فلسطين فى صدارة المشهد الدولى

السبت، 18 نوفمبر 2023 02:35 م
فلسطين فى صدارة المشهد الدولى
يوسف أيوب


قمة القاهرة للسلام وتحركات الرئيس السيسى كانت سببا رئيسيا في تغيير المواقف الدولية من الداعمة للاحتلال إلى الرافضة للهجمية الإسرائيلية
 
 
إذا كانت أحداث 7 أكتوبر 2023 سبباً رئيسيا في هدم نظرية الردع الإسرائيلية، فإنها أيضاً استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وتكون محور حديث كل الأسر العربية بل والمجتمع الدولى، بعدما أعادت المشاهد الإجرامية التي يرتكبها كل ساعة جيش الاحتلال بحق الإبراء والمدنيين في قطاع غزة، إلى الإنسانية ضميرها مرة أخرى، بعدما ظن البعض أنها لم تعد موجودة.
 
للحق فإن القضية الفلسطينية لم تغب يوماً عن العقل العربى، لكن مكانتها كانت تتراوح صعوداً وهبوطاً وفقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية وتأثيراتها الداخلية.
وجاءت الأحداث الجارية كاشفة لأشياء كثيرة، في إشارة إلى أن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاهلها أو تهميشها وستظل قضية العرب الأولى، كما أنها في الوقت نفسه كاشفة للمواقف المخزية للعديد من الحكومات الغربية على خلفية رفضها إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وقبولها للعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
 
لكن للحق أيضاً، فإن هذه القضية لم تغب للحظة عن ذهن وتفكير القيادة المصرية، التي حينما قالت أنها "قضية القضايا" فكانت تعبر عن عقيدة مصرية راسخة، أنه مهما انشغلت الدولة المصرية، فإنها ابداً لن تنشغل عن فلسطين وقضيتها الموجودة في الوجدان والعقيدة المصرية.
 
لذلك لم يكن مستغرباً أن تهب الدولة المصرية هذه الهبة القوية لنصرة أشقائنا في غزة، منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم، واضعة المصلحة الفلسطينية أولوية في كافة تحركاتها، داعية منذ اللحظة الأولى إلى الوقف الفوري لكافة الممارسات التي تهدف إلى التهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم، والرفض التام لسياسة العقاب الجماعي لأهالي القطاع باعتبارها غير مقبولة ولا يمكن تبريرها بالدفاع عن النفس، واستطاع الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن بمواقفه وأفعاله وتصريحاته القوية أن يكون خير سند للأشقاء الفلسطينيين، كما أستطاع من خلال قمة القاهرة للسلام أن يبعث برسائل مهمة، للإحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه بأنه لا مفر من الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة ونسيان كل الأفكار والمخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وانه ما من حل سوى حل الدولتين، وبدونه فإن دائرة العنف ستمتد، ولن يعرف أحد إلى أين ستصل.
 
والسبت الماضى، كانت مشاركة الرئيس السيسى، في القمة العربية الإسلامية بالرياض، حاسمة، خاصة بعدما طرح ما يمكن تسميتها بخارطة طريقة ضرورية، لإنهاء الوضع المتأزم في القطاع، يكون محورها الأساسى أن يتحمل المجتمع الدولي، لاسيما مجلس الأمن، مسئولية مباشرة للعمل الجاد والحازم لتحقيق العناصر المصرية الست وهى:
 
أولا: الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة بلا قيد أو شرط.
ثانيا: وقف كافة الممارسات التي تستهدف التهجير القسري للفلسطينيين إلى أي مكان داخل أو خارج أرضهم.
ثالثا: اضطلاع المجتمع الدولي بمسئوليته لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني.
رابعا: ضمان النفاذ الآمن والسريع، والمستدام، للمساعدات الإنسانية، وتحمل إسرائيل مسئوليتها الدولية باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.
خامسا: التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها "القدس الشرقية".
سادسا: إجراء تحقيق دولي في كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولي.
 
العناصر الست، هي الكفيلة بالحل، وأيضاً أن تستعيد الشعوب ثقتها المفقودة في المجتمع الدولى وكافة الأطر الدولية والإقليمية المسئولة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، خاصة أنه كما قال الرئيس السيسى أمام القمة: يمر الوقت ثقيلا على فلسطين وأهلها، ويمر علينا، وعلى جميع الشعوب ذات الضمائر الحرة، مؤلما وحزينا يكشف سوءات المعايير المزدوجة واختلال المنطق السليم وتهافت الادعاءات الإنسانية التي - مع الأسف - تسقط سقوطا مدويا في هذا الامتحان الكاشف".
 
العناصر الست هي كفيلة بعودة الحياة مرة أخرى إلى قطاع غزة، لكنها بداية لحل طال انتظاره، لانه اذا ما استبان للجميع الرغبة الدولية ومعها القدرة الإسرائيلية على الدخول في عملية سلمية تفاوضية، فهنا نكون أمام خطوة أكثر جدية، وهى البدء في المسار التفاوضى، وصولاً إلى تحقيق ما جاءت به اتفاقية أوسلو 1993، والتي نصت على حل الدولتين، أخذاً في الاعتبار أن الفلسطينيين ومن خلفهم العرب يدهم ممدودة دوماً للسلام، لكن الطرف الأخر يمتلك من الأعذار الواهية ما تجعل العملية السلمية وكأنها سراب.
 
