أنتو فين يا مشايخ؟
السبت، 16 سبتمبر 2017 09:19 م
لا أدرى أين المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر، من الفكر المتشدد الذي تبنته كثيرا من تنظيمات العنف في مصر، الذي جعل الآلاف من شباب تلك التنظيمات يتركون حياة الترف، والانزواء في كهوف بالصحراء، قناعة منهم بفكر "الحاكمية" الذي جعلهم على يقين، أن المجتمعات التي يعيشون فيها "كافرة" ويقوم على أمرها مجموعة من الحكام "الكفرة" يشرعون من غير ما أنزل الله، ويتخذون من أنفسهم أندادا للمولى عز وجل، وأنه "فرض عين" عليهم ضرورة محاربة هؤلاء الحكام "الكفرة" والرعية "الكافرة" التي ارتضت بولايته.
ولعل ما يدعو للأسف، أن علماء تلك المؤسسات الدينية، هم الأقدر والأكثر تأهيلا للتوضيح للشباب، ضلال فكر "الحاكمية" الذى تستند إليه تلك التنظيمات فيما يقومون به من قتل وتخريب، وهو ذات الفكر الذي أحياه قديما المفكر الهندي "أبو الأعلى المودودى" الذي كون الجماعة الإسلامية، وبدأ يستدعى فكرة "الحاكمية" من جديد، وكتب كتابا أسماه "المصطلحات الأربعة في القرآن" وحددها مصطلحاته بـ "الإله ـ والرب ـ والعبادة ـ والدين" مؤكدا أنها يقوم عليها الإسلام، وفسر كلمة "الإله" بأنه الحاكم، والإلوهية بالحاكمية، والعبودية بأنها الطاعة لحكم الله، مؤكدا إن الله له الحكم والسلطة، والخلق ليس لهم إلا الطاعة المطلقة، ومن يدعى أن له حرية في أن يحكم أو يصدر قوانين يخضع لها البشر فهو "كافر" لأنه ينازع الألوهية في أخص خصائصها وهى "الحاكمية" وان من يطيع من يحكم ويضع القوانين الحاكمة هو أيضا "مشرك" لأنه اتخذ من دون الله إلها آخر.
ولعل الغريب فى الأمر، أن "مشايخ مصر" يعلمون يقينا أن ما أتى به المودودى من مفهوم "الحاكمية" كان الدافع وراء الجماعات المسلحة للقتل والتخريب، وهو ذات الفكر الذي اتى به الخوارج الذين أرغموا سيدنا "على بن أبى طالب" ـ عليه السلام ـ على قبول التحكيم، بعد اقترابهم من الهزيمة، ثم انشقوا عنه، وقالوا الحكم لله، وكفروا وقتلوه، واندثر هذا الفكر باندثار الخوارج، إلى أن أحياه "أبو الأعلى المودودى" .
وأن "السادة المشايخ" يعلمون أيضا، أن "سيد قطب" تبنى فكر المودودى، وانطلق منه، وانتهى إلى أن "الحاكمية لله، وأن الألوهية هي الحاكمية، وأن كل البشر الذين يعطون لأنفسهم الحق فى إصدار قوانين أو تشريعات أو أى تنظيمات اجتماعية يخرجون من الحاكمية الإلهية إلى الحاكمية البشرية" ومن ثم أصبح البشر محكمون بقوانين غير قوانين الله، وبأنظمة لا يرضى عنها الله، وتخالف شرائعه، وبالتالي أصبح هذا المجتمع ـ طبقا لفكرة ـ "كافرا ويعبد غير الله".
وأن المشايخ على يقين أيضا، أن فكر سيد قطب، الذى بثه من خلال كتبه، وتبناه الآلاف من الشباب، يقول: (أن المجتمعات التى تعيش فيها الأمة الإسلامية الآن، هى مجتمعات جاهلية مركبة، حيث توجد قوانين ودساتير تحكم المجتمعات، وتوجد أنظمة وقوانين دولية، وهذه كلها – من وجهة نظره ـ يعد بمثابة "أصنام) وبالتالي أصبح يوجد بالمجتمعات الإسلامية الآلاف الأصنام يعبدها المسلمين من دون الله.
للأسف، أن هذه المفاهيم التي جاء بها "سيد قطب" والتي ما أنزل الله بها من سلطان، وجدت من تبناها من الدعاة، واستطاعوا أن يغسلوا بها رؤوس الآلاف من الشباب، الذين انساقوا إلى التفجير، والتدمير، وقتل الأبرياء، من منطلق أنهم يقومون بـ "أعمال جهادية قد تقودهم إلى الجنة" وأن من يقتلون في تلك العمليات ما هم إلا مجموعة من "الكفرة" الذين اتبعوا قوانين وضعية أمر بها حاكم كافر اتخذ من ذاته ندا لله.
أعتقد أن ما وصلت إليه الأمور من خطورة، أصبحت تحتم على كل المؤسسات الدينية الإسلامية فى مصر ضرورة التحرك، لتوضيح خطأ وضلال تلك الأفكار، وسد الطريق أمام التنظيمات المتطرفة فى سعيهم لاستقطاب قطاعات جديدة منهم.