عالجوهم قبل أن تحبوهم
الخميس، 31 أغسطس 2017 09:02 م
«كل عيد وأنتَ / أنتِ معايا».. العبارة تتكرر كثيرًا، فكم من عيد آتى بدون من قيلت لهم تلك الكلمات. ويأتي العيد تلو الآخر، ويبقى الأمل.
حال آلاف -إن لم يكن الملايين- من شباب هذا الوطن، القابع في نغمة الحرمان، أصبح الحب عندهم ملاذ من ضيق العيش والمعيشة والتعامل بين الناس بمختلف طياتهم -الأكثر هربًا من الأسر المدمرة.
فكم من قصة حب بدأت وانتهت خلال أيام، لمجرد أسباب واهية؛ فيبقى العقل حائرًا، وقد يمضي سنوات مجرد باحث عن سبب مقنع، ترتاح له سريرته إن كان حبه صادقًا.
«الحب من نظرة.. الحب من المعاملة.. الحب من المعاشرة.. الحب لمجرد الحب.. الحب كي لا تظل بمفردك... إلخ».. كلها أشكال لمسمى واحد، تتحقق فيه كل أعراض المحبين، من فرح وسرور -يصل لدرجة الإنشكاح وطمأنينة وراحة لكل الحواس- حتى النوم تنتظم ساعاته مع إشارات ضبط الوقت، والحياة تدور في فلك لا تنفك عنه كما دقات القلب.
أيا كان الحب فلا تسل! يكفي أنك «سعيد»، غير أن الصورة مع الجيل الحالي وأجيال أخرى متواترة أصبحت معكوسة، فالحب كما هو بدون أسباب، لكن النهاية أيضًا باتت بلا سبب مقنع.
الحديث هنا ليس عن فتاة أو شاب، بل عن جنس مصري بأكمله، أصبحت لديه الصورة مقلوبة في كل شيء، وبات عقله المشوش بأوساخ الحياة، يتحكم في مشاعر قلبه، وبات الأخير مجرد طائع لأي قرار يتخذه العقل، وإن تسبب في نهاية دقات سروره.
لكن تبقى أسباب مجهلة، لا يعرف عنها أحد سوى الله، تحتاج لعلاج نفسي، تحتاج لغسول قلب، تحتاج لذكريات جديدة تمحو ما مضى، تحتاج لأن يتوقف العقل ولو لحظات يصدق فيها قلبه.
لا يعرف الجنس المصري أن «القلب وحده مكان المستحيل».. هكذا قال مصطفى صادق الرافعي، في كتابه الرسائل: «تسكنُ قلبي رغبةٌ ما أراها تتحقّق له فيتخلّى عنها.. وَ لا هو يتخلّى عنها إذْ لا تتحقّقُ له!.. هيَ بعضُ الممكنات الخياليّة التي لا تخرجُ منَ القلب، وكيفَ تخرج منه ولا مكانَ لها في الواقع؟.. القلبُ وحدهُ مكانُ المستحيل!».
في الرسائل أيضًا: «رغبتي كأنّها حكمٌ منْ أحكامِ الشّوق النّافذةِ على قلبي، حُكِمَ عليهِ بأنْ يظلَّ أبداً يريدُ وَ يشتهي!.. أيْ حُكمَ عليهِ بأنْ يطلبَ وَ لا ينال.. يبحثُ في الموجودِ عنْ غيرِ الموجود.. يراكَ وَ لكنّهُ فيكَ أنتَ يبحثُ عنكَ أنت!».
الرافعي جسد إرادة القلب في «مكان المستحيل»، لكن الآن باتت القلوب وهنة يائسة من رحمة الله وفيض عفوه، حتى أنها باتت قاسية على أصحابها، ولم يعد هناك مجال للحب إلا بعد انتهاء مراحل العلاج والتعافي، كي لا يظلم أحدكم الآخر، كي لا يتسبب في إنهاك قواه.
تعالوا إلى كلمة سواء، نقرأ رسالة سويًا، تقول: «ظلمت قلبي وروحي يا عيني وجيت عليا يا عنيا يا ناسيني».. كلمات كان يتردد صداها حيث أجلس وحيدا، لا أحادث سوى قلبي، الذي كادت أن تجبره الحياة على الخضوع والمذلة لمجرد تعلقه بتراهات وتفاصيل هو في غنى عنها. إن الحديث مع القلب، يتخلله أحيانًا صمت وآهات وتنهيدات تفرغ الهواء معها، يتمنى البعض أن لو خرج ما عاد، إلا أن الموعد ما حان.
الرسالة لم تنتهي، ولكن لا داعي لباقيها، وتبقى هناك مسلمة واحدة، هي في حياة القلوب ومعاملات لا مكان لعاقل، فلا مكان سوى للأنفاس الحائرة، التي تتعبه أكثر، أما العقل ليس كذلك، الكلمة فيه للحق والمنطق وفق المعتقد وليس الفطرة.
يا من تحتاج إلى الحب، إن الحياة تجبر العاشقين على الخنوع والمذلة.. فلا تجعلوا لبشر عليكم سلطانا، اجعلوا حبكم فقط للحياة، اجعلوا حبكم لمن يسوقه الله لكم ومن يقبله قلبكم، اجعل حبك كما هو بلا سبب، وأعلم أنك إن سألت فلن يكتمل لساعات وليس لمجرد أيام، ولاتكن كالجيل الحالي اللي «فشخ المنطق».