مطالب الشعب
الأحد، 24 أبريل 2016 04:08 م
ربما لايصح لأحد أن ينكر انجازات ملموسة للرئيس السيسى ، فقد نجح فى السيطرة على الوضع الأمنى بتكلفة اجتماعية فادحة ، وفى صياغة سياسة عربية وخارجية جديدة ، وفى استعادة ركائز للاستقلال الوطنى ، وتقليص التبعية الموروثة للأمريكيين ، وفى رد اعتبار الجيش المصرى ، الذى أصبح العاشر عالميا ، ومد حضوره بكامل هيئته ، داهسا مناطق نزع السلاح فى سيناء ، وصولا إلى الحدود المصرية ـ الفلسطينية التاريخية ، واستئناف المشروع النووى المصرى بعد توقف وتعطيل لأربعة عقود ، وإنشاء ورش عمل هائلة بإشراف وإدارة هيئات الجيش ، يعمل فيها قرابة المليونى مهندس وفنى وعامل مدنى ، وشق فيها قناة سويس جديدة فى وقت قياسى ، وعجل بتطوير بنية أساسية لمنطقة قناة السويس الاقتصادية الصناعية ، ومد شبكة طرق واسعة هى الأفضل من نوعها فى تاريخ مصر ، وأضاف محطات طاقة ومدن جديدة غاية فى التطور ، وأعطى دفعة كبرى لمشروعات تنمية غير مسبوقة فى سيناء ، ولمشروع استصلاح زراعى طموح يصل إلى مليون ونصف المليون فدان ، وجلب استثمارات متنوعة ، وعقد اتفاقا مع السعودية لبناء "الجسر البرى"، وهو أعظم انقلاب استراتيجى فى تاريخ المنطقة منذ نشأة كيان الاغتصاب الإسرائيلى عام 1948 .
ولسنا من الذين ينكرون ، ولا من الذين يهللون ، فنحن لاننكر إنجازا ملموسا مرئيا بالعين وباليد ، وقد اكتفينا بذكر العناوين ، وإن كانت إنجازات الأصول بطبعها من الاستثمارات الميتة ، والتى لاتظهر آثارها المنتجة إلا بعد سنوات ، وهو ما يفسر جانبا من الأزمة النفسية والعصبية البادية للرئيس ، فأعصابه مشدودة دائما ، ويكاد لايتوقف عن العمل ، ولايخلد إلى نوم ، لكنه لايجد اعترافا مكافئا مناسبا بما يفعله ، ولا يفتأ يعبر عن ضيقه من إنكار إنجازه ، ومن التعتيم عليه ، وقد يكون للرئيس بعض الحق والعذر فى شعوره ، لكنه لايلتفت بما فيه الكفاية إلى خلل جوهرى فى حكمه حتى الآن ، فهو رجل إنجاز بلا مراء ، لكن إنجاز الرئيس يبدو بلا انحياز للفقراء والطبقات الوسطى ، والأخيرون هم أغلبية الشعب المصرى ، ويشكلون ما يصل إلى تسعين بالمئة من المصريين ، ولا تبدو إنجازات السيسى بطبعها طويل الأمد ، ذات أثر إيجابى فورى مباشر فى حياتهم ، وأحوالهم المعيشية تزداد سوءا ، والرئيس يبدو بعيدا عن همومهم ، بل ومنحازا ضدهم كثيرا بإجراءاته الاقتصادية والاجتماعية القاسية ، وهو ما يهبط بشعبية السيسى ، ويعزله عن القطاع الأوسع من المصريين ، وهذه حالة لايبدو الرئيس مستعدا للاعتراف بها ، بل يحمل المسئولية للإعلام ، الذى ينشر الإحباط واليأس فى رأيه ، ولا جدال فى فوضى الإعلام المصرى وبؤسه ، لكنه يدار غالبا من أجهزة أمن ومليارديرات لايعاديهم الرئيس ، وقد سيطروا على البرلمان بعد الإعلام ، وعلى الجهاز الحكومى والإدارى فى غالبه ، وزادوا فى مأزق الرئيس وحيرته ، بل وزحف بعضهم إلى خانة مستشارى الرئيس ومقربيه ، وهو ما فاقم من أزمة الرئيس ، المهتم بإنجازات تجرى على طريقة المقاولات ، ودون صوغ سياسة ظاهرة مقنعة بدعوى الخوف من "أهل الشر" ، والأخير تعبير أخلاقى غامض ، يلجأ إليه الرئيس فى العادة ، ويترك تفسيره للأهواء ، مع أن الإرهاب ينحسر إلى نقطة لاتكاد ترى على خريطة مصر فى أقصى شمال شرق سيناء ، ومع أن الإرهاب ليس الخطر الأهم على بنية الدولة المصرية ، بل الفساد أخطر من الإرهاب ، والأخطر هو التخبط التائه فى السياسة ، أو ـ بالأحرى ـ غياب السياسة ، وهو الغياب الذى تتراكم بسببه المشكلات فوق المحن ، وتكاد تغلق الطريق على نهوض تستحقه مصر ، وعلى نجاح ممكن جدا للرئيس السيسى .
وحتى لاتتوه القضية فى انطباعات عمومية ، فقد نقترح على الرئيس دستة إجراءات عاجلة ، أو ربما دستة نصائح فى خمسة اتجاهات ، إن كان الرجل لا يجد حرجا فى قبول النصيحة على النحو التالى بيانه :
فقد نقترح على الرئيس ـ أولا ـ أن يراجع الموازين المختلة فى معادلة الأمن والحريات ، فلا جدال فى أهمية ضمان الأمن ، ولكن دون مبالغات وفظاظات تحطم حيوية البلد ، فليس بوسع الإرهاب أن ينتصر أبدا فى مصر ، وما من مبرر لتخويف المصريين بمصائر العراق وليبيا وسوريا واليمن والصومال وغيرها ، فمصر نسيج مختلف عظيم التجانس ، ولها شعبها وجيشها الحافظ الحارس بعناية الله ، لكن تغول قمع أجهزة الأمن الداخلية يدهس المصريين ، ونقص حرفيتها وكفاءتها يصنع المآسى والفضائح ، وأجهزة الأمن تحتاج إلى إصلاح جوهرى ، يتجاوز مجرد تغيير وجوه قادتها كما فعل الرئيس مرارا ، ويركز على إعادة هيكلتها بصورة شاملة ، وعلى نحو يكفل تطهيرها من العاجزين والفاسدين ، ويحل العلم والتكنولوجيا والتدريب الراقى والحساب الدقيق محل الممارسات العشوائية البائسة ، خاصة أن عددا لا بأس به من الأجهزة يتصرف بطريقة ثأرية وانتقامية ، ويسعى لنشر مظلة التخويف العام على نحو ما كان قبل الثورة الشعبية ، وهو ما خلق حالة خطرة من الاحتقان السياسى والاجتماعى لا لزوم لها ، وذهب بعشرات الألوف من المصريين إلى السجون السياسية ، وراكم مظالم مفزعة للضمير الإنسانى ، اعترف بها الرئيس نفسه مرارا ، ووعد بإخلاء سبيل المظلومين ، ولم يفعل سوى مرات قليلة عابرة ، لا تفى بالمطلوب الآن وليس غدا ، فالمطلوب ببساطة ، وبغير لف ولا دوران ، هو وضع خطر أحمر فاصل بين الإرهاب والسياسة ، وتعديل قانون التظاهر المطعون عليه أمام المحكمة الدستورية العليا ، والمبادرة بقرار رئاسى إلى إخلاء سبيل شامل لعشرات الآلاف من المحتجزين فى غير تهم العنف والإرهاب المباشر ، وإتخاذ إجراءات "جبر ضرر" شامل لأسر ضحايا الصراع السياسى فى سنوات ما بعد الثورة إلى الآن ، وبغير تمييز ولا استثناء سياسى ، فدم المصريين السلميين كله حرام ، مع التعجيل بإصدار قانون الإعلام الموحد ، ومنع الحبس فى قضايا النشر ، ووقف تدخل أجهزة الأمن و"المصادرات المكتومة" للصحف .
وقد نقترح على الرئيس ـ ثانيا ـ إجراء عملية تطهير شامل لجهاز الدولة ، وكنس الفساد بالجملة ، وليس الوعد بمحاربته بالقطعة ، فالفساد فى مصر ليس مجرد ظاهرة عامة ، ولا هو انحرافات متفرقة ، بل نظام حكم متسلط ، جوهره التحالف بين البيروقراطية الفاسدة ومليارديرات المال الحرام ، وقد اقترحنا على الرئيس ـ أول حكمه ـ أن يجرى ما أسميناه "مذبحة مماليك" ، وعلى طريقة ما فعل محمد على فى نهوض مصر الحديثة الأول ، وما فعل جمال عبد الناصر فى أزمة مارس 1954 ، ولم يفعل الرئيس ، وواصل تردده إلى الآن ، وهو ما فاقم من خطورة الوضع ، وجعل النظام متآمرا على الرئيس نفسه ، وأدى لسيطرة المماليك من أجهزة الأمن وجماعة البيزنس على المشهد فى غالبه ، وبصورة جعلت الرئيس فى وضع الأسير لمصالح مسيطرة ، أعجزته عن اتخاذ إجراءات ملموسة لتصفية الفساد ، والمبادرة إلى التصحيح ، ورد الأموال المنهوبة ، بل جعلت من الرئيس قفازا تحتمى به ، وتتقدم لاحتواء الأجهزة الرقابية ، وتحطيمها بعد تدجينها ، وعلى طريقة ما جرى ويجرى فى الجهاز المركزى للمحاسبات ، وفى العبث بقوانين الكسب غير المشروع ، وإجراء "مشالحات" يسمونها مصالحات ، وشل مبدأ المحاسبة ، والتلهى بتكوين لجان ينتهى عملها دائما إلى نتيجة صفرية ، فلم تسترد الدولة شيئا من قيمة الأراضى المنهوبة ، والتى وصلت بحساب الدفاتر الرسمية إلى تريليون جنيه مصرى فى المجتمعات العمرانية وعلى الطرق الصحراوية ، وبحساب النهب الشامل و"المصمصة" إلى تريليونات فوق طاقة الحصر والعد .
وقد نقترح على الرئيس ـ ثالثا ـ أن يلتفت إلى قيمة العدالة ، فالعدل أساس الملك الصالح ، وقد ضاعت قيمة العدالة بالكامل فى سنتى حكم الرئيس إلى الآن ، وزاد الفقراء فقرا ، وضاعف الأغنياء من تكدس ثرواتهم ، فى بلد يملك واحد بالمئة من سكانه نصف إجمالى الثروة الوطنية ، فيما لاتملك أغلبية التسعين بالمئة من المصريين سوى فتات ربع الثروة ، وقد نتفهم حالة الاقتصاد المعتل ، والعجز المخيف فى الموازنة العامة ، وعجز الدولة عن توسيع الإنفاق الحكومى ، وكل ذلك مفهوم ومقدر ، لكنه لايبرر أبدا غياب العدالة الاجتماعية بالمطلق ، ولا غياب العدالة فى تحمل وتوزيع الأعباء ، وتحميل الفقراء والطبقات الوسطى تكلفة عجز الدولة الناهبة المنهوبة ، واستسهال خفض دعم الطاقة وفاء لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين ، وجعل حياة غالبية المصريين جحيما فوق الجحيم الذى يعيشونه ، بينما يلجأ الرئيس إلى تدليل مليارديرات المال الحرام ، الذين خذلوه فى تجربة صندوق "تحيا مصر" ، ويحرقون الأرض من تحت أقدامه ، ويشعلون جنون الدولار ، ويهربون المليارات إلى الخارج ، ولايدفعون القليل المستحق عليهم من ضرائب ، بل يخضع لهم الرئيس فى قراراته ، ويلغى قرارات الضريبة الاجتماعية وضريبة أرباح البورصة ، ويخفض الحد الأقصى لشرئح ضريبة الدخل إلى 22.5 % لاغير ، بينما يصل الحد نفسه فى الدنيا الرأسمالية كلها إلى الضعف على الأقل ، فوق أنه بوسع الرئيس اتخاذ إجراءات عدالة لا تكلف الدولة مليما ، من نوع تعيين الشباب المتفوقين المستحقين فى وظائف القضاء التى حجبت عنهم ظلما ، وإنصاف ضحايا مذبحة القضاة الأخيرة .
وقد نقترح على الرئيس ـ رابعا ـ أن "يصبح على مصر بمصنع" ، وليس بملاعب جولف ولا بمارينا يخوت ومنتجعات وفنادق على طريقة مدينة "جبل الجلالة" التى يتفاخر بها ، فالتصنيع هو الحل فى مصر ، واقتصاد الانتاج وفرص العمل والتكنولوجيا هو المطلوب ، وتعبئة الموارد للتصنيع هو الأولوية المطلقة فى أى نهوض ، ونقطة البدء فى نسج روابط "العروة الوثقى" بين الصناعات العسكرية والمدنية ، وبناء مجمع صناعى جديد ، يربط مصانع الإنتاج الحربى و"الهيئة العربية للتصنيع" بمصانع القطاع العام المتوقفة ، وتوجيه طاقة ورش عمل الجيش والاكتتاب الشعبى العام إلى هذه الغاية قبل وفوق سواها .
وقد نقترح على الرئيس ـ خامسا ـ أن يطورسعيه لاكتساب الاستقلال الوطنى ، وأن يطلب تعديل معاهدة العار المعروفة باسم معاهدة السلام مع "إسرائيل" ، وهذه قصة طويلة قد نعود إليها فى مقام آخر .