"الطيَّار".. الذى أصبح شيخًا للأزهر الشريف
الخميس، 06 يناير 2022 01:08 م
يُكمل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب اليوم عامه السادس والسبعين، قضى نحو أحد عشر عامًا منهم شيخًا للأزهر الشريف. للإمام "الطيب" من اسمه حظ موفور. يجمع "الطيب" بين العالم والداعية المُستنير الذي يُقدم الفكر الإسلامي من خلال معرفة دقيقة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، فضلاً عن العربية. كما يمثل فضيلته الشخصية الثقافية الفاعلة في هذه اللحظة الحرجة في تاريخ مصر العربية. يُنظَرُ للإمام الأكبر باعتباره شخصية تجمعُ بين الباحث والأستاذ الأكاديمي المُتخصِّص في الفلسفة التي درس أصولها في فرنسا، وصاحب البحوث العلمية الجادَّة، والتدريسي في جامعات عربية متعدِّدة. كما يُمثل الوسطية الإسلامية البعيدة عن الغلوّ، والداعية إلى ثقافة التسامح والحوار والدفاع عن المجتمع المدني.
وقد تجلت أبعاد هذه الشخصية من خلال مواقفه ودعواته المتكررة لنبذ الفرقة والعنف، والاحتكام إلى العقل، والحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه. يظفر الدكتور أحمد الطيب بالتقدير والاحترام والتبجيل محليًا وعربيًا وعالميًا؛ بفضل مجهوداته المخلصة فى نشر ثقافة التراحم والتسامح والمودة واحتواء الآخر وتبنى خطاب عقلانى يجمع ولا يُفرق؛ لذا فإنَّ القيادات الدينية والسياسية فى جميع أنحاء العالم تنظر إليه نظرة إكبار وإجلال، وتحرصُ على استقباله أو الحضور إليه؛ لما لمسته فيه من جوانب شخصية وإنسانية رائعة ومُدهشة. ولأنَّ حكمة الله تتجلى فى أقداره، فإنَّ الأقدار خالفتْ هوى الفتى الصعيدى، ابن قرية "القرنة"، التابعة لمحافظة "الأقصر"، حيث تمنى أن يكون طيَّارًا، ولكنها دفعته دفعًا للدراسة الأزهرية، والنبوغ فيها والحصول على أرفع الدرجات العلمية، حتى صار مُفتيًا للديار المصرية بين عامى 2002-2003، ثم رئيساً للجامعة بين عامى 2003-2010، ومن بعدها شيخًا للأزهر الشريف، مُعاصرًا ومجابهًا لحزمة من التحديات والصعوبات المُتجددة فى الداخل والخارج، ولكنه نجح باقتدار وصمود فى اجتيازها جميعاً، مُتسلحاً بعزيمة لا تلينُ.
"شيخُنا الطيب، ابن الطيب، ابن الناس الطيبين".. هكذا يصفه مريدوه ومحبوه ويُلقبونه؛ بعدما غدا اسمه وصفًا ووصفه اسمًا، ويتجلى هذا فى التفاصيل الدقيقة لحياته، من حيث أدبه الجم فى التعامل مع الكبير والصغير، وزهده الواضح، وتصوفه الحقيقى، حتى أنه يقيم فى مسكن بسيط، ويتنازل عن كامل راتبه عن عمله شيخًا للأزهر وعن الجوائز السخية التى تلاحقه وتطارده من الخارج، فضلاً عن وجوه الخير التى لا تعد ولا تُحصى والتى ينفق فيها ماله.
فى بيانه الذى أصدره قبل 3 أعوام تزامنًا مع اليوم العالمى للسلام، أكد الأزهر الشريف، أن الإمام الطيب أعرب عن أمله في أن "يشكل اليوم العالمي للسلام، والذي يوافق الحادي والعشرين من سبتمبر من كل عام، فرصة كي يقفَ العقلاءُ وصُناع القرار في العالم أمام ضمائرهم، وينهضوا بمسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية تجاه معاناة وآلام ضحايا الحروب والصراعات"، وأنه "يسعى دائمًا خلال السنوات الأخيرة، بكل ما يملك من إمكانات، وبما لديه من تأثير واحترام لدى الشعوب الإسلامية والكثيرين عبر العالم، إلى نشر وتعزيز ثقافة السلام والحوار بين أتباع مختلف الديانات والحضارات".
كما نوَّه البيانُ إلى أنَّ شيخ الأزهر الشريف جعل من الدفاع عن قيم التسامح والتعايش قضيته الأولى؛ رافضًا دعوات التطرف والعنصرية والانعزال، ومؤكدًا أنه "يتمنى أن يلقى الله وهو سائر في طريق صنع السلام والتسامح".. هذا هو شيخ الأزهر الشريف الدكتور "أحمد الطيب"، رجلٌ لا ينطقُ إلا خيرًا، ولا يحمل إلا سلاماً للإنسانية جميعها دون تفرقة أو تمييز، وهو نموذج حضارى لما يجب أن تكون عليه القيادات الدينية فى مشارق الأرض ومغاربها، أمدَّ اللهُ فى عمره، وجعله فى حِصنه ورعايته وحمايته..