تحليل عملية لارناكا

السبت، 02 أبريل 2016 03:40 م
تحليل عملية لارناكا
محمد حسن الألفي


هو يوم غريب ، بالفعل . يوم الثلاثاء الماضي يوم غريب . وفي تاريخنا كطلبة وتلاميذ ، كان دوما يوما غريبا ذلك الثلاثاء . حاشد ، نحس ، متداخل ، حار، بارد ، حب ، حرب ، نجاح وفشل ، علقة في الفصل الصبح ، فيلم هندي حفلة ستة ،لكن يوم الثلاثاء الأخير ، بالنسبة لمصر كان من أعجب أيام الثلاثاء . بدأ بالنكد وانتهي بالفرح . ومع الفرح مفارقات مذهلة !
بدأ بالمصريين يفركون عيونهم ، ويصبحون علي مصر بجنيه وخمسة جنيهات ، والتاجر منهم يستهل رزقه بكلمات " يا فتاح ياعليم يارزاق يا كريم " ، وإذا بالشاشات تحمر وتعلن خطف طائرة ركاب مصرية ، كانت مسافرة من برج العرب الي القاهرة ، الرحلة ١٨١ ، وعلي متنها ٨٨ ، راكبا ، ظهر فيما بعد انهم ٦٤ راكبا
أرغمها الخاطف الغامض علي التوجه الي تركيا او اليونان ،لكن لقلة الوقود، اقنعه الطيار عمرو الجمال قائد الطائرة بالهبوط في مطار لارناكا بقبرص .
وترددت الشائعات ، بان الدوافع عاطفية زوجية ، أو سياسية ، لكن لفت النظر سرعة إطلاق سراح الركاب المصريين جميعهم واحتجاز اربعة انجليز وأمريكان الي جانب طاقم الطائرة ،٧ أفراد . ومع الثانية الإ الربع تماما بعد الظهر ، نزل الخاطف ، سيف مصطفي امام ، نصاب ومزور عريق ،٥٨ سنة ، متصابي الهيئة ، وسلم نفسه الي البوليس القبرصي .
وبذلك انتهت عملية لارناكا - ٢ دون إراقة نقطة دماء واحدة ، إذا استدعينا الي الذاكرة عملية لارناكا -١ التي أمر بها الرئيس الراحل السادات فأرسل قوات صاعقة لتحرير رهائن دون أن يستأذن من كبريانو رئيس قبرص وقتها ، و أريقت يومها دماء غزيرة عزيزة ، لأن قبرص اعتبرته عدوانا علي سيادتها .
مصر ارسلت هذه المرة أيضا قوات خاصة مصرية بعد عشرة دقائق فقط من عملية الخطف ، لكن بعد أن إستأذن الرئيس السيسي نظيره وصديقه القبرصي الحالي .

في الليل ، شهدت برج العرب ذاتها ، موقعة رياضية ، طاحنة ، بين المنتخب المصري ، والمنتخب النيجيري ، وانتهت بفوز مصر بشق الأنفس !
شق الأنفس هذه هي مربط الفرس ،في المشهد الحالي للجهاز العصبي للدولة وللناس !
طبعا التعبيران قديمان فصيحان جدا ،لكن لغتنا تجدد نفسها بأن تلتئم عليها الأحداث إلتئاما ، فتستدعيها لتصف وتجسد المعني .
ما علينا ، اقول ، لماذا نحن دائما ابدا شطار الإقليلا ! ناجحون الإ قليلا ، فرحون الإ قليلا ، نصنع معجزة مبهرة ونتلوها بمعجزة محبطة . لو تأملنا المشهد بروية ، السياسي او الرياضي ،ستجد شق الأنفس هذه مشتركة بين الشقين ، في ساحات الحكم أو ساحات الملاعب . إن دخلنامباراة ، يذهلك الحماس والتدفق والتوهج ، الاندفاع ، والركض، والتسديد ، وبعد ربع الساعة ، تجد الخمول ، والترهل ، والنكوص ، والحركة في المكان .
وفي السياسة ، عملنا ثورة عظيمة في ٣٠ يونيو، وتخلصنا من حكم التتار الاخواني ، واليوم ، نقول لمصر : حاربي وحدك ، واشتغلي وحدك ، وتسولي لنا،إ نا هاهنا قاعدون ، وماكثون ، لنحصي
الأخطاء والأموال
التي جمعتها من اللف علي بيوت الأشقاء ومن يسوي ولا يسواشي !
في المباراة ، اندفعنا ، وركضنا ، وعرقنا ثم تهنا ، ثم تحمسنا ،فأحرزنا هدفا ، ثم طرأت علينا الأعراض اللعينة ذاتها .
شق الأنفس تعني أن أنفاسنا قصيرة ، بفعل انسداد الشعب السياسية والرياضية والضميرية ، في رئتي الأمة معا ، فلا نأخذ الهواء كاملاء ولا نرسله علي مهل وتذوق وهكذا لا تكتمل بنا ولا لنا فرحة قط .
المبكي المضحك في الأمر الحالي ، أنه الشئ ونقيضه ، حرية عمالة ،وحرية وطن ، بطالة ووقف حال لناس ومهارات كثيرة ، ورزق غزير عميم لقلة تتاجر بحرائق الوطن . أمن شديد ومراجعة دقيقة ، بالمطارات ، وفرحة بقرب عودة السياح ، ثم حزام مطاطي طبي ، يمر من بوابة المطارالامنية ، علي نحو مفكك ، عبر حقيبة اليد ، ويهدد به الخاطف الركاب والطيار ، وتصير مصر طعاما للمتربصين والشامتين ويجفل الاصدقاء حتي عن أخذنا مأخذ الجد .. فهم أحرص علي سلام ابنائهم إن تركوهم يسافروا الينا من حرصنا نحن علي ان نحمي سمعة بلدنا.
في المشهد السياسي الهزلي الذي جرت وقائعه ثلاثاء الساخن والبارد الماضي يمكن رصد مايلي مؤكدا ماسبق في هزليته وومأساويته:
صار الأستاذ الدكتور البيطري ابراهيم سماحة ، بجامعة الاسكندرية ، الارهابي خاطف الطائرة ، علي جميع شاشات تليفزيونات العالم ، وأمام السلطات الأمنية ، وأمام زوجته واولاده وعائلته وزملائه ، في الدقائق الأولي لوصول الطائرة المخطوفة الي قبرص .
رأت زوجته الخبر ، روعت ، اتصلت به ، سخر ،وضحك ، أنا المخطوف ، ولست بالخاطف ، والخاطف فوق في الطائرة ، وانا ممن أطلق الخاطف سراحهم !
شكت فيه ، لكنه طمأنها وطلب اليها ضاحكا ان تراجع الشاشات .
كان ذهب يقضي حاجته بدورة المياه ، وكان مقعده فارغا ، فاعطي أحد افراد الضيافة بالطائرة رقمه ٣٠ صف k . في ثوان صار الأستاذ الجامعي ارهابيا !
سماحه كشف عن روح ساخرة ، بينما كشفت مضيفة من طاقم الضيافة عن شجاعة فائقة وشهامة ،هي ياسمين سبل ، و هي من وصلت آخر راكب ، وعانقته بأخوية ، وعادت أدراجها الي الخاطف ، لتواجه مصيرها مع بقية زملائها ، لم تفر ولم تستندل !
وبينما تخرج قبرص لتعلن أنها عملية جنائية وليست ارهابية ، في اليوم الاول للحادث وبعد القبض علي المجرم، ثم تخرج في اليوم الثاني لتؤكد أن الخاطف مختل ومضطرب نفسيا . نجد عندنا من يشعلها نارا
فرغم أنه انه كان واضحا التنبيه بقوة علي طاقم الطائرة بعدم الادلاء بمعلومات حفاظا علي مصلحة البلاد واقتصادها وامنها اذا بمذيع الحرائق يفتش ويفعص وينقب، ويستدرج ياسمين سبل وعمرو الجمال الي القول : العملية ضد الانقلاب وفيها نساء سجينات !
الصحافة ليست ضرب الوطن ، حتي لو حزت أدق الاسرار ، فالبلاء الناتج عن الإفشاء أفدح تكلفة من فرحتك باستقطار الأخرين ، ولا أريد الي استخدام لفظ أشد تأدبا ،تحت ستار حرية المهنة!
..!
شهوة قذرة بجد !

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة