أوهام القومية اليهودية

الجمعة، 11 أغسطس 2017 02:52 م
أوهام القومية اليهودية
إيهاب عمر يكتب:

يدرك الغرب وشبكات المصالح الغربية التي تحكمه، أن أكبر خطر على العالم الغربي بشبكاته تلك هو قيام امبراطورية في المشرق بوجه عام، وأن تكون امبراطورية مصرية بوجه خاص، وبعد فشل المؤامرة الغربية في نسختها الصليبية باحتلال مصر والشام وتأسيس سوريا لاند، وبعد فشل تنسيق الغرب مع المغول في دحر مصر، دخلت أوروبا سلسلة من الاضطرابات، فراحت قوى دولية تنهار وأخرى تصعد.
 
وخلال القرن السادس عشر، وتحديداً عام 1517، وبينما الدولة العثمانية تدخل القاهرة، أطلق رجل الدين الألماني مارتن لوثر حركة الإصلاح البروتستانتي، ومن ضمن ما دعا اليه لوثر كان التسامح مع اليهود، وان عمليات طردهم من الدول الأوروبية خطأ تاريخي وديني، وان ذبحهم خلال الحملات الصليبية واجبارهم على دخول الدين المسيحي الكاثوليكي لم يكن بالأجراء الموفق.
 
للحركة اللوثرية عموماً أجندة سياسية معقدة، برعاية مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية في أوروبا وقتذاك كانت تريد التخلص من سلطة الكنيسة في السياسة، وانشاء عدداً من الدويلات التي أصبحت اليوم امراً واقعاً في أوروبا لان ذلك كان مفيد للتوازنات العسكرية والسياسية والاقتصادية وقتذاك، وكانت فكرة التسامح مع اليهود الغرض منها ان تجد الحركة اللوثرية دعماً من أكبر اقلية مضطهدة في أوروبا وقتذاك، حيث كان يطمع لوثر في تحول هؤلاء الى المسيحية وبذلك تجد البروتستانتية جمهور لها.
 
والحاصل أن الحركة اللوثرية البروتستانتية لم تلقى الدعم اليهودي المتوقع، فانقلب عليهم لوثر لاحقاً وتنكر لما قاله سابقاً بل وكانت كتاباته سبباً في طرد جماعي لليهود من بعض المقاطعات الألمانية عام 1580، ولاحقاً استخدم النظام الألماني النازي كتابات لوثر بحق اليهود في الدعاية النازية خلال ثلاثينات واربعينات القرن العشرين.
 
ولكن يحسب للحركة اللوثرية انها اول من نبه الغرب الى ان مكاسب التحالف مع اليهود أكبر بكثير من العداء، خصوصاً في المعركة مع المشرق ذو الأغلبية المسلمة.
 
وبدأت حركة سياسية دينية تدعو الى العودة للجذور، وان المسيحية كانت خلال القرن الأول والثاني بمثابة طائفة دينية يهودية، والمسيح كان يهودياً في نهاية المطاف – وفقاً لما نصت عليه دعاية تلك الحركات وقتذاك – ونشأ نوع من التحالف المسيحي البروتستانتي – اليهودي، لعب دوراً مهماً في تأسيس المستعمرات الغربية في القارة الامريكية الجديدة ثم قيام الولايات المتحدة الامريكية.
 
في أوروبا وجدت شبكات المصالح الغربية ان صعود هذا التيار ذو مكاسب عديدة، خصوصاً فكرة عودة اليهود الى فلسطين، فمن جهة فلسطين هي حلقة الوصل بين الضفة الشرقية والغربية للإمبراطورية الشرقية بل قل الإمبراطورية المصرية التي طالما تصدت للمؤامرة الغربية، ومن ناحية اخري ان غرس جسد دخيل على المشرق وفى المنتصف تماماً سوف يقسمه، وبالإضافة الى كل ذلك فأن تحويل انظار يهود الغرب من أوروبا الى المشرق سوف يريح أوروبا من خطرهم السياسي والاقتصادي ودورهم المجتمعي في تخريب المجتمعات وينقل هذا الفيروس الى المشرق.
 
فلسطين بالنسبة لهم كان مقلب القمامة التي سوف يرسلون اليها فيروس اليهود، لتفتيت امبراطورية الشرق متى فكرت في النهوض، وتقسيم المشرق الى قسمين، وانتشار فيروس أفعال اليهود من تفرق وتشرذم بين هذه المجتمعات، كما ان حملات هجرة يهود شرق أوروبا وروسيا الى أوروبا كانت تنبئ بكارثة ديموجرافية في أوروبا، سواء زيادة عدد السكان اليهود او سيطرتهم على سوق العمل والاقتصاد والمجتمع وزحف عادات وتقاليد مجتمعات اليهود والروس وشرق أوروبا على وسط وغرب أوروبا جراء تلك الهجرات التي لم تتوقف حتى اليوم.
 
وإلى جانب خوض اليهود للحرب مع المشرق بالوكالة، وتنفيذ اجندة الغرب الاستعماري حيال المشرق، وخلاص الغرب من اليهود، كان هنالك ميزة اخري لهذا التوجه، تتمثل في استغلال ثروات الصيارفة اليهود في هذا التحرك، وأصبح الغرب حتى اليوم يحلب الصيارفة اليهود باسم حماية الدولة الصهيونية وتحقيق الحلم الصهيوني وضمان مصالح اليهود واللوبي اليهودي في الدول الغربية، بينما الدعاية الصهيونية تفيد بعكس ذلك ويتلقف العرب المازوشيين – خاصة الإسلاميين واليساريين – هذه الدعاية في لذة غامرة.. اخيراً وجدوا شعور عام بالدونية واحتقار الذات والهزيمة التي تجعلهم في حالة رثاء دائم.
 
بينما الحقيقة ان اليهودية السياسية والرأسمالية اليهودية والحركات الصهيونية ودولة إسرائيل أدوات في يد المؤامرة وليس العكس.
 
وجدت شبكات المصالح في القرن السابع عشر انه لا مشكلة من ضم الرأسمالية اليهودية الى صفوفها طالما ذلك يفيد مصالحها، وكان الراعي الأول لهذا التوجه الجديد هم البيوريتانيين البروتستانت في إنجلترا بدعوة علنية مفتوحة عام 1649 لتوطين اليهود في فلسطين.
 
أما الرأسمالية اليهودية او الصيارفة اليهود فقد وجودوا في التوجه الأوروبي الجديد مكسباً مهماً، سواء العمل سياسياً واقتصادياً في الغرب المسيحي بحرية تامة للمرة الاولي في التاريخ، او الظفر بمصالح مشتركة والاهم تأسيس دولة خاصة بهم في الشرق، وقاية من حملات التهجير والابادة التي ظلت جارية حتى القرن السادس عشر في أوروبا، وهكذا اصبح الصيافرة اليهود هم نجوم الاقتصاد الأوروبي وصولاً الى تأسيس اليهودي الألماني ماير أمشيل روتشيلد للأسرة الاقتصادية الشهيرة المنتشرة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا وإسرائيل وإيطاليا، كما ان فرع الاسرة الأمريكي هم آل روكفيلر الذى دأب العاملين في مجال الصحافة او التحليل السياسي على اعتبار كلاً منهم عائلة منفصلة عن الثانية.
 
أول سياسي آمن بهذا التحرك السياسي لم يكن آرثر بلفور رئيس وزراء بريطانيا، بل الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت حينما كان قائداً عسكرياً للحملة الفرنسية على مصر والشام عام 1798، وحينما حاصر عكا عام 1799 أطلق ندائه الشهير ليهود العالم بدعمه، ولكنه خسر المعركة.
 
وفى أربعينات القرن التاسع عشر، وعقب نهضة مصر في زمن محمد على، رأت بريطانيا ان استخدام اليهود في المشرق عموماً والشام خصوصاً هو حليفها الأول، بعد ان تواصلت فرنسا مع المسيحيين الكاثوليك في الشام وعلى رأسهم الموارنة، وتواصلت روسيا القيصرية مع المسيحين الارثوذكس في الشام و على راسهم كنيسة القيامة في فلسطين، ورغم انهيار الحكم المصري لفلسطين عقب وفاة محمد على، الا ان النفوذ المصري ظل حاضراً، وللمفارقة لم يبدأ التوطين اليهودي في فلسطين الا عام 1882 فحسب، وهو عام الاحتلال البريطاني لمصر وكسر الجيش المصري، رغم ان هنالك محاولات عدة لبدء الاستيطان اليهودي برعاية أوروبية في فلسطين منذ بداية القرن التاسع عشر الا ان المستوطنات الثلاث الكبرى عام 1882 كانت النواة الحقيقة للكيان الصهيوني.
 
المفكر والفيلسوف الاشتراكي الألماني موشي هس Moses Hess (1812 – 1875) هو مؤسس فكرة القومية اليهودية، والصهيونية العمالية، حتى ان إسرائيل استقدمت رفاته من كولونيا الألمانية الى منطقة طبريا عام 1961 لإعادة دفنه، ورأى هس ان الرأسمالية اليهودية الأوروبية قادرة على تمويل مجهودات فرنسية عسكرية لنقل يهود أوروبا الى فلسطين لأنهم قومية مستقلة بذاتها ومن المستحيل ان يندمجوا في أوروبا عموماً والمانيا خصوصاً.
 
كما لعب المفكر اليهودي ليو بنسكر دوراً كبيراً في نشر فكرة تهجير يهود روسيا الى فلسطين، وفي نهاية هذه المرحلة تم اخراج الحركة الصهيونية لكى تتوحد هذه الجهود تحت راية واحدة.
 
والفكر الصهيوني ليس دينياً، بل هو سياسي بحت عن حتمية عودة اليهود الى وطن قومي لهم هو فلسطين، ويمكن لأي شخص مسلم او مسيحي او ملحد ان يصبح صهيونياً بمجرد ان يؤمن بهذا الفكر، ما يعني ان شرذمة المثقفين وانصاف المتعلمين في بلادنا الذين يظنون ان لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين هم في واقع الامر صهاينة فكراً وممارسة سواء علموا ذلك او أصبحوا صهاينة مجاناً.
 
لقد كانت فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فكرة خيالية لم يتوقع أحد تحقيقها، ليس لان تحويل الصراع المسيحي اليهودي الى صراع إسلامي يهودي كان صعباً على ضوء التسامح الذي حظي بها اليهود في كافة الدول الإسلامية منذ فجر الإسلام وحتى قيام حرب 1948 فحسب، ولكن لأنه لا يوجد حتى اليوم دليل علمي – أثرى وغير ذلك – ان يهود اليوم هم أحفاد بنى إسرائيل.
 
موسوعة "القبيلة الثالثة عشر" تأليف آرثر كيستل، كتاب "اليهود" لجمال حمدان، والباحث اليهودي الأمريكي الشهير Benjamin H. Freedman بنيامين فريدمان (1890 – 1984) الذى افني عمره في مناهضة الصهيونية وإسرائيل، بل وحتى الإسرائيليين خرج منهم شلومو ساند بكتاب "اختراع الشعب اليهودي" وكلهم اجمعوا بعد دراسات وابحاث وتنقيب انه يهود اليوم ليسوا احفاد القبائل الإسرائيلية ( بنى إسرائيل ) و ان تلك القبائل جرت ابادتها في القرون الاولي ، بينما كافة يهود اليوم هم أبناء امبراطورية الخزر في شرق أوروبا، و هم شعب وثني قرر التحول للدين اليهودي ثم انتشر في أوروبا والعالم ، يهود اليوم هم احفاد الخزر وليس احفاد إسرائيل، ولجمال حمدان جملة شهيرة "هم احفاد يهود متحولون و ليس يهود متجولون"، و يقول فريدمان "ان يهود اليوم ليسوا يهود بنى إسرائيل بل يهود قبائل تتارية هي الخزر".
 
والأخير رجل اعمال امريكي من أصول المانية يهودية، ناهض الحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل وايد الحقوق الفلسطينية، كان صهيونياً في بادئ الامر ولكن مع معرفته حقائق الأمور على ارض فلسطين والحرب العالمية الاولي أشهر مناهضته لهذا الفكر (وبالمناسبة على ضوء هذه المعلومة اتمني من مدعى الثقافة الاوباش في بلادنا الكف عن مصطلح أبناء العم فلا نحن المصريين أصلا عرب حتى يكون لنا أبناء عمومة إسرائيليين و لا يهود اليوم هم إسرائيليين حتى نعتبرهم أبناء عمومة الشعوب العربية في شبه الجزيرة العربية، وأبناء عمومة الخزر اليهود هم الخزر الذين رحلوا الى الاناضول اى الشعب التركي اليوم، اتراك الاناضول هم أبناء عمومة يهود إسرائيل والعالم اليوم).
 
