مكتبة الإسكندرية تفتتح أولى فاعليات «الصالون ربع السنوى»
الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017 10:29 مالإسكندرية - محمد صابر
قال الدكتور مصطفى الفقي؛ مدير مكتبة الإسكندرية، إن الحرية تعد من المبادئ الأساسية في الحضارة العربية الإسلامية، كما أنها مكون رئيسي لبناء المجتمعات الديمقراطية المعاصرة، ولذلك فإننا في أمس الحاجة لمبادرات التجديد والإصلاح لإعادة ترسيخ قيم الحرية والمساواة في مجتمعاتنا.
جاء ذلك خلال افتتاحه أولى اجتماعات "صالون الإسكندرية"، الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية يومي 12 و13 سبتمبر الجاري تحت عنوان "مستقبل القوى الناعمة المصرية بحضور عدد كبير من المثقفين والباحثين والشعراء والأدباء.
ولفت إلى أن الصالون ربع سنوي سوف ينعقد كل ثلاثة أشهر بشكل غير تقليدي لبحث قضايا ثقافية وفكرية دوليًا وإقليميًا ومحليًا، من خلال دعوة علماء ومثقفين من الداخل والخارج بهدف مناقشة أفكار ومقترحات سياسات لصالح الشعب المصري، ودعم الدولة المصرية. وأضاف أن المكتبة وجهت الدعوة إلى عدد من المثقفين والشخصيات العامة من كافة الآراء والاتجاهات، وتقدم منبرًا لكل صاحب رأي طالما أنه ينطلق من أرضية وطنية.
وأكد أن مكتبة الإسكندرية ستسعى أن تقدم للجمهور كاتب ومفكر بارز من خلال "صالون الإسكندرية" ليقوم بإلقاء محاضرة للجمهور، وفتح جلسات للحوار والمناقشة وإقامة جلسات وورش عمل حول أحد الموضوعات الهامة. وأوضح أن "صالون الإسكندرية" يأتي تزامنًا مع جهود مكتبة الإسكندرية لفتح آفاق جديدة للتعاون مع هيئات ومنظمات دولية؛ مشيرًا إلى أنه عقد هذا الاسبوع عدد من اللقاءات المكثفة مع المسئولين بمنظمة اليونسكو، كما شارك في الاجتماع السنوي لمنظمة المكتبات الدولية (IFLA) الإفلا وعقد اجتماع مع ممثلي مكتبة الكونجرس للبحث في تعزيز العلاقات مع مكتبة الإسكندرية.
وقام بإلقاء المحاضرة الافتتاحية لصالون الإسكندرية المفكر أوس جنيس، والذي تحدث عن التحديات التي تواجه الحرية في الولايات المتحدة، وهو من الأكاديميين المرموقين، ينحدر من عائلة ايرلندية عريقة، واستكمل دراساته العليا في بريطانيا، ويعيش في الولايات المتحدة وله أكثر من ثلاثين كتابا في المواطنة، والمدنية، والحرية والمسئولية، ومعروف بآرائه النقدية للحياة الأمريكية.
وأعرب جنيس عن سعادته البالغة بوجوده في مكتبة الإسكندرية، وانبهاره بالدور الذي تقوم به على المستويين المحلي والدولي، خاصة جهودها في نشر الثقافة والحكمة والحوار والانفتاح على ثقافات العالم المختلفة.
وتحدث جنيس في محاضرته عن نموذج الحرية الأمريكي، باعتباره من أبرز النماذج وأكثرها بحثًا ونقاشًا. وأكد في البداية أن نماذج الدول لا يمكن تعميمها أو ضمان نجاحها في دول أخرى، لأن لكل دولة طبيعتها وظروفها الخاصة، ولكنه بكل تأكيد أحد التجارب الهامة التي يمكن أن نتعلم منها الكثير، فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للعالم نموذج ناجح في اكتساب الحرية والحفاظ عليها لسنوات طويلة، إلا أنها تواجه الآن العديد من التحديات التي تهدد بفشل هذا النموذج وعدم استدامته.
وأوضح أن إنشاء مجتمع يتمتع بالحرية يمر بثلاثة مراحل أساسية؛ وهي الواجبات، التحديات، وتجاوز المفارقة.
وتتمثل الواجبات في اكتساب الحرية؛ وهي مرحلة مرت بها العديد من الدول من خلال الثورات، وتنظيم الحرية؛ وهي مهمة أصعب من التي سبقتها وتتمثل في صياغة الدساتير التي تنظم هذه الحرية، وأخيرًا استدامة الحرية؛ وهي كافة الإجراءات التي تضمن الاستمرارية بمرور الوقت. أما التحديات فقد تمثلت بالنسبة للحالة الأمريكية في الضغوط الخارجية، الفساد الذي تحميه بعض العادات والتقاليد، والزمن.
ولفت إلى أن المفارقة الكبرى هي أن "أكبر عدو للحرية هي الحرية نفسها"، موضًحا ذلك بأن الوصول إلى الحرية واكتسابها هو أمر صعب قد يتطلب التضحية بأرواح الكثيرين في حروب وثورات، وبالتالي فإن جهود البعض للحفاظ عليها قد تتحول إلى أفعال فوضوية ومتسلطة، وهو ما يتنافى مع قيم الحرية.
وأوضح أن نجاح النموذج الأمريكي في تحقيق الحرية الذي جاء في أعقاب الثورة الأمريكية يتمثل في قدرة المجتمع على تحديد هدف واحد بالرغم من التنوع والاختلاف الذي تمتع به آنذاك، وقد أطلق على هذه التجربة "المثلث الذهبي للحرية"؛ والذي يضم ثلاثة عناصر أساسية وهي الحرية، الفضيلة، والإيمان. فالحرية تتطلب الفضيلة، والفضيلة تتطلب الإيمان، والإيمان يتطلب الحرية.
وبالحديث عن المجتمع الأمريكي المعاصر، قال جنيس إن نموذج الحرية معرض للخطر لعدد من لأسباب؛ أهمها أن المجتمع الأمريكي يشهد درجة غير مسبوقة من الانقسام؛ ليس فقط سياسيًا بل اجتماعيًا وتعليميًا وثقافيًا واقتصاديًا. كما أن المبادئ التي قامت عليها الحرية سابقًا هي محل جدال ونقاش كبير.
وشهدت الجلسة عدد كبير من المداخلات والأسئلة التي وجهها الحضور للمفكر أوس جنيس؛ ومنهم الإعلامي الكبير مفيد فوزي، والدكتور ممدوح حمزة، والدكتور حسام بدراوي، والدكتور خالد القاضي، وغيرهم.
وتحدث الدكتور محمد رفيق خليل؛ رئيس أتيليه الإسكندرية، عن أسباب تحول المجتمع الأمريكي من الإيمان بالحرية إلى ترويج البعض للفكر المتطرف والعنصري. وتساءلت الدكتورة إيمان رجب؛ الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن أسباب ربط الحرية بالأمن القومي، خاصة في فترة يعاني فيها العالم من التطرف والإرهاب، وكيف يمكن أن تكون اعتبارات الأمن مهددة للحرية في بعض الأحيان.
وتحدث الدكتور أسامة الغزالي حرب عن مراحل تكوين مجتمع يتمتع بالحرية، وتساءل عما إذا كان من الممكن تطبيق تلك المراحل على المجتمعات العربية وخاصة المجتمع المصري. ووجه الدكتور حسن نافعة سؤالاً عن الفرق بين الحرية الفردية والجماعية، وعلاقة الحرية بالرأسمالية.
وأعربت الدكتورة أمينة شفيق عن سعادتها للاستماع إلى وجهة نظر أكاديمي أوروبي يرى أن الحرية كقيمة إنسانية هي إحدى القوى الناعمة، إلا أنها ترى أن الحرية الأمريكية تختلف عن المفهوم الذي حاول تقديمه، لأنها ليست قوة ناعمة خاصة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.
وشدد أوس جنيس على أن التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ليس خارجيًا بل هو داخل المجتمع الأمريكي نفسه، مؤكدًا أن انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية ليس هو الأزمة في حد ذاتها، إنما هو نتاجًا لها ومعبرًا عنها.
وفيما يخص الحرية والأمن، قال إن التطرف والإرهاب الذي يعاني منه العالم قد ألقى بظلاله على العديد من القيم التي تحاول المجتمعات حمايتها، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن والحرية في ظل زيادة الأفكار المتطرفة هو القبول بالاختلافات والتعددية التي يشهدها العالم الآن ومحاولة التعايش مع الاختلافات التي قد تبدو جذرية فقط ظاهريًا.
وأوضح أن نمو المجتمعات يتطلب التوسط والاعتدال فيما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية أيضًا، وأن المبالغة والتطرف قد يعرض المجتمع للانهيار، وهو ما حدث في تجربة الاتحاد السوفيتي ويمكن أن يتكرر إذا بالغت الرأسمالية في زيادة ثروات الأثرياء والانتقاص من موارد الفقراء.
أما عن قضايا الإصلاح وعلاقتها بتجديد الخطاب الديني، فأكد جنيس أن جميع المجتمعات تحتاج للإصلاح في مرحلة ما، وأن الخطأ وارد ولكن يمكن تداركه بتنفيذ مبادرات وسياسات إصلاحية تناسب الوضع الراهن والقضايا المطروحة.