإخطار قادتها بتفصيلات وظروف وقف إطلاق النار، وبارك عزم القيادة الإسرائيلية على تقدم قواتها فى الضفة الغربية للقناة بعد إعلان وقف إطلاق النار بهدف الوصول إلى موقف عسكرى قوى يمكِّن إسرائيل من إملاء شروطها فى المفاوضات المقبلة مع مصر، وكان الهدف العسكرى للقيادة الإسرائيلية هو العمل على عزل قوات الجيش الثالث ومدينة السويس، وقطع طرق المواصلات الداخلية إليهما.
الأمريكان أعلنوا حالة الطوارئ لقواتهم النووية بعد أحداث يومى 24 و25 أكتوبر
وعندما انتهكت إسرائيل قرار وقف إطلاق النار يوم 23/10/1973 فى الوقت الذى كانت فيه قوات الجيش الثالث غرب القناة قد ضعفت مقاومتها، لم يجد الرئيس السادات ملجأ يستند إليه سوى الاتحاد السوفيتى يطلب منه العون، وذكر كلمة قوات فى طلبه لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية إزاء الوضع العسكرى المتدهور غرب القناة، ولم يتردد الاتحاد السوفيتى فى مساندة مصر ورفع درجة استعداد 7 فرق جنود جو قوامها 45000 مقاتل، بالإضافة إلى تجميع 85 قطعة بحرية منها غواصات موجهة تحت قيادة حاملة الطائرات «موساكافا» وسبع سفن اقتحام برمائية، وأرسل إنذاره إلى الرئيس الأمريكى «نيكسون» يهدد بالتدخل المنفرد فى مسرح عمليات الشرق الأوسط إذا لم تردع حليفتها إسرائيل بالالتزام الفورى لقرار مجلس الأمن، وذلك بعد أن أدرك الاتحاد السوفيتى أن «هنرى كيسنجر» قد أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لمخالفة قرار وقف إطلاق النار، وأنه خان تعهداته وسلك طريق الغش والخداع فى معاملاته.
فى الوقت نفسه أعلنت الإدارة الأمريكية حالة التأهب لقواتها النووية، وأجرت تحركات بحرية وجوية استعدادًا للصدام فى شرق البحر الأبيض المتوسط، كما تبين من أحداث يومى 24 و25 أكتوبر، ومتابعة الإشارات المتبادلة بين الرئيس السادات والقوتين العظميين والردود الساخنة بينهما تعطى الاحتمال فى إمكانية الصدام النووى بين القوتين المتحاربتين.
واعتبارًا من مساء 23/10/1973 كانت قوات الجيش الثالث ومدينة السويس قوامها 60000 مقاتل محاصرين حصارًا تامًّا، وباتوا رهينة فى يد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وكان مجلس الأمن قد أصدر قراره فى نفس اليوم برقم 339 وينص على تكليف مراقبى هيئة الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار 338 (قوات هيئة الأمم فى قبرص) بهدف الفصل بين القوات المتحاربة فى جبهة قناة السويس.
وفى مساء نفس اليوم صدر قرار مجلس الأمن رقم 340 بتكليف الدول غير الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن بإرسال قوات سلام لمنطقة الشرق الأوسط قوامها 900 فرد، كانت متمركزة فى قبرص ومكونة من قوات أسترالية وفنلندية وسويدية، وجميعها تحت القيادة المباشرة للجنرال «إينزو سيلاسفو».
وقد كشف «كيسنجر» فى مذكراته عن تواطئه مع إسرائيل عندما اقترح على «جولدا مائير» أن تنسحب القوات الإسرائيلية بضع مئات من الياردات ثم تقف وتقول: «هذا هو خط 22 أكتوبر»؛ إذ كيف يمكن لأى شخص معرفة أين كان يوجد خط 22 أكتوبر فى الصحراء؟!
وكان الرئيس السادات قد بعث برسالة للرئيس الأمريكى يطالبه بالوفاء بما وعد به حول التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، ويدعو قوات أمريكية للتدخل على الأرض «لإجبارها على ذلك»، وفى الوقت نفسه قررت مصر طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن للنظر فى إرسال قوات سوفيتية وأمريكية إلى الشرق الأوسط.
وفى اليوم التالى بعث الرئيس «نيكسون» برسالة يستجيب فيها لاقتراح الرئيس السادات «فقد وافقت إسرائيل على السماح للملحقين العسكريين الأمريكيين فى تل أبيب بالتوجه إلى منطقة القناة للتحقيق فى تنفيذ التعليمات بوقف إطلاق النار، وذلك على أساس مؤقت إلى أن يصل مراقبو الأمم المتحدة للمنطقة، وطلب «نيكسون» إبلاغ قواتنا بذلك، كما حذر «نيكسون» السادات بالأخطار التى يمكن أن تحدث بسبب تواجد قوات أجنبية فى المنطقة، ورد عليه السادات مستجيبًا لرغبته وغيَّر طلبه ليكون قوات دولية بدلًا من قوات مشتركة (أمريكية-روسية)».
كان الرئيس السادات قد أعلن بعد وقف إطلاق النار وحصار الجيش الثالث ومدينة السويس، أن القوات المسلحة المصرية قد جهزت خطة تعرضية سمتها «الخطة شامل» للقضاء على قوات الثغرة الإسرائيلية، ولكن الرئيس السادات لم يحدد ميعاد تنفيذها، طبقًا لنصيحة «هنرى كيسنجر» حتى يبقى على الموقف الإسرائيلى القوى فى الضفة الغربية للقناة، ومن ثم يجبر الرئيس السادات على قبول التنازلات العسكرية والسياسية التى تطلبها إسرائيل للوصول إلى التسوية النهائية من وجهة نظرها، وكانت موافقة الرئيس السادات على نصائح «كيسنجر» هى أكبر خطأ سياسى يضاف إلى القرارات السياسية الخاطئة التى فرضها الرئيس السادات على المعركة العسكرية، وإنه فى هذه الحالة قد تنازل عن مطلب ضرورة عودة إسرائيل إلى خط 22 أكتوبر طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 338 الذى أيدته الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى موافقة الرئيس السادات على استمرار بقاء القوات الإسرائيلية فى مواقعها الحالية فى الضفة الغربية للقناة، والتى تمكنها من حصار الجيش الثالث ومدينة السويس.
إن الثقة العمياء فى قدرة الولايات المتحدة الأمريكية التى منحها الرئيس السادات لحل قضية الصراع مع إسرائيل حلًّا منفردًا منذ بداية حكمه، أعمت إدراكه عما يدور من مؤامرات سياسية وعسكرية بواسطة «كيسنجر» وإسرائيل.
بينما كان الموقف العسكرى لقوات الثغرة الإسرائيلية ضعيفًا للغاية، بالإضافة إلى حصارها من جميع الجهات، ولا يوجد منفذ لتموينها ودعمها سوى معبر الدفرسوار والذى شمل ثلاثة كبارى عبر قناة السويس فى منطقة الدفرسوار، وغطاءً جويًّا مسيطرًا سيطرة تامة.
وكانت الفرق الثلاث المدرعة الموجودة فى قوات الثغرة ضعيفة؛ إذ إن قوة دبابات لواءاتها المدرعة وصلت ما بين 17 دبابة و50 دبابة فى كل لواء مدرع فقط، وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التى لحقت بهذه الفرق المدرعة من المعارك التى خاضتها.
كان توزيع الفرق المدرعة الإسرائيلية داخل هذا الجيب الإسرائيلى محرجًا للغاية؛ إذ كانت فرقة «شارون» قائمة بتثبيت أوضاع الجيش الثانى فى الشمال.