زيارة تجميل لوجه قبيح في الكونغرس
الأحد، 28 يوليو 2024 02:33 م
عندما خطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل قاعة الكونغرس الأمريكي، استقبلوه بشكل حافل وتصفيق حار من بعض الأعضاء، لكن خلف هذا المشهد البراق، يكمن واقع مظلم ومعاناة إنسانية تتفاقم يومياً في غزة، تلك الأرض المحاصرة التي تعاني من القمع والدمار والجوع والقتل الممنهج للأبرياء.
ألقى نتنياهو خطاباً ملأه بالوعود والتهديدات، معلناً بجرأة أن إسرائيل ستنتصر في حربها ضد حماس، مشيراً إلى ما أسماه "صمود" المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، ولكن عندما تطرق إلى رؤيته لمستقبل فلسطين، خفت التصفيق وساد الصمت، لأنه لم يكن يحمل في جعبته سوى استمرار سياسة القمع والاحتلال وآلة الدمار التي جعلها دستورا في قانونه الخاص يحقق به طموحاته وليضمن البقاء على رأس السلطة.
إن كلمات نتنياهو لم تكن سوى تكرار لرواية قديمة، رواية لم تجلب سوى المزيد من الدمار والمعاناة، بينما كان يتحدث عن "غزة منزوعة السلاح" و"التطرف"، كانت قواته تواصل تدمير المنازل، وتجريف الأراضي الزراعية، وتحويل غزة إلى منطقة عازلة ضخمة تخدم أغراض الاحتلال العسكري، كل هذا في وقت تزداد فيه مأساة سكان غزة الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية وتعنت غاشم من الاحتلال في إدخال المساعدات.
زيارة نتنياهو للكونغرس كانت تهدف إلى تعزيز صورته الدولية واستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، ومع ذلك، فشلت زيارته في إخفاء الحقيقة المريرة، بأن حكومته تفتقر إلى أي خطة قابلة للتنفيذ لتحقيق السلام، بل بالعكس، تستمر في فرض سياسات تزيد من عزلة غزة ومعاناة سكانها، وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
من المؤسف أن إدارة بايدن لم تقدم هي الأخرى شيئاً جديداً لمعالجة المظالم التاريخية التي يعاني منها الفلسطينيون، فقد تحدثت عن خطط لوقف إطلاق النار وإعادة البناء، لكن الواقع على الأرض يظهر عكس ذلك تماماً، فإسرائيل تستمر في سياسة الاستيطان وتحصين مواقعها العسكرية وبناء قواعد جديدة، وكل ذلك تحت ذريعة "الأمن".
إن المأساة الحقيقية تكمن في أن أصوات سكان غزة، أولئك الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم ويعيشون تحت الحصار اليومي، لا تجد من يستمع إليها في القاعات الفخمة للكونغرس، في حين أن نتنياهو يتحدث عن الأمن والاستقرار، فإن سكان غزة يعيشون في حالة دائمة من الخوف والاضطراب، غير قادرين على الوصول إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
المجتمع الدولي الصامت، وخاصة الولايات المتحدة، عليه أن يدرك جيدا أن السلام الحقيقي لن يتحقق عبر التصفيق الحار أو الخطب الرنانة، فالسلام يتحقق عندما ينتهي الاحتلال ويجري الاعتراف بحقوق الفلسطينيين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 لمنحهم العيش بحرية وكرامة.. آن الأوان للعالم أن يقول كفى، ويعمل بجدية لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي تجري في غزة.
وفي الختام، خطاب نتنياهو في الكونغرس لم يكن سوى محاولة لتجميل وجه الاحتلال وإخفاء جرائمه بحق الإنسانية، ولكن العالم يجب أن يرى الحقيقة، ويعمل على تحقيق العدالة والسلام لجميع الشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود.