«صوت الأمة» تنجح في إعادة طفل مختفٍ إلى أهله بعد غياب شهر "فيديو"
الأربعاء، 22 مارس 2017 02:40 صكتبت - أمل غريب - عزوز الديب
في مؤسسة لرعاية الأيتام يعيش الطفل «عمر» وسط مجموعة من الأطفال أغلبهم من مجهولي النسب «لقطاء» وأيتام فقدوا آباءهم، وحُرموا من نعمة دفء الأسرة، ولم يكن يعلم يوما أن هروبه من منزل والده سيكلفه ثمنا باهظا، وأن حياة التشرد بين أطفال الشوارع ستغنيه عن حضن والده، ولم يدر بذهنه وهو يقرر الهرب من منزله، أن «الملجأ» سيعوضه عن دفء أسرته.
قبل هروب «عمر» من منزله، كان يعيش مع والده وجده في حي حلوان، وقصة «عمر... الابن الضال» قبل هروبه من منزله كما يرويها بلسانه لـ«صوت الأمة» فقال «كنت عايش مع أبويا، واتربيت في بيت جدي من وأنا عندي سنة ونص، وعمري ما شفت أمي من ساعة ما جابتني لأبويا علشان يربيني، لأن أبويا كان مطلقها، جابتني لأبويا ورمتني مسألتش عني ولا مرة، وكان نفسي قوي أشوفها وأترمي في حضنها زي باقي العيال صحابي اللي عندهم أم، لكن لا هي سألت عليا ولا أبويا قالي حاجة عليها، وابويا كان مدلعني بس كان بيدربني بالخرطوم».
الخوف من العقاب كان سبب الهروب
وأكمل عمر حديثه « كنت بروح المدرسة عادي، بس في يوم اتعرفت على عيال في الشارع كانوا بياخدوا مني الفلوس اللي معايا ويقولولي تعالي نروح نلعب في السايبر، والفلوس لما تخلص كنت بخاف أقول لأبويا، والشيطان خلاني آخد بضاعة من بتاعة شغل أبويا وأبيعها وأخد فلوسها علشان ألعب مع صحابي، وأبويا عرف وضربني بالخرطوم، وكررتها تاني وضربني تاني، وآخر مرة خفت منه لأني عارف أنه هيضربني بالخرطوم والعيال قالتلي اهرب لحسن يموتك».
«أبويا كان متجوز واحدة تانية وعندي إخوات منها، بس هي مش بتحبني وبتقول عليا شقي، وساعات كانت بتضربني، لكن أبويا كان بيعرف وبيزعقلها، وبعدين طلقها وسابت البيت، وكنت بشتغل مع أبويا ومرتاح، لكن ضرب الخرطوم كان بيوجعني قوي».
عيشة الملجأ عذاب
وبنبرة يملؤها الخوف أكمل «ركبت مع عيال وروحنا على محطة القطار في رمسيس، بس العيال شافت الظابط جريت وسابتني لوحدي والظابط ضربني، وفيه راجل كان واقف قال له خلاص سيبه أنا هخده معايا، وجابني هنا في الملجأ مع العيال بس أنا مكنتش مرتاح ومكنتش عايز أرجع البيت لأني خايف من أبويا»، ويكمل عمر بدموعه «الراجل اللي أخدني من الظابط وراني صور لملعب وحمام سباحة وقال لي تعالى نلعب هناك، ووافقت على كلامه بس لاقتني هنا في الملجأ ومفيش أكل عندنا».
رحلة البحث عن أهل «الابن الضال»
وأثناء تواجد محررة «صوت الأمة» في زيارة لمؤسسة «الحرية» لرعاية الأيتام، وهي تلعب مع أطفال المؤسسة، تعرفت على «عمر» ولفت نظرها أنه صامت ولا يتحدث معها مثل الأطفال، فعرضت عليه بعض الحلويات واللعب معها، رفض تناول الحلويات رغم أنه كان جائعا، فتحدثت معه لتتعرف على سبب وجوده بالدار، إلا أنها فوجئت به يروي قصة غريبة لم تصدقها، فسألته عن عنوان منزله فكذب عليها وأبلغها أنه من محافظة الشرقية ولا يعرف رقم تليفون أهله أو عنوان منزله، لكنه أخبرها أنه يجيد القراءة والكتابة وكان يذهب إلى المدرسة بانتظام، وعرضت عليه أن تبحث عن أهله إلا أنه رفض وقال لها «أنا مش عايز أروح البيت تاني»، وحاولت التعرف منه عن سبب وجوده في الشارع وإن كان قد تعرف عليه أحد ليعود إلى منزله، فأكد لها أنه لم يأت أحد ليسأل عنه، وبكى بشدة».
تتبعت محررة «صوت الأمة» صفحات الأطفال المفقودين، إلى أن وجدت صورة الطفل ورقم تليفون للتواصل، وعلى الفور اتصلت بالرقم الذي لم يرد من المرة الأولى، بعد أكثر من محاولة، إلا أنه أجاب في المرة الأخيرة، وعرفت منه أنه أبو الطفل عمر، واستفسرت منه عما إذا كان له طفل تائه، وبنبر أضناها البحث قال «أيوه ابني تايه مني وبدور عليه من شهر ومش عارف ألاقيه، أرجوكي لو تعرفي مكانه قوليلي أنا مش عارف أنام وجده عنده 82 سنة هيموت من الحزن على الولد»، أخبرته المحررة أنها تعرف مكان الولد وعلى استعداد لتوصيله به، بشرط ألا يعاقبه بالضرب، فقال لها «والله والله مش هضربه تاني أنا تعبت من البحث عنه، أنا مربيه وهو لحمة حمرا، بس كنت عايز أعمل منه راجل فكنت بعاقبه بالضرب لما يغلط، ومكنتش عارف أنه ممكن يبعد بعيد عني ويهرب من البيت بسبب خوفه مني».
المفاجأة
حددت محررة «صوت الأمة» موعدًا مع الأب في نفس اليوم، وسارع هو بالذهاب للميعاد بأقصى سرعة ممكنة له، وفي حجرة صغيرة يتجمع فيها أطفال المؤسسة، فوجئ عمر بوالده أمامه ووقف صامتا للحظات، وكانت تبدو عليه علامات المفاجأة والخوف والحنين في نفس الوقت، وبعد لحظات قليلة ارتمى عمر في حضن والده وانهارا من البكاء، وانحنى على يد والده يقبلها، ووعده بعدم الهروب من المنزل وقال له «مش ههرب تاني يا بابا الملجأ وحش قوي».