رضا طاهر الفقي يكتب: الإبراشي حاضر رغم الرحيل.. رثاء قلب من الأرض إلي السماء
السبت، 26 أكتوبر 2024 10:00 ص
بعد شهرين تقريبا من الأن تحل ذكري رحيل وائل الإبراشي، واليوم عيد ميلاده وكأنه رحل أمس، مازالت نفوس محبيه مسكونه بأنفاسه، ومازال صدي صوته يتردد في كل الأماكن ولن يغيب ابدا.
ومازال موته تاركاً ندبه في الروح لاتزول، وفي القلب غصه لاتنقضي، في يوم وفاة والدته أصر أن يحمل النعش، ولم يسمح لأحد أن يعاونه في ذلك، رغم أن المسافة مابين المسجد والمقابر كانت كبيرة جداً، أشفقنا عليه جميعاً من ذلك إلا أنه، وبعد الدفن سرد لنا الحكاية. حكايات ذكريات مكان يسكن روحه، وهو مشيعا لنفسا أحبها بشغاف قلبه والدته.
قال كنت أمر في الطرقات اسمع همس ذكريات علي الجدران والطرقات، هنا لعبت، هنا حلمت، قال في شربين التي ولدت فيها، لم أبرحها إلا بعد الجامعة والإنتهاء من الخدمة العسكرية، وبعدها ركبت قطار الاحلام من شربين إلي القاهرة.
سافر من جذوره الي أرضا جديدة، في تلك المدينة العجفاء وزحمة البشر كان يتمتع بخاصية فطرية أصلية، تلقتط الحوداث والمشاهد وتسجلها بعين منتبهه، ونظرة ثاقبة، وملاحظة كاشفة، عاش لفكرته وحلمه، وتفاني في أداء رسالته، لم يتوقف عن صعب او صعوبة، كانت بداية عهدي به حينما أهدي لي أحدا من أبناء قريتي أرشيفاً كبيرا لمجلة رزواليوسف، كون بلدياتي كان يعمل بوابا لأحد العمارات الارستقراطيه بمدينة المنصورة، وفتحت المجله لم أتوقف كثيرا أمام أحدا من كتابها، الا أمام وائل الإبراشي في خبطاته الصحفية الجبارة، وتوقفت كثيراً أمام ملامحه، فوجدت له عينان نافذتان تخترقان الحياة في فهم وذكاء، بعد أن تاهت الصحافة في شارع الصحافة الحائر المحير، أكد في تجربتة الصحفية الفذة، استهلم فيها من الجديد وتعلم من القديم، ووازن بين الأثنين، لإنه أدرك أن الموزانة بينهما هي مفتاح النجاح، فالنجاح لا يتبع الأغلبية العمياء، ولا يعاند التغيير، هو يختار طريقه وعالمه بوعي، مستفيدا من كل ماهو مفيد، لم يكن أسير المألوف، ولم يكن ضحيه للتجديد الأعمي، كان يوازن بين الحكمة المتراكمة، والتطلع للمستقبل، وطبق الحكمه التي تقول "لا تكن أول من يجرب الجديد، ولا تكن أخر من ينبذ القديم"، هو أدرك أن الصحافه كرغيف العيش أو كفنحان القهوة الذي ينبه صاحبه كل صباح، وبعد ذلك عليه أن يختار. كانت الصحافة والإعلام عالمه الأثير، وشاغله الذي يستبد بكل مايملك.
شريط من الذكريات يمر أمامي عن أول لقاء قابلته في دفنة الاعلامي والصحفي النبيل "مجدي مهنا" في قرية سنتماي بالدقهلية، فكان مهنا رفيق دربه وصديقه الأثير إلي قلبه، فنظرت اليه لأول مرة، فوجدت وجهها صامتا وحزينا، وأعتقدت أن تلك سمات وجهه التي لا تتغير، ودرات رحا الأيام لألتقي به مرة ثانية وأجلس معه، لأكتشف أن وجهه عليه ألفه وأنس وانشراح، وتشع من نظرات عيناه الخجولة مودة إنسانية كلما أطمئن لجليسه.
كان الإبراشي نسيج وحده وكيان لايتكرر، يملك شفرة خاصة. الإبراشي كان يملك ملامح حزينة إلا أنه كان يرش في طريق كل من أقترب منه البسمات والأمل، ولد الإبراشي في ٢٦ أكتوبر ١٩٦٣ ورحل في ٩ يناير ٢٠٢٢، تركا وراءه تجربة ثرية من الإبداع والألاف من التلاميذ في مدرسته الفريدة، ما بين التاريخين عاش الإبراشي حياة حافلة بالإبداع والإنسانيه والتشابك مع قضايا الإنسان، ومتفاعلا معها، كان يبكي أحيانا علي حال بعضهم.
ونحن اليوم نحتفل بعيد ميلاده، تحت شعارنا الحاضر دائما رغم الغياب، غاب جسداً لكنه لن يموت فكره.. رحمه الله عليه.