السيسى وترامب.. لقاء العقول الدافئة والفواتير الساخنة
الثلاثاء، 11 أبريل 2017 10:58 ص
انطلق يتعامل مع العالم كله، بعفويته الشخصية، مستمدًا من تجربته الرأسمالية الناجحة فى فنون الإدارة، ثقة بلا حدود.
تضاعفت هذه الثقة عشرات المرات بعد اكتساحه تابوهات، أو محرمات ومقدسات الإعلام الأمريكية، واجتاح البيت الأبيض- برؤية جديدة- تنهض على فكرة الفاتورة!
أى عملية سياسية أو عسكرية- أو أمنية- هى بيزنس، أى مصالح، واللفظ الأخير دأب كل قادة العالم على استخدامه تجنبا للفظ بيزنس المشبوه عادة، وخاصة فى منطقتنا العربية.
غير أن ما يفعله ترامب اليوم هو ما كان يفعله الزعماء سرًا حين تتحول زياراتهم المتبادلة إلى مفاوضات تجارية، يتاجرون فى السياسة بالسياسة لجنى أرباح واموال وفتح مصانع وأسواق. فكل حركة السياسة هدفها التجارة وجنى الأرباح.
فى هذا السياق يمكن النظر بوضوح إلى عقلية المفاوض التاجر والمقاول الشاطر التى استقبل بها دونالد ترامب أول رئيس مصرى، عبدالفتاح السيسى فى البيت الأبيض، منذ آخر زيارة للرئيس الأسبق حسنى مبارك.
الحق أن الحفاوة البالغة التى غمر بها ترامب ضيفه المصرى عكست مفارقات ومقارنات ومعلومات، أثارت حفيظة واستغراب عدد من الصحف ذات التوجهات المعادية لمصر، ومن باب أولى فهى خصيم لترامب ذاته مثل النيويورك تايمز.
من الواضح أنه جرى إعداد وتجهيز عميق عريض لهذه الزيارة الخطيرة فى نتائجها السياسية والعسكرية والاقتصادية، واستمر التجهيز شهرين تقريبا تبادل فيهما المسئولون الزيارات وبحث الملفات وحصر الطلبات ومناقشة المشكلات التى عطلت. وأطفأت حيوية علاقة استراتيجية دامت أربعين عامًا منذ رعت أمريكا اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى ووقعت عليه ضامنة له، فى عهد البطل الراحل أنور السادات وجيمى كارتر فى العام 1979 م، لم يكن لقاء الرئيسين الدافئ إلا اتصالًا واستمرارصا للحظة إؤعجاب بدأت فى الأمم المتحدة وقت أن كان ترامب مرشحًا منبوذًا، ولا يراهن عليه حتى حزبه الجمهورى، وجاءت رؤية السيسى صحيحة فاستقبله واستمع إليه وطال اللقاء بينهما فى إعجاب وجدانى وعقلى متبادل. ذلك ما يسميه السياسيون بتفاعل الكيمياء الشخصية.
والحق أن مجلة فورين بوليسى الأمريكية وصفت لقاء المودة والمصالح فى البيت الأبيض بين الرئيسين بلقاء العقول. نعم هو لقاء عقول ومصالح لكنه مغلف باستعداد عاطفى مبنى على احترام من ترامب القوى لشجاعة وقوة رجل قاد وطنه إلى ثورة الثلاثين من يونيو والتى وصفها ترامب بـ «العمل الرائع»، ولا يزال يقود وطنه وسط براكين ونيران فى الداخل والخارج، يتخطاها بأعجوبة ولا تغادر الابتسامة وجهه، ومن ناحيته فإن السيسى احترم فى ترامب استقامة موقفه وكراهيته للالتواء وقدرته على الانتصار رغم الهجمات الوحشية الساخرة ضده من الإعلام الأمريكى ورغم تسريبات مخابراته ضده، ورغم احتجاجات واستقالات المئات من كبار موظفى الخارجية الأمريكية.
فيم اتفق الرجلان؟
كلاهما مفتون بقوة بلاده. السيسى معجون بتراب مصر ويراها قوية ويريدها أقوى وأعظم، لكن القدرات أقل مما يطمحو، وترامب يؤلمه التراجع المخزى لبلاده فى جميع أرجاء العالم بسبب سياسات أوباما ومن قبله زارع الإرهاب الأول فى العالم جورج بوش الابن، وكلها سياسات أهدرت وبددت ستة تريليونات دولار فى عمليات أمنية وغزوات عسكرية ومخابراتية لتخريب وإسقاط الدول العربية وتفتيتها!
من اليوم، ستتوقف أجهزة الدولة العميقة فى أمريكا ذاتها عن العمل بوجهين، تجاه مصر واستقرار مصر، ومن اليوم ستبتلع قطر لسانها، وستمضغ تركيا حذاءها، وستلم بريطانيا ذيل الأسد العجوز بين وركيه الضامرين، وستبدأ مصر عهدًا جديدًا طويلا من الاستقرار.
ليس المهم فقط نتائج الزيارة من الناحية العسكرية، وهى مبشرة وقوية وستبلغ مستويات غير مسبوقة فى علاقات الدولتين، وليس المهم فقط نتائج الزيارة من ناحية مكافحة الإرهاب، وهى ستعطى مصر إمكانات تكنولوجية ومعلوماتية مميزة لدحر داعش على حدودها فى رفح وفى العمق الليبى. أقول ثالثا إنه ليس مهما فقط نتائج الزيارة من الناحية الاقتصادية، لأن التعاون والتبادل التجارى والاستثمارات والمنطقة التجارية الحرة، ستكون انعكاسًا لقوة ومتانة التعاون العسكرى والأمنى، أقول إن الأهم من هذا كله، أن الزيارة ذاتها كشفت عن صحة وسلامة الرؤية المصرية العقلانية تجاه مشكلات المنطقة من فلسطين إلى سوريا إلى ليبيا ومن العراق إلى اليمن والصومال. لم تأت صحة المواقف المصرية رغم الهجوم عليها من أشقاء غاليين، ورغم زعل أشقاء غاليين، من فراغ، بل هى ميراث التاريخ وخبرة السنين فى جينات الخارجية المصرية وجينات الدولة العميقة فى مصر، هذا بالضبط ما لمسه ترامب وقدره، وفى هذا السياق يمكن جدًا فهم مدلول تعبير صفقة القرن لقضية القرن، اى التوصل لاتفاق سلام تاريخى بين الفلسطينيين وإسرائيل، ثمنه مبادرة السلام العربية المطروحة فى مدريد ٢٠٠٢.
أى السلام مقابل الأرض، وهذا يفسر أيضًا لحاق العاهل الأردنى إلى واشنطن ولقاء الرئيس السيسى، وقد يلحق بهما أبومازن رئيس فلسطين فى الضفة الغربية، وتجرى العجلة نحو سلام واستقرار وكنس الغبار الخبيث لمؤامرات أوباما على دول المنطقة. أكثر ما يعجب ترامب فى السيسى وشعب مصر، فى ظنى وتحليلى، أن الشعب المصرى حطم مشروع أوباما فى دعم ونشر التطرف! يبقى أن تنزل كل الأحلام التى عاشها الطرفان المصرى والأمريكى إلى أرض الواقع، وهى أحلام لنا وكوابيس على أعدائنا فى قطر وفى تركيا. مصر العقل والسلام والاحترام تنتصر.