يوسف أيوب يكتب: تنظيم الإنجاب ليست بدعة مصرية

السبت، 07 أغسطس 2021 06:37 م
يوسف أيوب يكتب: تنظيم الإنجاب ليست بدعة مصرية

التجربة الصينية ملهمة للدول التي تبحث عن تقدم ونمو اقتصادى لا تلتهمه الزيادة السكانية

استمرار النمو السكانى يؤثر سلبيا على المستوى المعيشي للأسرة ويزيد البطالة ويضغط على موارد الدولة ويؤدى إلى تآكل الرقعة الزراعية

كل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تؤكد أن الصين أصبحت القوى الاقتصادية العملاقة عالمياً، تخطت حتى في كثير من التصنيفات القدرات الاقتصادية للولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي، ويظهر ذلك لنا من خلال الانتشار القوى للشركات الصينية في كل دول العالم، والسيطرة شبه التامة للمنتجات الصينية في كل الأسواق.

بالتأكيد هذا الأمر لم يتحقق للصين بين يوم وليلة، أو من خلال قرارات فجائية، وإنما تم نتيجة سياسة واستراتيجية متزنة تسير عليها الدولة منذ الخمسينات وبدأ تؤتى ثمارها اليوم.

وللصين تجربة تستحق أن نتوقف أمامها طويلاً علنا نستفيد منها، خاصة ونحن نتحدث عن رغبة بل وعمل حقيقى يجرى على الأرض لتحقيق نمو اقتصادى مصري يتناسب مع أولاً تطلعات المصريين، وثانيا مع قدرات وإمكانيات الدولة المصرية.

كلنا نعلم أن الصين هي الأكبر عدداً في السكان، فيصل تعدادها قرابة المليار و300 مليون نسمة، وهو رقم ضخم، مقارنة بدول أخرى، وللحقيقة لولا الاستراتيجية التي تبنتها الصين منذ سنوات للسيطرة على النمو السكانى لوصل هذا الرقم إلى رقم مهول ربما اقترب من عتبة الـ3 مليار نسمة، وما كنا رأينا الصين بالشكل الذى عليه اليوم.

أذن ماذا حدث في الصين حتى تحقق المعادلة الكبرى، السيطرة على النمو السكانى المتزايد، وأيضاً تحقيق انطلاقة اقتصادية تجعلها المسيطر الأول على اقتصاد العالم؟.

الإجابة تكمن في قراءة متعمقة لتجربة الصين، التي عانت لسنوات من أزمة السكان، الذى كان في وقت ما وتحديداً قبل الخمسينات "عزوة" في مواجهة الأطماع التي كانت تستهدف الصين من جيرانها، لكن الوقائع على الأرض أثبتت للصينين أنفسهم أن هذه "العزوة السكانية" لم تحد من الأطماع الخارجية، ولم تتصدى لها، طالما أن النتيجة وقوع الصين تحت الاحتلال الياباني، وفى نفس الوقت انتشار الفقر، وغيرها من الآفات التي كان يعانى منها المجتمع الصينى داخلياً.

لذلك كان القرار في بداية الخمسينات هو التحول من دولة منتجة للسكان إلى منتجة اقتصادياً، من خلال التغلب على المشكلة التي كانت تؤرقها، وهى الزيادة السكانية، بعدما توصلت القيادة الصينية إلى النتيجة المنطقية، بأن الزيادة السكانية أصبحت مشكلة أمام أى محاولة للتقدم الاقتصادى والاجتماعى، لذلك لم يكن امامهم من حل سوى التدخل بقوة لمواجهة هذه المشكلة، اذا كانوا بالفعل يريدون مواصلة التقدم الاقتصادى، والا يقف امامه أي عائق.

كانت البداية باعتراف الصين بأصل المشكلة، وتشخيص دقيق لمسبباتها وآليات التغلب عليها، وبعدها وضعت الحكومة الصينية، تحديداً بعد 1953، خطة للسيطرة على تحدى النمو السكانى المتزايد، فوفقاً للكثير من الدراسات والتقارير التي نشرت عن التجربة الصينية في مواجهة المشكلة السكانية، فكانت البداية هي الدعوة إلى تحديد النسل، ووصل الأمر فى عام 1956 إلى أن وقف الاتحاد الديمقراطى للنساء الصينيات مسانداً لهذه الخطة، بعدما أعلنتها الحكومة الصينية صراحة للجميع أن "الاستمرار فى إنجاب الأطفال بدون حساب أصبح أمراً غير مقبول"، وفى نفس العام، أعلن رئيس وزراء الصين: "إننا نؤيد تنظيم عملية التكاثر حماية لصحة الأطفال والنساء من أجل تربية وتثقيف الجيل الصاعد ورفاهية أمتنا".

وتؤكد الدراسات أن الصين طورت السياسات السكانية عبر أربعة حملات، الأولى بين عامى 1956 – 1958، والثانية بين عامى 1962 -1966، والثالثة عام 1971 تحت شعار" أجل – طول - قلل"، بمعنى تأجيل الزواج ليكون فى أواخر العشرينات، وإطالة الفترة بين إنجاب الأطفال، وإنجاب عدد قليل من الأطفال فى حدود طفلين للأسرة، في حين كانت الحملة الرابعة هى نقطة التحول فى تعداد سكان الصين، تحت شعار "أسرة الطفل الواحد"، ثم أصدرت قانون السكان وتنظيم الأسرة فى عام 2001، ولجأت إلى تطبيق حوافز إيجابية وأخرى سلبية لتفعيل القانون وضمان تأثيره، وتبنت الصين سياسة الطفل الواحد لكل أسرة فى المدن والسماح بالطفل الثانى بعد سنوات قليلة من الطفل الأول فى المناطق الريفية، بالإضافة إلى إقرار الإجهاض كوسيلة من وسائل تنظيم الأسرة، وأخذها بالحوافز السلبية بالإضافة إلى الحوافز الإيجابية لضمان تحقيق هذه السياسة.

وبعدما استطاعت الصين التصدي للمشكلة، وبالتالي الانطلاق نحو تحقيق النمو الاقتصادى المأمول، بدأت الصين في مراجعة سياساتها الإنجابية بالموافقة مؤخراً على قانون يوافق للاسر على المولود الثانى، بشروط وآليات محددة.

هذا ما حدث في الصين.. فما الحال لدينا في مصر؟

في يوليو الماضى أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء زيادة عدد سكان مصر إلى 101.5 مليون نسمة فى 1 يناير الماضى، بزيادة قدرها 7.1 مليون نسمة عن بيانات آخر تعداد، وبلغت نسبة النوع 106.1 ذكر لكل 100 أنثى، موضحاً أن محافظة القاهرة هى كبرى محافظات الجمهورية من حيث عدد السكان، وبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، تليها محافظة الجيزة بـ9.2 مليون نسمة، وذلك فى 1 يناير من العام الجارى.

وأشار الجهاز إلى أن الفئة العمرية (أقل من 15 سنة) تشكل نحو ثلث السكان بنسبة 34.2% ونسبة الفئة العمرية (15ـ 64 سنة) 61.9%، بينما قُدرت نسبة السكان كبار السن (65 سنة فأكثر) 3.9% فقط فى بداية عام 2021، وبلغت نسبة سكان الحضر 42.9%، بينما بلغت نسبة سكان الريف 57.1% فى بداية عام 2021، فيما بلغ معدل الإعالة العمرية لإجمالى الجمهورية 61.6% فى يناير2021.

هذه الأرقام التي اعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تعد صادمة لكثيرين، اولهم الخبراء الاقتصاديين الذين يضعون دوماً امام اعينهم المقارنة بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى، فاذا زادت نسبة النمو السكانى عن مثيلتها الاقتصادية او اقتربت منها فلن يشعر أي مواطن بالنمو الاقتصادى، لأنه كما يقولون باللغة الدارجة "النمو السكانى سيأكل النمو الاقتصادى"، ووفقاً لهذه القاعدة، فإن ما تخطط له الدولة وتعمل عليه فعلياً هو الوصول إلى نمو اقتصادى يتخطى عتبة اـ6% لن يكون مجدياً طالما أن النمو السكانى يتزايد بنسب تتخطى الـ3%، وهو ما يتطلب مزيد من الإجراءات وربما القرارات التي تحقق لنا المعادلة الصعبة، السيطرة على غول النمو السكانى، وزيادة النمو الاقتصادى، خاصة أن مراكز الأبحاث والخبراء يؤكدون أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد، وهو ما يعنى أن نسبة نمو سكاني بين 2,5 إلى 3% سنويا في مصر تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادي من 7,5 إلى 9% سنويا للسيطرة على الوضع، وهى نسبة مرتفعة جداً، لا تستطيع اى دولة في العالم الوصول إليها، اخذا في الاعتبار الازمات العالمية المتلاحقة واخرها جائحة كورونا، التي تسببت في تراجع الأداء الاقتصادى العالمى.

اذا تحدثنا بالتفصيل على الوضع المصرى، سنجد أن الزيادة السكانية لها تأثيرات سلبية على قطاعات مختلفة، منها على سبيل المثال قطاع الكهرباء، وانخفاض المستوى المعيشي للأسرة، و انتشار البطالة، والضغط على موارد الدولة للإنفاق على التعليم والصحة والمواصلات العامة، فضلاً عن زيادة الزحف العمراني وتآكل الرقعة الزراعية، وتأثر نصيب الفرد من المياه.

كل هذه الأمور تستدعى منا القلق، والانتباه أيضاً حتى لا نفاجئ بالغول السكانى يلتهم كل شيء حولنا.

الرئيس السيسى: من مصلحتنا تنظيم موضوع الإنجاب علشان نعيش حياة كريمة

الثلاثاء الماضى وخلال افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي، المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فوودز" بمدينة السادات محافظة المنوفية، أعاد الرئيس السيسى الإشارة إلى هذه المشكلة، بتشديده على أهمية قضية الزيادة السكانية وتنظيم الإنجاب في مصر، وقال "تنظيم الإنجاب فى مصر بيسَمع فى موضوعات كييرة وتحدى فى موضوعات كثيرة أيضا، والتعدى على الأراضى الزراعية عبارة عن نمو سكانى وبالتالى زيادة الطلب على السكن، وتساءل: "يا ترى محتاجين نستمر بالنمو السكاني بالطريقة دي؟".

وأكمل الرئيس حديثه بقوله: "قضية النمو السكاني في منتهى الخطورة، لما نيجي من 2011 إلى اليوم ما يقرب من 20 مليون زيادة، طيب يا ترى الأسعار بتبقا غالية ليه لأن حجم الطلب بيزيد.. وبالطريقة اللى احنا ماشيين فيها في النمو السكاني كل الجهد اللى بنعمله.. إحنا مش بنمن على أهلنا وده دورنا ولو مش قادرين نمشى".

وخلال حديثه تناول الرئيس السيسى لبعض المؤثرات السلبية لقضية الزيادة السكانية، وأكد إن إحصائيات الكشف عن السمنة والأنيميا والتقزم تشير إلى إصابة ما يقرب من 4 ملايين طفل بالسمنة وهذا رقم كبير، وقال: "ده دورنا كلنا تجاه أولادنا ومش الحكومة بس.. وهل الأهم العدد ولا النوعية.. وهل الهدف إنجاب أطفال كتير؟! ولا أطفال جيدين؟!.. ولما نشوف رقم 3.4 مليون طفل يعانون من السمنة.. هل فيه رعاية سواء في المدرسة؟ وهذا أمر يحتاج إلى الاعتراف بدون حرج.. عدد كبير ما يقرب من 4 مليون طالب يعانون من السمنة.. هل يمارس الرياضة؟!".

وأضاف الرئيس السيسى: "يا ترى العدد المهم ولا رعاية الأطفال ومتابعتهم بشكل جيد.. وكل ما نتكلم حد يقولى الحمد لله والرزق على ربنا.. صحيح الرزق على ربنا وكلنا عايشين في مصر العالم عايشين على فضل ربنا.. بس ربنا أمرنا بالتفكير ونأخد بأسباب الدنيا اللى موجودين فيها.. هل طفل واحد جيد ولا 3 – 4 أطفال بظروف صعبة.. ولما نتكلم عن أكثر من 8 ملايين أطفال لديهم أنيميا وده معناه أنهم بياكلوا غلط.. ولما يكون أكثر من 1.3 مليون طفل عندهم مشكلة في عملية الطول اللى موجودة.. وانا بتكلم في العدد وتحديد وتنظيم الانجاب في مصر".

وانهى الرئيس حديثه عن هذه المشكلة بتوجيه رسالة لكل المصريين مفادها: "مبقولش للناس متخلفش، لكن من مصلحتنا تنظيم الموضوع ده علشان نعيش حياة كريمة.. إحنا جايين علشان نصلح.. متقلقوش خلونا نشتغل".

الرئيس في حديثه وضع يده على نقاط في غاية الأهمية، فالعزوة لم ولن تكون حلاً، بل هي أساس المشكلة، لذلك علينا أن نعى خطورة الوضع ونعمل على التصحيح اليوم قبل غداً.

الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، التقطت ما قاله الرئيس حول مبادرة جديدة تستهدف الكشف على الراغبات في الانجاب، وقالت أن الوزارة بالتعاون مع دار الوثائق المؤمنة داخل العاصمة الإدارية يتم توفير شهادة الزواج الكترونيا بعد فحص كامل للراغبين في الزواج ويتم التواصل مع الشباب وإخبارهم بالحالة الصحية والمشاكل التي قد تقابلهم بعد الزواج في إطار الكشف الشامل، مشيرة إل أن هناك برنامج كبير ومجموعة حملات سوف تكون بالتزامن مع تدشين المشروع القومى لتنمية الأسر، خاصة أن كل جهات الدولة متداخلة في هذا الأمر، لافتة إلى ان هناك مبادرة حاليا تتمثل فى الكشف عن الأمراض التي تنقل من الأم للطفل أثناء الحمل، وجزء من متابعة الحمل الكشف عن أمراض الايدز والزهرى وفيروس بى لخلق جيل جديد بدون أمراض معدية.

وتابعت الدكتورة هالة زايد: "لدينا 5400 وحدة و850 عيادة متنقلة تمثل في هذه المبادرة.. ومبادرة "حياة كريمة" تهدف للوصول إلى التوعية للأسر والامهات والأطفال.. ومبادرات "100 مليون صحة"، سوف تكون داخل مبادرة حياة كريمة.. ولدينا برنامج كبير جدا لتنمية الأسرة في كافة العناصر.. وهناك حملة إعلامية تنطلق في شهر أكتوبر المقبل ونسعى إلى ان تكون مصر نموذجا فريدا للصحة الإنجابية خلال الفترة المقبلة".

بالتأكيد فإن خطة وزارة الصحة مهمة ونطلب منها المزيد، لكن الأهم من كل ذلك أن يكون لدى المصريين وعى وإدراك بخطورة قضية الزيادة السكانية وتأثيراتها السلبية على ما تقدمه الدولة من خدمات لكافة المواطنيين.

فبدون السيطرة على هذه الزيادة سنجد أنفسنا أمام غول سيلتهم كل المؤشرات الاقتصادية التي تحققها الدولة حالياً، ولن تكون كافية لاستيعاب العدد المتزايد من السكان، فكلنا نتابع المشروعات التي تفتتحها الدولة يومياً، والمبادرات التي يتم الإعلان عنها والمرتبطة بالحفاظ على صحة المصريين، وأن يحيوا حياة كريمة، والتي تحقق آمال وتطلعات المصريين فى الجمهورية الجديدة المقبلين عليها، لكن كل هذه التحركات لن يكون لها جدوى إذا استمرت الزيادة السكانية بالشكل التي عليه الآن، وهو ما يحتاج منا الاعتراف بالمشكلة وتأثيراتها أولاً، ثم العمل على المواجهة بكافة الطرق، حتى نحقق ما نصبو إليه جميعاً.. جمهورية جديدة يحظى فيها كل مواطن بحياة كريمة صحياً وتعليميا واقتصادياً.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق