«ابن رشد».. شخصية معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2016

السبت، 07 مايو 2016 03:43 ص
«ابن رشد».. شخصية معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2016
معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2016

يأتي احتفاء معرض أبوظبي الدولي للكتاب بفيلسوف الإسلام الكبير ابن رشد، هذا العام في وقت يواجه فيه العالم العربي سؤال البقاء والوجود على خارطة التاريخ المعاصر. تقف هذه المبادرة، والرسالة الثقافية الهامة التي يتبناها معرض أبوظبي للكتاب في صف الفكر الإسلامي التنويري، التي تنتصر إلى العقل والمنطق في مواجهة تيار الجهل الظلامي، وأيديولوجيا الإرهاب والتطرف السلفي، التيار الذي يحاول مسخ تاريخنا وثقافتنا المشرقة التي أسس لها ديننا الإسلامي العظيم والأصيل.

أشرقت شمس الإسلام على الكون بنور العلم والمعرفة والحضارة. في ذلك الوقت كانت الأديان التي سبقته قد بلغت مرحلة انفصل فيها الإنسان عن معتقده الحقيقي فصار الدين أداة في يد الكهّنة والقساوسة، يسيطرون على الناس بنصوص محرفة وبالخرافات والشعوذة.

ولدت دعوة الإسلام بالكلمة والقراءة، أي بالمعرفة، بالحبر وبالقلم الذي سطّر أسفاراً في الحكمة والفلسفة، ونظريات في عالم الفلك والرياضيات والطب والكيمياء في حقب لم يكن العالم الغربي قد وصل إلى نفس مستواها بعد. لكن، قبل هذا وذاك، هو دين السّلام والمحبة، ورسالة الحرية الواضحة…(لكم دينكم ولي دين).

أن نستلهم في عام ابن رشد، في مطلع الألفية الثالثة، حكمته وفلسفته التي صاغها في القرن الثاني عشر الميلادي، يعني أن نستنير بفكره الثاقب الذي تجاوز زمنه، وأن نقف إلى جانب العقل والمعرفة والفكر في نظرتنا إلى الدين. حين نادى ابن رشد بأن لا تعارض بين الدين والفلسفة كان ذلك منعطفاً هاماً في الفكر الإسلامي، الذي كان يراوح قبل ابن رشد في حيرة العلاقة بين المعرفة الفلسفية والمعرفة الدينية. كان يرى أن هناك طرقاً عديدة للوصول إلى الحقيقة. فالحقيقة استناداً إلى الدين تعتمد على العقيدة، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتدقيق والفهم الشامل. أما المعرفة الثانية للحقيقة فتتم عن طريق الفلسفة، ولكن قلة من الناس من يحظى بقدرات عقلية تمكنه من سلوك طريق العقل للوصول إلى الحقيقة.

لم يكن معاصرو ابن رشد قادرين على إدراك واستيعاب رؤيته المتقدمة تلك في علاقة الإنسان بالدين. لهذا ظهر من اتهمه بالكفر والإلحاد والزندقة، فحورب، ونفي واحرقت كتبه. مع مجيء القرن الثالث عشر توقف البحث في العلوم والفلسفة عند العرب المسلمين، وسادت قوى الجهل والتخلف. خرجنا من سياق التاريخ وغرقنا في السبات، وأنتهى كل شيء بالسقوط المدوي لحضارة الأندلس.

في الوقت الذي أهملنا فيه ابن رشد بدأ الغربيون بدراسة ما تركه من فلسفة وشروحات، ووجدوا فيها ما يربطهم بالفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو طاليس. أما نحن فمنذ ما جاء به ابن رشد وحتى اليوم لم نساهم بأي إضافة فكرية أو فلسفية تُذكر. لقد نسينا أن لدينا مثل هذا المفكر مدة تقارب سبعة قرون.

اليوم كل أمم العالم على علاقة طبيعية بالدين والفلسفة والعلوم. انظروا إلى الشرق أو إلى الغرب. لم يعد سؤال المعتقد أو الدين سبباً أو دافعاً لأزمة فكرية أو سياسية. الشأن الديني أمر متفق عليه يحكمه إطار الوعي والإدراك الواضح والطبيعي في العلاقة بين الإنسان وبين نفسه وبينه وبين دينه.

لقد خاضت الشعوب والأمم في مسألة الدين والفلسفة وفتحت الجامعات ومراكز الأبحاث وظهر حكماء ومفكرون يطرحون المسائل بوضوح وحرية. أما من كان يخالفهم فقد كانوا يطرحون وجهات نظرهم لكن ليس من حقهم مصادرة رأى أو فكر من يعارضهم والمطالبة بحجبه أو منعه أو قتله.

دين النور والحضارة بات رهينة في أيدي المدّعين وفقهاء الظلام. محنة الإسلام اليوم أنه لم يعد ملكاً للإنسان، لنا كأفراد ومجموعات، بل مختطف من أحزاب ومدّعين ومنابر هي، في حقيقة الأمر، لا شأن لها من قريب أو بعيد بجوهر الإسلام. لهذا علينا نقد وتحليل خطاب الأيديولوجيا المتطرف وتعرية منطلقاته التدميرية.

اختيار ابن رشد كشخصية العام في معرض أبوظبي للكتاب رؤية ودعوة حقيقية لإعادة النظر في علاقتنا بمعتقدنا الديني وبالفكر الفلسفي والعقلي. إنه دعوة لإعادة قراءة موروثنا الفلسفي العربي والإسلامي، نحتاج أن يصبح هذا الموروث جزءاً هاماً من المناهج الدراسية في المدارس والكليات والجامعات، ونحتاج أن يتم تقديمه في برامج المؤسسات الثقافية والإعلامية، لأجل تنوير حاضرنا ومستقبلنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق