لماذا نحتاج إلى المحافظة على السلالات التقليدية للمواشي؟

الخميس، 17 ديسمبر 2015 01:38 ص
لماذا نحتاج إلى المحافظة على السلالات التقليدية للمواشي؟

ينكب العلماء والمزارعون السويسريون جنبا إلى جنب للعمل ضد عقارب الساعة من أجل إنقاذ السلالات التقليدية من الأبقار قبل أن تختفي وتحلّ محلها سلالات أخرى من أبقار أكثر إنتاجية. وسواء تعلق الأمر بأوروبا أو بإفريقيا، فإن أصناف المواشي التقليدية تظل أكثر قدرة على التكيّف مع الظروف المحلية والتحدّيات البيئية المتصاعدة.

على مدى العقد الماضي تمكّنت المزارع والضيعات السويسرية من إنتاج المزيد من الألبان على الرغم من تربيتها لعدد أقلّ من الأبقار. ومن السهل معرفة السبب، فوفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء، زاد إنتاج البقرة السويسرية سنة 2013 بما معدّله 4 كيلوغرامات في اليوم الواحد مقارنة بما كان عليه الوضع سنة ألفين.

هذه الزيادة في الإنتاج تعود في جزء منها إلى انتقاء سلالة الأبقار، ما سمح للمزارعين تفضيل بعض الصفات في مواشيهم عن صفات أخرى. ولكن هذه الإنتقائية لا تخلو من سلبيات، فمع مرور الوقت قد يؤدي التركيز الكبير على الإنتاجية إلى إلغاء تدريجي لسمات جينية أخرى، بما في ذلك تلك التي تجعل السلالات التقليدية الفريدة قادرة على التكيّف مع البيئات المحلية.

في حديث إلى swissinfo.ch، تشير كاترين مارغيريت، من المكتب الفدرالي للزراعة التابع لوزارة الإقتصاد إلى أن "العديد من السلالات السويسرية الأصيلة أضحت معرّضة للخطر لأنها ليست منتجة مثل السلالات الحديثة".

ثم تضيف أن "السلالات (التقليدية) هي قيّمة للغاية بالنسبة لسويسرا نظرا لمخاطر التغيّرات المستقبلية على مستوى البيئة. فهذه السلالات عادة ما تكون قوية للغاية، وربما يكون من بين جيناتها ما يمكّنها من التعايش مع تحديات بيئية جديدة".

مشكلة نموّ
في سويسرا، تعوّد السكان على تربية أنواع مُعيّنة من المواشي طيلة قرون، لكن مفهوم "السلالة" لم يطف على السطح سوى منذ 200 سنة، عندما بدأ بعض المزارعين ينتقون أصنافا من الحيوانات طبقا لسمات جينية يجعل منها مواشي أكثر قيمة من غيرها.
في السياق، يعتقد ستيفان جوست، الباحث بالمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان أن حوالي 16% من سلالات المواشي قد انقرضت خلال القرن العشرين، وأن 15% منها أصبحت مهددة بالإندثار كنتيجة لانتقاء السلالات.

وقال جوست، المشرف على أحدث مشروع بحثي بالمؤسسة الأوروبية للعلوم بالإشتراك مع المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان حول التقدم في تقنيات الجينيوم بالنسبة للمواشي: "إن الحفاظ على التنوّع الوراثي لسلالات الماشية التقليدية مشكلة أكثر إلحاحا في البلدان النامية منها في البلدان الصناعية مثل سويسرا".

ومع الأمل في الحصول على انتاجية أكبر على المدى القصير، يفضّل العديد من المزارعين في المناطق الريفية السلالات "العالمية" بدلا من السلالات المحلية، لكن الحيوانات غير الأهلية تموت في أغلب الأحيان لأنها غير قادرة على التكيّف بالقدر الكافي مع المناخ المحلّي، وهي عرضة أكثر من غيرها للأمراض المحلية.

على سبيل المثال، يتهدد الماشية في جمهورية بوركينا فاسو وسط إفريقيا داء "المثقبيات"، وهي عبارة عن عدوى طفيلية تنتقل عن طريق ذبابة تسي - تسي التي تسبب الهزال والموت لأزيد من مليون رأس من الماشية سنويا. وفيما تمتلك الأبقار المحلية التي هي من سلالة "باولية" جينات وراثية مقاومة لهذا المرض، نجد أن سلالة "زيبوين" الآسيوية أكثر عرضة للإصابة بالمرض، إلا أنها موجودة بكثرة ومفضلة هناك لتميّزها على مستوى إنتاج اللحوم والحليب.

في الأثناء، قام فريق دولي من المختصين بدراسة خصوصيات السلالتيْن الجينيتيْن والجهود التي يبذلها المزارعون المحليون للجمع بينهما، من أجل تحديد أفضل السبل للإحتفاظ بميزات السلالة الأولى وتعزيز حصانة السلالة الثانية.

وتعتزم منظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة نشر نتائج الدراسة في نسختيْن واحدة إلكترونية وأخرى ورقية لتمكين المزارعين في البلدان النامية من الحصول على هذه المعلومات والإستفادة منها.

التقليد السويسري
في هذا الصدد، يقول جوست إن المشروع البحثي المشار إليه أعلاه في مجال الثروة الحيوانية بإفريقيا "يُمكن أن يُستفاد منه في سويسرا كذلك".

ويضيف: "مع ظاهرة الإحتباس الحراري، على سبيل المثال، سوف تُواجه سويسرا، وبقية بلدان جبال الألب الأخرى، في المستقبل ظروفا مناخية ستكون أشدّ مما هي عليه في بلدان المساحات المنخفضة. وذلك بسبب جغرافيتها وتضاريسها، فلدينا الكثير من الأبقار والأغنام والماعز في مناطق جبلية".

جوست أوضح أيضا أنه مع ارتفاع درجة الحرارة، سوف تنمو أعشاب المراعي التي تشكّل الجزء الأكبر من أغذية الأبقار الحلوب في سويسرا في مناطق جبلية أعلى، أي بالقرب من قمم الجبال. ومن المتوقّع أن تصبح هذه الأعشاب نادرة وأقلّ قيمة غذائية في تلك المناطق القاحلة وعالية الإرتفاع.

وفي المقابل، لن تتجشّم الماشية من سلالة إيفولين الموجودة بمنطقة فال دي رونس بكانتون فالي المصاعب أو تركب الأخطار للحصول على الغذاء. فهذه السلالة السويسرية التقليدية، والتي أصبحت اليوم معرّضة للخطر، تتمتع ببنية صلبة وتكوين يسمح لها بالإكتفاء بالحد الأدنى من الغذاء.

ويواصل جوست: "إنها ميزة هامّة أن تكون قوية وسلالات متأقلمة، وقادرة على التعايش مع ندرة العشب، وأن تتمكن من الحفاظ في نفس الوقت على مستوى عال من الإنتاج".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة