حج الرشوة.. هكذا يفوز المسؤولون بـ «صك الغفران»
الأحد، 10 سبتمبر 2017 04:43 م
«لبيك اللهم لبيك».. فريضة يسعى لها المسلمين لكل من استطاع إليه سبيلاَ للعودة إلى أرض الوطن عقب غسل الذنوب والمعاصي والآثام، ولأن شرط قبل الحج تتمثل في المال الحلال، حيث إن «الله طيباَ لا يقبل إلا طيب»، كما جاء في الحديث النبوى الشريف، إلا أن المجتمع المصري تقع فيه العديد من الحوادث الخاصة بإقامة الشريعة تشيب منها الروؤس وتقشعر منها الأبدان لأي صاحب دين يضع المولى عز وجل نصب عينيه .
فلم يكن أحد يتخيل منذ عصور الجاهلية الأولى، أن يلجأ المسؤولين في مصر رغم وضعهم المهني والوظيفي في ضرورة الحفاظ على سمعتهم الاجتماعية والأخلاقية وسط الأهل والأصدقاء، لقبول الرشاوى التي تقدر بأموال كبيرة من بينها تأشيرة شعيرة الحج، لأداء شعيرة الحج، لتكفير وغسل الذنوب، مع العلم جيداَ باعتبارهم مسلمين ومثقفين أن يعون ويحفظون حديث النبي برد الله تعالى لصاحب المال الحرام والمرتشي «لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك» .
وفي رواية: «من خرج يؤم هذا البيت بكسب حرام شخص طاعة الله فإذا بعث راحلته فقال لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك كسبك حرام وراحلتك حرام وثيابك حرام وزادك حرام ارجع مأجور وأبشر، بما يسؤوك» -صدق رسول الله.
واقعة رشوة «سعاد الخولي»، نائب محافظ الإسكندرية هي الحالة الأولى التي تتلقى رشوة تأشيرة لحج بيت الله الحرام، حيث إن هناك العديد من الوقائع المشبه لها، لعدد من المسؤولين سواء في السلك القضايا أو الوزارات والمحافظين .
«صوت الأمة» رصدت عدد من الوقائع بالأسماء والتواريخ لعدد من المسؤولين في عدد من مؤسسات الدولة المصرية، ذلك عقب توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشكر الجهات المختصة وعلى رأسها الرقابة الإدارية على الجهد المبذول خلال المرحلة الصعبة الحالية، قائلا: «لما قولنا سنواجه ونكافح الفساد في مصر كنا جادين فيه، ومؤمنين إننا لابد أن نبذل كل جهدنا لمواجهته».
رشوة قاضي الزقازيق
في 18 أغسطس الماضى- كانت قضية الرشوة التي عرفت إعلاميا بـ«رشوة قاضي الزقازيق»، والمتهم فيها عضوان سابقان بمجلس الشعب، أحدهما يشغل منصب عمدة حالي، نظير تخفيف الحكم على أحد المتهمين الصادر ضده حكم بالإعدام شنقا، لإدانته في قضية قتل عمد، وتبين أن من ضمن تلك الرشوة تأشيرة للحج، وتبين أن القاضي كان ذهب للأداء الفريضة قبل القبض علية بعدة أيام .
رشوة محافظ حلوان
في 15 مارس الماضى- تمكنت الأجهزة الرقابة، من ضبط حازم القويضي، محافظ حلوان الأسبق، لحصوله على رحلات حج وسيارة مرسيدس موديل (إس 350) قيمتها تقدر بنحو مليون جنيه، على سبيل الرشوة، من رئيس مجلس إدارة شركة بالمعادي، مقابل تسهيل الاستيلاء على قطعة أرض أملاك دولة، بالاشتراك مع مدير إدارة الأملاك بالمحافظة، وتخصيص قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها (800 متر)، بشارع 9 بالمعادي لشركة سيارات، بدلا من طرحها بالمزاد أثناء فترة شغله منصب المحافظ.
رشوة مجلس الدولة
وفي بداية العام 2017- فوجيء برشوة مجلس الدولة، المعروفة إعلاميًا «برشوة الكبرى» المتهم فيها جمال اللبان و٣ آخرون ومرتبطة برشوة جنسية للمتهمة رباب لتسهيل أعمال زوجها، وحصل فيها المتهم على رشوة حج.
رشوة وزير الصحة
في 30 مايو 2016- ألقت هيئة الرقابة الإدارية، القبض على مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، التي حصل فيها على 4 ملايين جنيه، مقابل إسناد توريد 12 غرفة زرع نخاع لإحدى الشركات من الباطن، كان بها أيضًا رشوة حج .
رشوة وزير الزراعة
تعد رشوة وزير الزراعة السابق صلاح هلال التي كانت في نهاية عام 2015 الذي حكم عليه بالسجن 10 أعوام، من أشهر قضايا الرشاوى التي شملت رحلات حج له وأسرته بفندق 5 نجوم، وفق نظام «الحج السياحي».
من جانبه، قال الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، إن المسؤولين المرتشين، يستخدمون الخداع النفسى لتبرير تعاطى الرشوة لأنفسهم، وإيهام أنفسهم أن هذا فعل جيد، وبه خير، لأنهم يؤدون من خلاله نسك وشعيرة دينية، لتحسين صورته أمام ذاته ومن ثم أمام الله تعالى، وأنهم يعانون من «سيكوباتي» يقومون بمخاطبة نفسه بأنه اشخاص محترم، لأنه طلب من بين طلباته شيء جيد غير مرتبط بمتع الدنيا يجعلهم يطمئنون إلى قبول -بل السعى أحيانا- لأداء فريضة الحج من خلال رشوة ووقائع فساد.
وأضاف «فرويز» في تصريح خاصة لـ«صوت الأمة» أن دافع وراء شراء اللقب (حاج) أصبح واجها اجتماعية يسعى الكثيرون للحصول عليه، لافتا إلى أن ذلك أصبح مرضا اجتماعيا بسبب انتشار التدين الظاهرى وليس الجوهري، وهو ما يفسر ظاهرة أن يحصل شخصا ما على رشوة لأداء فريضة الحج، مؤكدًا أن انهيار الأخلاق وانهيار الدين وأنهيار الثقافة والوعي بين الناس منعدم، وأن الدولة عليها عامل أساسي لحل تلك الظاهرة .
وأشار إلى أن الفساد في حد ذاته لا يشكل مرضا نفسيا، ولا يمكن أن نتصور أن جميع الفاسدين فى مؤسسات الحكومة مرضى نفسيون، وإنما يمكن أن نقول: «إنه مرض اجتماعى ينشأ فى تكوين المسؤول منذ طفولته، وهنا يبدأ تكوين الشخص الفاسد، عندما ينشأ فى أسرة لا تحاسب الطفل على أخطائه، وعندما يرسب هذا الطفل فى الامتحان فيذهب رب الأسرة إلى المدرسة وقد يدفع رشوة حتى ينجح ابنه مثلا، وعندما ينشأ الطفل على عدم الأمانة ولا يعلم منذ الصغر أن هناك ثوابا وعقابا، أيضا قد ينشأ هذا المسئول فى بيئة تشجع على السلبية واللامبالاة والإفراط فى التسيب والاستسهال والفهلوة ومن ثم تنشأ قيم وصفات سلبية تشكل دوافع للسلوك الفاسد».
ويتابع: «هناك مجموعة من الصفات المشتركة تجمع بين الفاسدين وهى أن المسئول الفاسد يعانى من هواجس نفسية سلبية نسميها فى علم النفس ب «التقدير الذاتى السييء»، ومن مظاهره الغرور والأنانية والعناد الخارج عن الحدود الطبيعية، اما الصفة الثانية في «السيكوباتية» فالشخص السيكوباتى هو شخص بلا قلب ووصولى لا يعترف بالعواطف ولا يشعر بداخله بتأنيب الضمير ولا يخاف من أحد، وعنده مشكلة فى تركيبة المشاعر المرتبطة بالخوف والمرض والقلق فهو شخص لا يشعر بشيء وفى نفس الوقت من الوارد جدا أن يكون شخصا ناجحا، ويرغب فى الوصول لما يسعى إليه بأى طريقة مهما كانت، والصفة الثالثة تتمثل فى أنه شخص فهلوى يسعى لجنى الأموال والثروات بكافة الطرق غير المشروعة استنادا إلى شعور داخلى ب «الشطارة والفهلوة والعلاقات وخلافه»، وهذا الشخص الفهلوى عادة ما يكون غير قادر على تحمل المنافسة الشريفة مع الآخرين ومن ثم يسبقهم دائما بخطوات سريعة عن طريق الخداع والفهلوة! ومن الصفات الأخرى أيضا النرجسية وعشق الذات بصورة مريبة.
وفي سياق أخر، قال الشيخ، محمد الشحات الجندي عضو بمجمع البحوث الإسلامية، إن الرشوة تعد حراما شرعا، وأن الرشوة التى نشاهدها اليوم عن قيام بعضى المسئولين بالدولة من تقاضى رشوة لداء فريضة الحج تعد حرام، وأن الأموال الرشوة مملوكة للدولة، وفى حديث شريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الراشى والمرتشي».
وأضاف الشيخ الشحات فى تصريح خاصة لـ«صوت الأمة»، أن هذا التصرفات غير جائزة وغير شرعية ينطبق عليهم قول الله تعالى «سماعون للكذب آكلون للسحت».