بالفيديو والصور..المياه الجوفية والصرف الصحي تحاصر "أبو تلات" بالاسكندرية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015 06:36 م
بالفيديو والصور..المياه الجوفية والصرف الصحي تحاصر "أبو تلات" بالاسكندرية
محمد ابو زيد

امتدت المناطق الغارقة مؤخرًا بالإسكندرية إلي حواف شاطئ البحر الأبيض المتوسط،و تحديدًا علي الجانب البحري من طريق الإسكندرية-مطروح الساحلي.

"أبو تلات بتغرق" استغاثة صرخ بها أهالي المنطقة آملين أن يكون هناك من يسمعهم لينقذهم من المعاناة التي يعيشونها منذ أمطار "نوة الفيضة الصغرى"،علي الفور استدعت الذاكرة استغاثات مشابهة قريبة سمعتها أيضًا مدينة "الإسكندر الكبير " الحزينة،من مناطق قري النهضة بالعامرية،و مدينتي برج العرب القديمة والجديدة،و "نجع العرب" وأماكن أخري بشرق الإسكندرية،و لكن للاستغاثة هذه المرة معني مختلف،لمنطقة كانت يرتادها ويسكن بها كبار السياسيين ونجوم المجتمع،حيث الطبيعة الهادئة الخلابة،المعني مختلف لأن منطقة تقع في مفتتح الطريق إلي عشرات القري السياحية والمنتجعات المتواجدة علي طرفي الطريق لمسافات طويلة،فالمعاناة أو المأساة هنا ليست إنسانية فقط،بل وسياحية أيضًا.


ولهذا قررت "صوت الأمة" الذهاب إلي هناك علي الطبيعة،لتستمع مباشرة من الأهالي شكواهم،وترصد عدستها ما لم تُظهره صورة مٌسربة هنا أو هناك عن معاناة أهالي أبي تلات.

* الطريق إلي "أبوتلات":


من الكيلو 21 حيث البوابة التي تستقبل القادمين من وسط الإسكندرية أو من المسافرين عبر طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي،بدأ التحرك،أول ما تقع عليه عينيك هو "بِرك المياه" فوق الطريق الإسفلتي الذي تتكسر بعض أجزائه وتتزايد قليلًا مع اقترابك من منطقة الصفا الواقعة في الكيلو 22،ويقول الأهالي أن السبب في هذا تسرب مياه الأمطار إلي الفراغات التي تم كحتها تمهيدًا لسفلتة الطريق التي لم تكتمل.

5 دقائق،كانت كافية للوصول إلي"البنزينة" المعلم الأبرز،لوصولك إلي أبي تلات،لستُ محتاجًا لتكتشف المشكلة لتدخل كثيرًا إلي الشارع الرئيسي،فأفقه يبوح بكل شئ،المياه تطفو والطريق متعرج،والحشائش الصفراء والبوص يفرض نفسه علي المشهد،كأنك تسير وسط ملاحات،لا شارع رئيسي،و علي جانبي الطريق،يتكرر المشهد في أغلب الطرق المتفرعة منه.

وقفتٌ لالتقاط صورة لأحد المنازل تحوطه المياه وتعلو والطريق إليه لا يكون إلا بالسير فوق قطع الطوب المتراصة جنبًا إلي جنب،التي تستلزم من عابر الطريق الحذر والرشاقة وإلا غاص في المياه،تبين لي لاحقًا أن هذه الطرق أسعد حالًا من غيرها،التي تعلو فيها المياه لمسافة عالية،قال لي أحد أهالي المنطقة أنها تصل إلي 70 سم وقال "لو حد تعب بالليل منعرفش نعالجه "،في البداية لم أصدق تقديره للمسافة،الملاحظة بالعين تقول أن ارتفاع المياه يصل إلي مستويات عالية بعدد من شوراع أبي تلات،فيما بعد تأكدت أن علو المياه الذي ذكره الرجل يقترب في بعض الأماكن من تقديره ومنها شارع "المدينة المنورة".

في منتصف الطريق،وعلي جانبه الأيمن يقع شارع "المدينة المنورة"،الذي لا تتمكن من السير فيه بشكل مقبول إلا لمسافة لا تزيد عن 150 مترًا،هناك قابلت المقدّس سمير أو عم سمير،أحد سكان المنطقة،قال متسائلًا وحزينًا بلهجة صعيدية خفيفة " ينفع كده.. الناس بتأجر شقق وتطلع برة"،يشير سمير إلي المنازل التي غرقت ولم يعد بالإمكان السكن بها للمخاطر التي يتعرض لها الأهالي.

قال لي أحد شباب شارع المدينة المنورة بأبي تلات "مبنعرفش نروح بيوتنا بسبب المية ومفيش توكتوك ولا عربية تدخلنا لحد جوه" فاستفسرت منه كيف يذهبون إلي منازلهم وسط هذه المياه المرتفعة ؟ أجابني " بنلبس كوزلوك" – حذاء برقبة عالية مصنوع من البلاستيك –و علمت أنه يتم شرائه من الكيلو 21 بثمن يتراوح بين 35 إلي 50 جنيه.

وسط شارع المدينة المنورة وعلي جانبيه لم أجد إلا بيوتنًا غارقة وحتي مسافة 500 متر من بداية الطريق لم نستطع المشي أبعد من هذا فلا حل للوصول أبعد إلا بسيارة فعند هذه المرحلة تخطت المياه رقبة الكوزلوك..مددت نظري فوجدت أن ليس "الحذاء" وحده المحاط بالمياه..بل الأخطر إحاطته بغرفة كهرباء عمومية،و علي بعد أمتار منها سلك كهربائي يتدلي من فوق أسطح أحد المنازل ليختفي تحت المياه التي نقف فوقها لكن الأهالي أكدوا أنه تم قطع التيار الكهربائي عن الشارع،وهو ما أكدته قيادات بقطاعي الإضاءة والشبكات بشركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء حيث تم تغطية منطقة أبي تلات بأكملها بشبكة كهرباء هوائية بديلًا عن الكابلات الأرضية،فيما يخص قطاع الإضاءة،و ذلك خلال هذا الشهر،فيما قام قطاع الشبكات بفصل الكهرباء عن بعض المناطق احترازيًا لمنع حدوث وفيات نتيجة الصعق الكهربائي.
و قالت أم كريم،من سكان الشارع "إبني بسبب قطع النور..مشوي في الشاي"،و تقصد أنه تعرض لحريق نتيجة سقوط براد الشاي علي وجهه بسبب إنقطاع الكهرباء عن الشارع لعدة أيام.

أم جرجس،صاحبة أحد المحلات الغارقة،وقفت هي وأبناؤها علي عتبة المحل الغارق بالمياه وقالت بانفعال "ده يرضي مين ؟" شققنا ومحلاتنا مش عارفين نعيش فيها وغرقت"

استدرت خلفي علي صوت سيارة ربع نقل قادمة من أحد الشوارع الداخلية المتفرعة من شارع المدينة،السيارة تسير ببطء وتحمل "عفش" أحد العائلات التي تهرب من هذه المعاناة لتقيم ولو لساعات قليلة في مكان آمن وآدمي حتي تنتهي المحنة.

و بعد انتهاء الجولة في شارع المدينة المنورة كانت سيارة شركة المقاولون العرب في طريقها إلي الشاطئ لعمل بدالة لصرف المياه في البحر.

بحثًا عن تفسير ما حدث كيف حدث ولماذا ؟

قال محارب الجميعي،عضو لجنة حزب الوفد بأبي تلات،وأحد سكان المنطقة" المشكلة بدأت منذ موجة الأمطار الأولي ولو تدخلت المحافظة من البداية لما وصلنا إلي هذا الوضع" وأضاف الجميعي أنه لم يتم تنظيف شنايش الصرف مطلقًا بأبي تلات منذ بداية أزمة الامطار التي أستقال بسببها هاني المسيري المحافظ السابق للإسكندرية" وأنتقد أداء شركة الصرف الصحي حيث زعم أنها "شغالة في البلد بس مش في الأطراف".



المهندس الإستشاري حسن خيرالله،عضو البرلمان عن دائرة الدخيلة التابع لها منطقة أبي تلات،قام بزيارة تفقدية إلي المنطقة التي فجر لنا مفاجأة بقوله أنه توقع حدوث المشكلة قبلها بنحو أسبوعين وهو ما دفعه إلي تقديم مذكرة إلي محافظ الإسكندرية بالإنابة يوم 12 ديسمبر الحالي يطالب فيها بعمل صرف صحي بالمنطقة وحتي الكيلو 36، وأن سبب هذه الأزمة هو " تجمع المياه الجوفية مع مياه المطر والصرف الصحي في وقت واحد ".
و ذكر خير الله أنه سبق له أن تقدم في عام 2009 بمذكرة لعادل لبيب محافظ الإسكندرية الأسبق بنفس الطلب وبالفعل تم التأشير عليها بالموافقة ولكن لا أعلم مصيرها ؟

لكن سعاد الخولي،محافظ الإسكندرية بالإنابة كان عندها الرد علي تساؤل حسن خير الله عضو مجلس النواب عن دائرة الدخيلة،حيث قالت في تصريح خاص لـ"صوت الأمة" أنه بالفعل كان هناك مشروع للصرف الصحي تم البدء في تنفيذه في اواخر عام 2010،و مع حالة الإنفلات الأمني في 2011 تمت سرقة المواسير،و هو ما تسبب في توقف المشروع.
وأكدت الخولي علي أنه سيتم عمل مشروع للصرف الصحي لمنطقة أبي تلات في خطة الصرف الصحي لعام 2016 وأضافت أنه كحل مؤقت فقد بدأت شركة المقاولين العرب منذ يوم الأحد بعمل بدال لتصريف المياه الجوفية بالبحر،و لكن الشركة أكدت أن البدال سيتم عمله علي مسافة كيلو و800 مترًا وهي مسافة كبيرة. وأردفت الخولي إنها تقدر مشاعر والآلام أهالي أبوتلات وتقدر رغبتهم في إنهاء المشكلة بسرعة،و إنها تعدهم بإنهاء المشكلة في أقرب وقت.

و مع تأكيد سعاد الخولي،محافظ الإسكندرية بالإنابة علي تعاطفها الكامل مع أهالي أبي تلات،و جرعة الأمل الكبيرة تذكرت "ريم"طالبة الإبتدائي التي رغم شكواها من عدم إستطاعتها الذهاب للمدرسة بسبب المياه التي تغرق الطرق والمنازل والمحلات والمدارس،إلاإنها أنهت كلامها بإبتسامة سكندرية جميلة وبريئة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة