الدكتور جمال القليوبي يكتب: طاقة مصر من العجز إلى فائض للأجيال

السبت، 06 أبريل 2024 10:12 م
الدكتور جمال القليوبي يكتب: طاقة مصر من العجز إلى فائض للأجيال
الدكتور جمال القليوبي

طاقة مصر من العجز إلى فائض للأجيال والتحويل من دولة عاجزة عن توفير الوقود والكهرباء إلى تحقيق الاكتفاء والوفرة جعل التجربة المصرية محل تقدير واحترام وخبرة تطلبها القارة الافريقية 
 
 
 
لا يخلو أي من الاقتصاديات سواء الدول الغنية أو الفقيرة دون تخوف أو تحفز من النقص أو العجز في مصادر الطاقة لديها، ويبدو أن تصنيف الاقتصاديات الضعيفة في نواميس المؤسسات الائتمانية العالمية صنفت بتلك الدول التي ليس لديها مصادر طبيعية أو لديها القليل في أراضيها كي تستخدمها لإنتاج أنواع الوقود البترولي المختلفة والكهرباء، إذ تمثل الأخيرة عصب الحياة في كل الصناعات والزراعات والري والتطوير والاتساع العمراني واحتياجات السكان سواء مرافق عامه أو منزلية. 
 
وظلت دولة مصر منذ اكتشاف البترول بكميات اقتصادية في أراضيها وتبعها الغاز الطبيعي في بداية القرن المصدر الأساسي والضروري لإنتاج وتصنيع الكهرباء حتى انتهاء القرن العشرين، ووصلت تلك النسبة إلى 97% مع تواجد نسبة ضئيلة أقل من 3% من الطاقة الكهرومائية متمثلة في السد العالي.
 
ومع بداية 2006 قلت قدرات الدولة من البترول والغاز الطبيعي ولجأت مصر إلى الاستيراد لسلع وقود السولار والبنزين والمازوت لتحقيق احتياجات السوق، وقل الغاز لمحطات الكهرباء وبدأت عمليات الانقطاعات فيها نظرا لاستبدال وقود الغاز بالمازوت، إذ أن جزء كبير من التوربينات الحديثة تعتمد على الغاز الطبيعي أساسيا، ولذا نتج عنه الكثير من الأعطال ولم تكن لدي الحكومة وقتها الحلول الجذرية غير بعض الحلول السريعة التي تقلل من عدم الرضاء العام، إذ أن المشكلة وقتها لم تكن فقط في نقص الوقود بل هي أبعد من ذلك وهو لابد من زيادة إنتاج الكهرباء سنويا بمقدار 3000 ميجاوات، تماشيا مع احتياج الدولة من استهلاك السكان والاستثمارات والتوسعات، وبالإضافة إلى المضلعات الأساسية في إنتاج الكهرباء من تهاكل المحطات وتقادم شبكة النقل الرئيسية وزيادة الأعطال في كثير من شبكات التوزيع والمحولات وزيادة نسبة فاقد الكهرباء، التي وصلت في عام 2010 إلى 9% من معدل الإنتاج في الشبكة.
 
ثم تأتي ثورة يناير 2011 وتبدأ المعاناة الحقيقة الأشد على مصر من تدمير جزئي في الشبكة نتيجة الأعمال التخريبية لأبراج الضغط العالي، وتوقف استكمال محطات تحت الانشاء ونقص حاد في إمدادات الغاز والمازوت للمحطات بسبب توقف كثير من آبار البترول والغاز عن الإنتاج نتيجة توقف ضخ الشركاء الأجانب لأموال الصيانة وخروجهم من البلاد، وأدى ذلك إلى نقص إمدادات الكهرباء في الشبكة إلى 6800 ميجاوات، ووصلت انقطاعات الكهرباء في 2012 و2013 إلى أكثر من 6-8 ساعات يوميا. 
 
ومع استمرار المعاناة توقفت حياة المصريين في المصانع والمستشفيات، وخيم الظلام الذي يعني عدم الأمان وأيضا عدم الاستقرار في كل ربوع الوطن مصر، ولولا أن القدر حمى مصر وأمنها على يد أحد أبنائها المخلصين الذي أدار دفة الاستقرار وعودة الأمن، فحينما تولى الزعيم المصري السيسي المسئولية، كانت البلاد في أزمتها الاقتصادية الطاحنة وكان ملف أزمة الكهرباء ونقص سلع الوقود من الأزمات المضلعة، وكان لابد لصانع القرار من إيجاد توجه سريع ومستقبلي لإدارة الأزمة.
 
وارتكز الرئيس السيسي علي آليات في الحل الجذري لأزمة الوقود والكهرباء، أولها حل على المدي القريب إذ بدأت تعاقدات طويلة الأجل للوقود (مازوت-سولار-بنزين) مع شركة أرامكو السعودية لمدة 8 سنوات، والتعاقد مع غاز بروم الروسية لاستيراد الغاز المسال لمدة 5 سنوات، وكانت تلك الخطوة بمثابة الحل السريع لضخ الغاز لمحطات الكهرباء وتوفير الوقود في الشارع، ما أعطى أريحية لتطبيق خطة تتماشي بين الكهرباء والبترول، فعلي صعيد وزارة البترول تم دفع مستحقات مديونية الشركاء الأجانب المقدرة بنحو 7 مليار دولار وتبعها في 8 سنوات ضخ استثمارات اجنبية في عمليات البحث والتنمية والإنتاج وصلت لحوالي 34 مليار دولار، شملت 120 اتفاقية بترولية وكذلك مشروعات صيانه وانشاء خطوط للبترول والغاز بمقدار 1.6 مليار دولار، وصيانة وإنشاء 8 مواني بترولية بحجم استثمار 1.1 مليار دولار وأيضا 8 مشروعات في صناعة التكرير لتصنيع الوقود بحجم 5.3 مليار دولار لرفع القدرة التكريرية للمعامل من 12 إلى 17 مليون طن، وقل حجم استيراد الوقود من 8 إلى 6 ملايين طن، وتم تنفيذ 3 معامل للبتروكيماويات والوصول بالاكتفاء من إنتاج الغاز الطبيعي وبداية تصدير الغاز المسال ابتداء من نهاية 2021، وتوصيل الغاز الطبيعي إلى أكثر من 14 مليون وحدة سكنية.
 
وما حدث في قطاع البترول سار معه بالتوازي إدارة ازمة الكهرباء التي تعتمد مباشرة على المتاح من توفير قطاع البترول لسلع المازوت والغاز الطبيعي، حيث اعطي الرئيس السيسي أهمية عظمي لتغير البنية التحتية في الكهرباء من إنتاج ونقل وتوزيع، وكانت الخطة على أربع مراحل بحجم استثمارات وصلت إلى 1.8 ترليون جنيه، الأولى تنفيذ خطة عاجلة لدخول 2636 ميجاوات، والثانية استكمال بقية المحطات التي كانت تحت الإنشاء لتنتج 4250 ميجاوات، والثالثة رفع كفاءة المحطات الحالية وزيادة إنتاجها بمعدل 1840 ميجاوات فوق ما تنتجه، أما المرحلة الرابعة وهو انشاء ثلاث محطات جديدة من المحطات العملاقة لتنتج 14400 ميجاوات.
 
وجاءت المرحلة الخامسة وهو الاعتماد علي مزيج الطاقة والذي سعت إليه كل الاقتصاديات الصناعية العملاقة والذي استهدف إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح بمعدل 4200 ميجاوات، من خلال إنشاء مزارع الشمسية والرياح وأيضا إنشاء أول محطة نووية مصرية تتكون من أربع وحدات بحجم إنتاج مستقبلي 4800 ميجاوات ابتداء من 2027.
 
واعتمدت خطة الدولة على رفع كفاءة الشبكة القديمة لتقليل فاقد الكهرباء ليصل إلى 3% وإنشاء شبكة نقل جديدة عالية الجهد إلى 500 كيلو فولت والتي تصل أطوالها إلى 2000 كيلومتر، وتدعيم كلا الشبكتين بمحولات للدمج الكهربائي لتشمل المزيج المستقبلي من للمحطات الحرارية والغازية والمتجددة والنووية والكهرومائية.
 
ما حدث من تطوير والتحويل من دولة عاجزة عن توفير الوقود والكهرباء إلى دولة لديها اكتفاء في الغاز ووفرة في الكهرباء لتتماشى مع تحديات الاقتصاد المصري وتفي بمتطلبات الأجيال القادمة، كان له عظيم الأثر من تلك التجربة المصرية التي يراها العالم كله أنها محل تقدير واحترام، وخبرة تطلبها القارة الافريقية من دولة مصر كي تنقلها إلى تلك الدول التي تعاني من عجز الطاقة لديها.
 
* الدكتور جمال القليوبي هو أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعه الأمريكية وعضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق