الحاجة مديحة تفتح صناديق الماضى وتستدعى مظاهر احتفالات الزمن الجميل
الإثنين، 26 يونيو 2017 08:00 صهند محمود
منطقة هادئة فى إحدى بقاع المدينة تنتظر قدوم العيد لتتبدل ملامحها وترتدى ملابس العيد لتستقبل ضيوفها من الأطفال صناع البهجة والأراجوز الذي يحيي الليلة، وتظل تتزين طوال الليل حتى تضاء بالأنوار وتفوح منها رائحة السكر والبمب، لتحوذ على لقب جديد يدعى "العبارة" وهى الملاهى حاليا.
تلك هى احتفالات ليلة العيد فى سنوات السبعينات قبل أن يتبدل الزمن ويعيش أبناء ذلك الجيل حالة من الغربة مهما حاولو التأقلم مع تغيرات المجتمع وتطوره ستظل حقيبة الذكريات ترافقهم لتفتح فى الأعياد والمناسبات ويبدأون فى عرض ذكرياتهم على جيل ولد فى يده "أزارار إلكترونية"، هكذا يلقبونه.
وفى أيام العيد قررنا التحرر من أعباء عصر السرعة والخضوع لذاكرة سيدة فى أوئل الستينات من عمرها لنخوض معها رحلة تعود إلى عهد السبعينات، تخبرنا فيها عن مظاهر الاحتفالات بالعيد قبل انتشار التليفزيون والملاهى الكهربائية.
الحاجة مديحة أحمد، سيدة تشفق على جيل تتحكم فيه أزرار التكنولوجيا بداية من تلقى التهانى عبر جهاز أصم يحمل تعبيرات وجه بدلا من سماع الأصوات وهى تهنئ بقدوم العيد وحتى الجلوس لساعات أمام التلفاز يشاهدون مسرحيات وأفلام تتكرر كل عام.
تقول الحاجة مديحة " فى السبعينات كانت تحمل ليلة العيد تجهيزات الملاهى فى إحدى ضواحى المدينة، حيث يبدأ الرجال فى وضع الألعاب وتسمى تلك المنطقة بالعبارة، وتشمل على أنواع متعددة من الألعاب التى تعمل كلها يدويا".
وتابعت " تشمل العبارة على لعبة صندوق الدنيا، وهى عبارة عن رجل يحمل صندوق خشبى على ظهره وينادى وهو يتجول "أتفرج يا سلام على الدنيا يا سلام" وحينما يرغب طفل فى رؤية ما يحويه ذلك الصندوق من أسرار، يبدأ الرجل فى فتح الصندوق وجلوس الطفل على مقعد خشبى وتغطى رأسه بقماشة سوداء لتبدأ رحلته مع مجموعة من الصور التى تصنع قصة، وكان ثمن هذه اللعبة لا يتعدى قرش صاغ.
وفى ركن آخر يقف الآراجوز كمذيع يحيى ليلة العيد من داخل صندوقه يحكى عن مواقفه وتجاربه المضحكة بينما يصطف الأطفال أمامه يستمعون له طوال الليل وتظل ضحكاتهم تتعالى حتى ساعات الصباح الأولى دون طلب الأموال، ولا تخلو العبارة من المراجيح التى يتناوب عليها الأطفال طوال الليل.
وهناك لعبة لا يصعد عليها إلا الأطفال المقاربين على سن المراهقة، وهى صناديق الهواء، وتشبه صناديق يركبها الأطفال ويقف رجل يحركها بيده لتدور فتصعد فى الهواء وتعود للأرض مرة أخرى وهكذا حتى ينتهى الوقت، وكنت تستمتع بها مقابل قرش صاغ أيضا".
وتكمل الحاجة مديحة ذكرياتها مع احتفالات العيد التى حملت بعض من العنصرية من خلال لعبة "نشان البومب" فقد اقتصرت على الصبية وكان يصعب على الفتيات الاقتراب منها حتى لا تتشبه بالرجال، وكانت تلك اللعبة على عكس كل ما وضع فى العبارة، فهى لا تتطلب منك دفع المال غير أن الفائز يحصل على هدية.
وفى أثناء تجولك فى مدينة الملاهى اليدوية والآمنة وعلى أنغام ضحكات الأطفال وصوت ركوضهم خلف كل لعبة يمكنك منحهم استراحة مع الحنطور المزين، وهو عبارة عن عربة يسبقها حصان زين بالورود ويركبها الأطفال وتظل تدور بهم فى المنطقة مقابل 5 قروش.
وربما تخطفك رائحة السكر فى أقصى العبارة فتتبع أنفك الرائحة حتى تصل إلى بائع غزل البنات وقد أصطف الأطفال أمامه ينتظرون أن ينالوا نصيبهم، بينما يجلس بجواره بائع الترمس وخلفهم رجل يحمل بالونات الجلد التقليدية قبل ظهور الهيليوم.
وتشير الحاجة مديحة إلى أن الأسر كانت تسعد أطفالها فى العيد مقابل دفع 20 قرش بأدوات بدائية بسيطة لا تحمل خطورة أو رعب مثل ألعاب هذا الزمان التى تكلف الأسرة عبئ مادى بداية من تذكرة الدخول وحتى قيمة رسوم لكل لعبة، وهى ألعاب تتسم بالخطورة وتثير الرعب وتجعل الأدرنالين يسجل أعلى مستوياته فى الدم.