لذلك أجد من المنطقى أن يستعيد المجتمع الدولى ما قاله الرئيس السيسى أمام القمة العربية الإسلامية ويعى جيداً كل كلمة بها، لأنها تعبر عن حالة عربية وإقليمية واضحة، فقد وجه الرئيس حديثه إلى القوى الدولية الفاعلة وإلى المجتمع الدولي بأسره قائلا: "إن مصر والعرب سعوا في مسار السلام لعقود وسنوات وقدموا المبادرات الشجاعة للسلام، والآن تأتي مسئوليتكم الكبرى في الضغط الفعال؛ لوقف نزيف الدماء الفلسطينية فورا، ثم معالجة جذور الصراع، وإعطاء الحق لأصحابه كسبيل وحيد، لتحقيق الأمن لجميع شعوب المنطقة التي آن لها أن تحيا في سلام وأمان دون خوف أو ترويع ودون أطفال تقتل أو تيتم ودون أجيال جديدة تولـد، فلا تجـد حولها إلا الكراهيـة والعـداء، فليتحد العالم كله، حكومات وشعوبا، لإنفاذ الحل العادل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال بما يليق بإنسانيتنا ويتسق مع ما ننادى به، من قيم العدل والحرية واحترام الحقوق جميع الحقوق وليس بعضها".
 
هذه هي رؤية مصرية واضحة للحل والسلام التي تم الإعلان عنها بشكل واضح على لسان الرئيس السيسى، الذى لم يألو جهداً في تقديم يد العون والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين، وهنا يجب الإشارة إلى "قمة القاهرة للسلام" التي دعا إليها الرئيس السيسى في 21 أكتوبر الماضى، فقد كانت القمة بوصلة مهمة لكل ما تلاها من اجتماعات دولية وإقليمية، وكانت ايضاً نقطة تحول مهمة في العديد من المواقف الدولية التي كانت تتعامل مع الوضع في غزة من حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلى رفض العدوان الإسرائيلي الهجمى، والرغبة في انهاء الحرب والعودة إلى مسار التسوية السياسية.
 
وكانت لكلمة الرئيس السيسى في هذه القمة دوراً بارزاً في هذه التغيرات، خاصة حينما اكد على "أن العالم لا يجب أن يقبل، استخدام الضغط الإنساني، للإجبار على التهجير، وقد أكدت مصر، وتجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، إذ أن ذلك، ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاءً لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهداراً لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، على مدار ٧٥ عاماً، هي عمر القضية الفلسطينية"، وأشارته إيضاً إلى خطأ الذى سيقع فيه الجميع أذا ظنوا أن الشعب الفلسطيني الأبي الصامد، راغب في مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض، تحت الاحتلال، أو القصف.
 
كما كان للبيان الذى أصدرته رئاسة الجمهورية في اعقاب القمة، دوراً محورياً، خاصة في تأكيده أن المشهد الدولى عبر العقود الماضية كشف عن قصور جسيم فى إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، لكونه سعى لإدارة الصراع، وليس إنهائه بشكل دائم، اكتفى بطرح حلول مؤقتة ومُسكنات لا ترقى لأدنى تطلعات شعب عانى على مر أكثر من ثمانين عاماً من الاحتلال الأجنبي ومحاولات طمس الهوية وفقدان الأمل، وقوله أيضاً "كما كشفت الحرب الجارية عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، فبينما نري هرولة وتنافس علي سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد تردداً غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر".
 
وقد دعا بيان الرئاسة المصرية إلى ضرورة وجود استجابة المجتمع الدولى علي قدر فداحة الحدث، وقاله "حق الإنسان الفلسطينى ليس مستثناً ممن شملتهم قواعد القانون الدولى الإنسانى أو الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. والشعب الفلسطينى لابد أن يتمتع بكافة الحقوق التي تتمتع بها باقى الشعوب، بدءاً بالحق الأسمى، وهو الحق فى الحياة، وحقه فى أن يجد المسكن الآمن والرعاية الصحية اللائقة والتعليم لأبنائه…. وأن تكون له قبل كل شيء دولة تُجسد هويته ويفخر بالانتماء لها".
 
وللحق فإن كلمة الرئيس السيسى وبيان رئاسة الجمهورية كانا سببا رئيسيا في تغيير العديد من المواقف الدولية التي بدأت تنظر للوضع في قطاع غزة بعين الحقيقة، بدلاً من الارتكان إلى الدعم المطلق للاحتلال الإسرائيلي، فرأينا وتابعنا تبدلاً واضحا في المواقف الامريكية وأيضا الاوربية، وظهور تعاطف شعبى دولى مع الحقوق الفلسطينية ورفض سياسة الاحتلال الهمجية، ويمكن القول ان كل هذه التحركات كانت سببا رئيسياً في أن تعود القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى مركز الصدارة دوليا وإقليميا.
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق