شرف للبيع.. زواج القاصرات براءة مهدرة في وجه التقاليد (ملف خاص)
السبت، 11 أغسطس 2018 12:00 م
في أواخر 2017 أصدر المركزي للإحصاء والتعبئة بيانات عن التعداد السكاني، أرقام الزواج في سن صغيرة جاءت مرعبة، فإن عدد المواطنين المتزوجين أقل من 18 عامًا فى مصر بلغ 18.3 مليون نسمة، وتمثل حالات زواج القاصرات 14% من إجمالى حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف.
لدينا ما يكفي من القصص المؤلمة لفتيات أغتيلت براءتهن في زواج قصري، تحكي س. أ، المرغمة من أهلها على الزواج العرفي: "جوزوني من راجل عنده 20 سنة، ما قدرش يكمل ومات بعد 4 شهور من الجواز، المصيبة إني حملت منه، وخدي عندك بقى لف في المحاكم والأقسام والسجلات عشان بس أثبت إنه أبو بنتي وأهلي اللي أرغموني أتجوزه عشان يرملهم شوية فلوس كالعادة، كل دا بسبب ورقة عقد عرفى كتبها محامي واخد فلوس، يرضي مين 15 سنة واتحمل كلة دا".
أصبح الشرف سلعة رائجة في الأسواق يسهل بيعها، بعد أن رفع البعض في المجتمع لافتة عريضة كتب عليها بالخط العريض «شرف للبيع»، فهناك من اختصر كلمة الشرف في عذرية المرأة، بينما الحقيقة أن خيانة الوطن والجاسوسية وزواج القاصرات والدعارة والعمالة للمنظمات المشبوهة، من أهم حالات بيع الشرف.
تقريبا نقرأ ونسمع بشكل يومي عن حالات «زواج القاصرات» والذي بات ظاهرة اجتماعية خطيرة، صغيرات تتبدل حياتهن من قضاء طفولتهن بهدوء وسعادة ولعب بالدمى والعرائس، إلى ممارسة الجنس مع رجل يكبرها بسنوات تصل إلى ضعف عمرها في أقل تقدير.
اصطلح القانون على تعريف زواج القاصرات بأنه «الزواج المبكر» للفتيات دون سن الـ18عشر، أي قبل أن تُكمل الواحدة منهن النضج الكافي على المستوى النفسي أو الجنسي الذي يؤهلها للزواج والقدرة على تحمل مسئوليات الزواج والإنجاب وتربية الأولاد ومسؤليات الحياة الزوجية والاجتماعية.
تذهب الفتاة الصغيرة التي لم تتم عامها الـ 18 إلى بيت غير بيت أسرتها، لتكون في خدمة رجلا يكبرها سناً، فتتعذب في صمت دون أن تئين، هذا إذا لم تتوفى في ليلة زفافها المشؤمة، بسبب عدم تحمل جسدها الصغير للعلاقة الجنسية.
زواج القاصرات من العادات الاجتماعية التي تلجأ لها الأسر البسيطة أو الفقيرة، وهو ينتشر بكثرة في القرى والنجوع الفقيرة والمناطق العشوائية، إلا أن اسم «تزويج الأطفال» هو المصطلح الذي يعبر بشكل أفضل عن هذه الظاهرة، فهو «تزويج» وليس بزواج، لافتقاده لأهم عنصر من عناصر الزواج، وهو «توافر الإرادة الحرة الواعية» الذي ترجمه الدين الإسلامي بشرط «القبول»، ففي الغالب يتم التأثير على الفتاة الصغيرة لقبول فكرة زواجها من شخص يكبرها سناً، وإغرائهن بالمال أو الهدايا والعطايا أو الملابس..إلخ.
شرف للبيع: الفقر والجهل والعادات الاجتماعية.. مثلث الرعب في ظاهرة زواج القاصرات
يدفع الفقر وتدني مستوى الدخل وسوء الحالة الاقتصادية الذي تعاني منه الأسر في الأحياء الشعبية والعشوائية والقرى والنجوع الفقيرة، إلى قبول أي «عريس» ذو قدرة مادية يتقدم لأبنتهم حتى إذا كان يكبرها سناً، فيقبلون به على الفور، هربا من جحيم الفقر والأزمات الاقتصادية، خاصة مع ارتفاع متوسط عدد أفراد الأسرة وكثرة البنات الذي يجعلهم عبئًا اقتصاديا على الأسرة، فترى الأسر الفقيرة أن تزويج الفتايات في سن مبكر هو طريقة لتأمين مستقبلها مادياً.
كما أن انتشار الجهل أحد أهم مسببات انتشار وباء زواج القاصرات في المجتمعات الفقيرة، مما يؤدي إلى الإيمان بالعادات والموروثات البالية التي تُفضل تزويج الفتاة في سن مبكرة، متعللين بأن زواجها مبكراً حماية لها من الانحراف والدخول في علاقة غير شرعية وتهديد سمعة أسرتها ووصمهم بالعار، فضلا عن أن هناك أسر تخشى على الفتاة إذا بقيت في المنزل دون زواج وتعريضها لخطر العنوسة.
شرف للبيع.. لا يوجد قوانين حقيقية لوقف نزيف زواج القاصرات
على الرغم من انتشار ظاهرة تزويج القاصرات في المجتمعات العربية، إلا أنه لم يتم سن قوانين رادعة لوقف نزيف هؤلاء الفتايات، ومنع تزويجهم في سن مبكرة قبل الـ 18، فلم تخرج أي جمعية حقوقية أو نسوية تطالب في مصر أو الدول العربية بسن وتشريع قوانين رادعة لتزويج الفتايات القاصرات، مثلما يطالبون ليل نهار بقانون لحماية المرأة من العنف الأسري، كما لم يطالب أي من أعضاء مجلس النواب بتشريع يمنع هذه الظاهرة التي تهدد حياة الفتايات وتمنع تقدم خطط الدولة نحو أهداف الحكومة المصرية بتمكين المرأة المصرية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لاسيما وقد طالبت الدكتورة إليزابيث شاكر عضو مجلس النواب، الحكومة بفرض عقوبات على زواج القاصرات والاهتمام بالتعليم للحد من الظاهرة المتفشية، للحد من الزيادة الإنجابية فقط، وليس لخطورة ظاهرة زواج القاصرات على المجتمع.
شرف للبيع.. زواج القاصرات عند المسيحية والإسلام
ظهرت في السنوات الأخيرة، بعض الأراء المتشددة التي تبيح زواج القاصرات، بحجة أنه يعف الفتاة من المعاصي والعلاقات الغير شرعية، متعللين بحديث البخاري عن زواج الرسول صل الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي في سن الـ9، إلا أن القرأن الكريم لم يتحدث أو يشير إلى زواج القاصرات، بينما وضع شروطاً للزواج حددها في رضاء الطرفان، ومن المؤكد وبالضرورة فإن أي فتاة دون سن الـ18 لا تتمتع بالوعي الكافي لتمييز معنى الزواج، كما أن كتاب الله حدد ضرورة التكافؤ بين الرجل والمرأة، ما يؤكد أن فتاة في سن الـ12 ودون سن الـ18 لن تكون على كفئ لرجل ضعف عمرها .
كما أن الديانة المسيحية، تعتبر زواج القاصرات جريمة اجتماعية وأخلاقية بحق الأطفال، وهو ما جعل الكنيسة الأرثوذكسية تمنع تزويج الأطفال دون سن الـ18، لأنه ضدّ حقوق الطفل.
شرف للبيع.. الزواج العرفي والإشهار البوابة الخلفية لزواج القاصرات
مع تقدم المجتمعات وتعريف الأمم المتحدة، سن الطفولة أنه دون سن الـ 18 عاماً، منعت الحكومة المصرية إتمام أي زيجة قبل هذا السن، وعدم اعتراف الدولة به، إلا أن الأسر التي ترغب في تزويج بناتها القاصرات، لجأت إلى حيلة أخرى وما أكثر الحيل فالحاجة أم الاختراع، فقد تلجأ أسرة الفتاة إلى الوحدات الصحية ودفع مبالغ مالية «رشاوي» من أجل «تسنين» بناتهن بالسن القانونية التي تسمح به الدولة، من أجل إتمام الزيجة وعدم هروب العريس.
كما تلجأ أسر أخرى إلى «الإشهار» بمعنى إبرام عقد زواج «عرفي» لدى أحد المحامين بين ولي أمر الفتاة والعريس، وعمل إعلان أو ما يسمى «إشهار» في أحد المساجد بمكان مسكن الفتاة لإعلان خبر تزويجها على العريس، وهو عُرف اجتماعي كان يتم في السابق، قبل إدخال نظام المأذون والمحاكم الشرعية في مصر، والذي اتجهت إلى إقامتها حفاظا على حقوق المواطنين بعد زيادة الأعداد.