الخطاب الديني بين الإفراط والتفريط.. التجديد على مقصلة الفتاوى الشاذة (الحلقة 2)
الإثنين، 02 أكتوبر 2017 08:36 مهناء قنديل
نواصل في الحقلة الثانية، من سلسلة التقارير حول فكرة تجديد الخطاب الديني، والمأزق الذي تعانيه؛ جراء وقوعها بين شقي رحى هما الإفراط الذي صنع الإرهاب، والتفريط الذي أطلق الإلحاد.
وفي السطور التالية نستعرض جانبا جديدا من جوانب المأزق المشار إليه، وهو هذه المرة الفتاوى الشاذة، التي انتشرت، حتى أصبحت مقصلة تكاد تعدم كل الجهود المبذولة لإنقاذ المجتمع.
امتهان الفتوى
رغم أن جميع علماء الدين، وفقهائه، يعلمون أن الفتوى أمانة، وأنها كلمة يمكن أن تهوي بصاحبها إلى أسفل سافلين، فإن الكثير من رجال الدين هذه الأيام، لم يعودوا قادرين على وضع الأمر في نصابه الصحيح، وصارت شهوة الكلام، والظهور الإعلامي أقوى في نفوسهم، من خشية العقاب الأخروي.
وإزاء هذه الحالة العجيبة، التي تجرأ فيها أصحاب الفتاوى، من المؤهلين وغير المؤهلين، للاضطلاع بهذه المهمة، على إطلاق الأحكام الشاذة التي لات تراعي عرفا، ولا أخلاقا، ولا تطورات اجتماعية يجب أن توضع في الاعتبار، صار الدين ألعوبة في أيدي الجميع، وأصبح الأمر بحاجة إلى تطهير الثوب الإسلامي من هذه الفئة أولا قبل الانطلاق نحو أي تجديد من أي نوع!!
وشهدت الفترة الماضية سيلا من الفتاوى الشاذة، مثل: ما أفتى به شيخ شيوخ السلفيين "أبوإسحاق الحويني"، بأن عبارة "اقرأ الفاتحة على الميت"، من الأخطاء الشائعة لدى المسلمين، وأن هذا لم يثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وليس له أصل في الشرع، وإنما المشروع القراءة بين الأحياء للاستفادة!!
ومن ذلك أيضا فتوى الداعية السلفي أسامة القوصي، حول جواز رؤية الخطيب لخطيبته أثناء استحمامها، زاعما أن الصحابة فعلوا ذلك؛ حتى يتأكدوا من صلاحية المرأة، كما لا ننسى فتوى إجازة إرضاع الكبير، التي أطلقها الدكتور عزت عطية، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، وتقضي بحسب رأيه الغريب بجواز أن ترضع المرأة زميلها في العمل؛ منعا للخلوة المحرمة بينهما، إذا كان العمل يفرض وجودهما في غرفة مغلقة.
وتأتي هذه الفتاوى في ظل حالة جدل متصاعدة، حول فرضية الحجاب، التي أفتى بها علماء، وبخاصة السلفيين منهم، وعدم فرضيته بالكلية، كما قال بذلك عدد آخر أشهرهم المفكر الإسلامي الراحل جمال البنا.
وتنوعت الفتاوى الشاذة، لتطول كل نواحي الحياة، ومنها ما أفتى به شيوخ سلفيون كبار يتقدمهم الدكتور ياسر برهامي، بتحريم الاحتفال بشم النسيم، وتحريم بيع البيض، والرنجة، والفسيخ، باعتبارها أدوات الاحتفال بهذه المناسبة المؤثمة من وجهة نظرهم.
ومن بين الفتاوى التي أثارت السخرية الاجتماعية، ما أفتى به الدكتور ياسر برهامي، بجواز عدم دفاع الرجل عن زوجته، حال تعرضها للاغتصاب، إذا كان ذلك سيعرض حياته للخطر!!
أما أحدث الأزمات فكانت فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، التي أجاز فيها للرجل أن يجامع زوجته المتوفاة، دون أن يكون ما فعله زنا، لكونها ما زالت في حكم الزوجة رغم وفاتها، مطلقا على ذلك اسم "معاشرة الوداع".
ولم يسلم الجانب الوطني، من فتاوى الدعاة، فخرج الداعية السلفي، سامح عبد الحميد، ليحرم الوقوف لتحية العلم، دون أن يوضح ما في هذا الفعل الوطني، من إثم يجعله محرما.
التدخل التشريعي هو الحل
ويعلق على هذه الحالة أستاذ التفسير وعلوم القران، العميد السابق لكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بجامعة الازهر فرع أسيوط، قائلا: "منصب الإفتاء يتمتع بمكانة عظيمة في الإسلام؛ لذا فإن أول ما يجب الانتباه إليه، هو وقف سيل الفتاوى الشاذة، التي لا تؤدي فقط إلى بلبلة الناس، وإنما أيضا تفقدهم الثقة في العلماء، وأحيانا يصل التشويش بسببها إلى حد اهتزاز عقيدة ضعفاء الإيمان، وقليلي العلم بالدين".
وأضاف لـ"صوت الأمة" أن الفترة الحالية تشهد انتشارا هائلا للفتاوى الشاذة والمضطربة، والتي لا تتوافق مع قيم ومعتقدات المجتمع ولا مع الشرع، مردفا: "بل إن بعض غير المؤهلين، وغير المتخصصين، يلجأون إلى إصدار فتاوى خاطئة؛ لخدمة مصالح جماعاتهم، أو تنظيماتهم، أو حتى أحزابهم التي ينتمون إليها".
ودعا "مرزوق" إلى بدء جهود جادة، لإعادة تنظيم بيت الفتوى، من الداخل، وإصدار التشريعات اللازمة؛ لقصرها على المختصين، ومعاقبة غيرهم من الإفتاء، مضيفا: "وبعدها فلن يكون هؤلاء قادرين على التأثير في المجتمع، أما على المستوى الفردي فليفعل كل منهم ما يريد، وليقتنع به أهله، وأتباعه إن أرادوا".