وبالتالي فأنه يجب على أي باحث اليوم ان يفرق ما بين بنى إسرائيل واليهود في قراءة الكتب المقدسة أو كتب التاريخ، لأن هذا الترادف غير صحيح وهو مقصود من قبل المؤامرة حتى لا يلتف الوعي الإنساني لحقيقة المؤامرة الكبرى التي جرت بحق المشرق.
 
اما فكرة ان هذا الشعب كانت له مملكة حقيقية في فلسطين فهي فكرة ضجر منها الباحثون الأوروبيين أنفسهم رغم المليارات التي تدفعها الرأسمالية اليهودية سنوياً، فلا اثر واحد يدل على ذلك، و لا اثر واحد يدل على مملكة إسرائيلية في فلسطين، ومن المبهر انك تكتشف في نفس البقعة اثار لكافة الاحداث السياسية التي مرت بها فلسطين قبل و بعد هذا التواجد المزعوم دون ان تجد للمملكة الإسرائيلية المزعومة اثراً واحداً، المؤرخ العراقي فاضل الربيعي عاد لقراءة العهد القديم ( التوراة )، اما المؤرخ البريطاني رالف إليس فقد جاب الأراضي الفلسطينية عقدين من الزمن، وكلاهما خرج منفرداً بنظرية علمية واحدة .. من المستحيل ان تكون تلك الأرض قد احتضنت يوماً ما مملكة إسرائيلية او يهودية كبري، وأضاف الباحث البريطاني في دراسته انه اقصى ما يمكن ان يكون اليهود قد حصلوا عليه في فلسطين هو حكماً ذاتياً تحت الدولة المصرية في عصر الدولة الحديثة للحضارة المصرية القديمة.
 
إن العودة لقراءة أسفار التوراة توضح لنا الكثير من أكاذيب الحركة الصهيونية اليوم، فعلى سبيل المثال التوراة في سفر التكوين تذكر ان الكنعانيون – اجداد شعوب الشام اليوم – كانوا أصحاب الأرض في الشام يوم زارها إبراهيم جد يعقوب او إسرائيل في الرواية اليهودية، فلم يكن القبائل الإسرائيلية هم أصحاب الأرض منذ فجر التاريخ، وحتى يعقوب/إسرائيل لم يولد في فلسطين، بل تعرضت المنطقة لاحقاً لتوطين وتهجير لعدداً من القبائل والشعوب منهم القبائل الإسرائيلية، وفي اسفار التوراة يظهر الشعب الفلسطيني تحت مسمي الفلستينيون، فالشعب الفلسطيني امة وقومية مستقلة عن باقي أمم وقوميات الشام، و تمت تسمية جنوب الشام باسم هذا الشعب حتى اليوم.. فلسطين.
 
وبعيداً عن التوراة، فأن وجود الامة الفلسطينية قبل واثناء وجود القبائل الإسرائيلية مثبت عبر العديد من الدراسات والأبحاث التاريخية حول المنطقة بينما لا نجد اثراً حقيقياً لتطور التواجد الإسرائيلي في المنطقة بالشكل الذى سمح لهم بقيام مملكة إسرائيلية كبري، ثم راحت تلك القبائل الإسرائيلية تباد وتندثر تحت وطأة البطش الروماني سواء داخل ارض فلسطين او لاحقاً حينما تم نقل الباقة المتبقية منهم الى أوروبا وما تلاها من مذابح صليبية بحق اليهود بالتزامن مع الحملة الصليبية الاولي على المشرق.
 
ولكن هل باع أهل فلسطين أرضهم للاستيطان الصهيوني في القرن العشرين؟ ومدي كراهية اهل فلسطين في العصر الحديث لمصر؟ نلقاكم في المقال المقبل.                        

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق