تعاظم الغضب الشعبي في عام 2011 مع احتدام الاحتجاجات الشعبية، ومع سعي البعض للتركيز على دور بعض الشخصيات على الصعيد السياسي في بعض الدول يقف من بعيد أبطال حقيقيون وهم فعليا ضحايا الحروب والعمليات الإرهابية التي ضربت بعض الدول العربية لتعيش المنطقة العربية فترة صعبة ودقيقة نتيجة الصراعات والنزاعات المسلحة التي عصفت بعدد كبير من بلداننا لعدة أسباب، وقد
هذه النماذج لابد أن تكون حاضرة في الأذهان وأن تكون في دائرة الضوء، ويتم إبرازها وتقديمها للشباب العربي كي يتعرفوا على هذه النماذج الذي تمكنت من الانتصار على الإعاقة التي تعرضوا لها بل وتمكنوا من تقديم نموذج ناجح لمتحدي الإعاقة.
الناشط الحقوقي الليبي عبد الله الغرياني، من مواليد عام 1991، وهو أحد الشباب الليبيين الذين تعرضوا لمحاولة اغتيال من الجماعات الإرهابية والمتشددة التي انتشرت في ليبيا، عقب أحدث 17 فبراير 2011، وحتى نهاية 2014، وذلك بسبب مواقف هؤلاء الشباب المطالبين، ببناء دولة مدنية تحميها المؤسسات العسكرية والشرطية بعد دخول البلاد مرحلة من الفوضى والانفلات الأمني، نتيجة تغول الميليشيات والتشكيلات الراديكالية والمتشددة في ليبيا.
أكد عبد الله الغرياني أن الجماعات المتشددة نفذت عمليات اغتيال وتصفية جسدية ضد الشباب الذين يقودون التيار المدني، مشيرا إلى أن الإرهابيين حاولوا اغتياله بتفجير سيارته، وهو بداخلها في السادس من فبراير 2014، بوضع عبوة ناسفة مؤقتة أسفل مقعد السيارة خلال توجهه إلى جامعة بنغازي، شرق البلاد.
حيث كان أحد أبرز الشباب الناشطين داخل اتحاد الطلبة بالجامعة، لافتا إلى أن العبوة الناسفة انفجرت بمجرد ركوبه للسيارة حيث كان تفجيرا قويا وأنه قد يكون حادث سير حتي اندفع لخارج السيارة من شدة التفجير، ووجد أنهارا من الدماء تسيل من جسده في مشهد مروع جدا، وحينها استوعب بأن ما حدث مع هي محاولة استهداف شخصه وعملية تصفية له، موضحا أنه جرى اسعافه سريعاً من خلال نقله لمستشفى الجلاء بمدينة بنغازي التي تقع شرق البلاد.
أشار الغرياني، إلى أن الدولة المدنية كانت خارج حسابات التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان، والجماعة الليبية المقاتلة، والتي أوعزت للمليشيات المسلحة بضرورة استهداف التيارات والأصوات المدنية المناهضة لها، والتي لاحقت الشباب الذي يقود الحراك المدني بممارسة القمع والإرهاب ضدهم، موضحا أنه مع ازدياد وتيرة الفوضى المسلحة نشأت جماعة أنصار الشريعة وهي فرع لتنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي بشكل علني وواضح في شهر يوليو 2012، وذلك دون تحرك ملحوظ من قبل المليشيات المسلحة التي رفعت شعار الثورة الممولة والمدعومة من قبل الاخوان والجماعة الليبية المقاتلة.
وانتقد الغرياني، الفتاوي التي كانت تصدر باسم الدين عبر مفتي ليبيا حينها الصادق الغرياني الذي توحدت بنادق الميليشيات المسلحة والمتشددة لتنفيذ الفتاوى الصادرة عنه، وواجه التيار المدني خطر داهما لأنه يعمل بشكل سلمي وبدون سلاح أو حماية شخصية لنا بعكس هؤلاء.
يشير الشاب الليبي، إلى أن الموت عانقه بعد استهدافه بعبوة ناسفة حتى تحسنت حالته الصحية قليلا، وخرج إلى العاصمة الأردنية، عمان، لمواصلة العلاج، مشيرا إلى أن رحلته العلاجية ازدادت صعوبة، بسبب الإصابة البليغة، وحجم الألم وحياة مختلفة كلياً عن حياته قبل الاستهداف، مشيرا إلى أن الإيمان بعدالة القضية التي ناضل واستهدف من أجلها كان أكبر محفزا له على الصمود للنهوض من جديد، موضحا أن الإصابة التي تعرض لها سببت له عجزا على مستوى الساق اليمنى والتي فضل الأطباء عدم بترها بسبب عمق الإصابة المتمركزة في منطقة الحوض و"الورك الأيمن"، بالإضافة إلى إصابات بمنطقة البطن مع استقرار 30 جسم معدني من مخلفات العبوة الناسفة داخل جسده، لافتا إلى أن كل هذه العوامل تسببت في إصابته بإعاقة حركية جزئية.
يؤكد الشاب الليبي عدم وجود اهتمام كبير داخل ليبيا بمصابي العمليات الإرهابية أو الحروب لأن المراكز الطبية تعاني من نواقص في الاحتياجات وهو ما دفعني لحسم قراري والخروج للاستقرار في ألمانيا بولاية برلين، مشيرا إلى أنه غير نادم على مشاركته في الحراك المدني لإيمانه بقضية وطنه وهو ما زرع بداخله قوة قادرة على الانتصار من الظلاميين الذين استهدفوه، مشيرا إلى أن ما تعرض له هي ضريبة كبيرة للتخلص من الإرهاب والتطرف.
ولفت الغرياني إلى أن الإعاقة التي حدثت له لم توقفه أبدا بل تحرك بكل إصرار وأمل لاستكمال دراسته الجامعية التي انقطع عنها لمدة ست سنوات كاملة، موضحا أنه يعكف حاليا على الانتهاء من أول كتاب له يلخص محاولة اغتياله وتصفيته في مدينة بنغازي، مؤكدا أنه لا شيء يوقف عزيمة الإنسان والإعاقة الحقيقية هي التي يعاني منها القتلة والمجرمين الذين يعانون من إعاقة على مستوى التكفير والترهيب والغلو والتطرف لأنهم بأفكارهم هذه يجعلون المجتمعات عرضة للعجز وعدم القدرة على النهوض والتطور، مؤكدا أن يسعى لتحويل هذه المحنة التي تعرض لها إلى منحة تدفعه نحو تحقيق أحلامه التي يسعى لتنفيذه في وطنه.
ويعمل الشاب الليبي عبد الغرياني على دعم الحراك المدني وكافة التحركات الجارية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا، مؤكدا تمسكه بأن تنهض ليبيا وتتوحد مؤسساتها العسكرية والأمنية لبناء دولة ديمقراطية ومدنية حديثة.
ولا توجد إحصائية رسمية حتى الآن بمصابي العمليات الإرهابية التي تعرضت لها ليبيا خلال الفترة من 2011 وحتى 2019 بسبب عدم وجود شفافية أو اهتمام حكومي بالخصوص، إلا أن التقديرات الأولية التي كشف عنها نشطاء ليبيون بأن عدد جرحى العمليات الإرهابية بلغ حوالي 10 آلاف مصاب.
تعد قصة الشاب السوري يوسف الحاج، أحد أبرز القصص القاسية، حيث فقد الشاب البالغ من العمر 26 عاما، نصف جسده نتيجة قصف الطيران الحربي لمدينة حلب في عام 2016، وذلك خلال المواجهات الشرسة بين حكومة دمشق، بدعم من روسيا ضد الكتائب المسلحة وقوى الثورة التي كانت منتشرة في المدينة.
يوسف الحاج، من مواليد حي فقير في مدينة حلب، ينحدر من أسرة متوسطة الحال، ودفعته ظروفه العائلية لترك الدراسة عام 2009 للعمل في أحد مصانع البلور حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث شارك في كافة الفاعليات الجماهيرية التي يتم الدعوة لها، وانتقل للعيش في مدينة إسطنبول التركية عام 2013 وبات أحد اللاجئين السوريين في بلاد لا يعرف عنها شيء.
وأكد الشاب السوري، أنه ترك تركيا في عام 2016، وتوجه لمدينة حلب لصد الهجوم الذي قادته قوات الحكومة السورية في دمشق بدعم روسي، مشيرا إلى أنه تمكن من الدخول للمدينة والمشاركة في معركة "الراموسة"، إلا أن الطيران الحربى استهدف سيارة بها ثمانية من أصدقائه في 22 أغسطس 2016، بصاروخ فراغي، ما أدى لمقتل خمسة أشخاص، وتعرض هو للإصابة التي أصابته بإعاقة على مستوى اليد والقدم.
لم يتخيل الشاب السوري، أنه سيكون على قيد الحياة بعد القصف العنيف الذي تعرضت له السيارة التي تقلهم في حلب، إلا أنه استيقظ داخل مستشفى ميداني وتعرض لصدمة كبيرة، نتيجة فقدانه يده اليمنى، وقدمه اليمنى أيضا، وبات يفكر مليا في كيفية استمرار حياته وهو يعيش بيد وساق واحدة في ظل القصف المستمر لحلب خلال فترة تواجده في المستشفى الميداني.
ولفت الشاب السوري، إلى أن المفاوضات التي أدت إلى تهجيره وخروجه من حلب في 15 ديسمبر 2016، واصفا هذه اللحظات بالقاسية لخروجه من مدينته ونصف جسده مدفون بها، لافتا إلى أنه ترك روحه معلقة على أبواب حلب وذهب إلى مدينة إدلب السورية إلى أن تمكن من الدخول للأراضي التركية.
انتابت الشاب السوري حالة من القلق والذي كان ينتظر تركيب طرف صناعي ليتمكن من السير مجددا على قدميه، وما إن تم له ذلك كان القرار الأصعب والتحدي بينه وبين المجتمع إما الاستسلام للوضع الحالي أو تحمل الكثير من التعب لإثبات وجوده وقد اختار التحدى بمواصلة الكفاح والعمل لأنه لن يتحمل أبدا نظرات التعاطف والحزن التي كانت بمثابة سهام توجه له من المجتمع الذي يعيش فيه، لافتا إلى أن إعاقته لم تهزمه بل تمكن من العودة سريعا لحياته الطبيعية إلى أن ساعده القدر في الحصول على فرصة عمل بإحدى الإذاعات السورية منذ عام 2017 وحتى اللحظة.
أجرى الشاب السوري، يوسف الحاج، رغم صغر سنه 6 عمليات جراحية، خلال عام 2020، نتيجة الضغوط التي يتعرض لها في العمل، إلا أنه بقي صامدا في عمله رغم التحديات والصعوبات التي تواجه يوميا.
لم يستسلم الشاب السوري، بل لجأ إلى العمل التطوعي مع الكثير من منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية وبات يتنقل داخل الأراضي السورية مجددا لمساعدات السوريين المتواجدين في المخيمات العشوائية، لافتا إلى أنه أصبح ناشطا مجتمعيا وبات يترك أثرا جميلا لدى الأشخاص رغم الضغوطات النفسية والمادية والاجتماعية التي يتعرض لها.
وتابع الشاب السوري يوسف الحاج: "انتصرت على من كانوا يقولون لي أنني أصبحت مقعدا لكنهم لا يعلمون أنني أعمل على صنع جيل من بعدي قادر على اكمال المشوار.. لم أهزم بل تحولت إلى نموذج ناجح بين الجميع .. كثيرون غمروني بالطاقة الإيجابية والدعم بعد نشر وسائل الإعلام لقصتي وحاولت أن يكون لي مشروعي الخاص وفشلت لكني مستمر وسأعمل على استجماع قدراتي للدخول لسوق العمل."
وأسفرت الحرب السورية، عن إصابة 2.1 مليون شخص بإصابات تسببت لكثير من السوريين لإعاقات دائمة، وتم تهجير 13 مليون شخص إلى مناطق اللجوء والنزوح داخل البلاد وخارجها، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل 389 ألف شخص، منهم 117 ألف مدني، من بينهم 22 ألف طفل، و14 ألف امرأة، و81 ألفا من الرجال.
يعج قطاع غزة، بعدد ضخم من الجرحى والمصابين الذين تعرضوا لإعاقة كلية أو جزئية، بسبب الحروب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وهو ما تسبب في وجود عدد كبير من الشباب الذين يعانون داخل القطاع، بسبب الحصار المستمر منذ سنوات، إلا أن شريحة واسعة من الشباب الفلسطيني أصر على الانتصار على الإعاقة التي تعرضوا لها، بسبب الحروب المتتالية بتحويل إعاقتهم الجسدية إلى دافع للنجاح.
من أبرز النماذج الشبابية الفلسطينية التي تعرضت لإصابة جراء عملية "الرصاص المصبوب"، التي شنتها إسرائيل عام 2008 هو الجريح الفلسطيني محمد طوطح الذى فقد قدمه اليمنى بسبب العدوان، إلا أن هذه الإصابة لم تمنعه من العودة لحياته الطبيعية، بل وتحويل إعاقته لدافع للنجاح، بحيث أصبح أحد أبرز الفنانين الفلسطينيين في مجال النحت على الرمال وذاع صيته بشكل كبير داخل غزة وخارجها.
وأشار طوطح إلى أن الإصابة التي تعرض لها وأدت لبتر ساقه لم تمنعه من ممارسة الأنشطة التي يحرص عليها، مؤكدا أنه فنان تشكيلي ينحت على رمال البحر منذ 12 عاما، أي بعد الإصابة مباشرة، موضحا أنه يستخدم مواقع التواصل الاجتماعى لنشر أعماله الفنية التي لاقت استحسان وإشادة الكثيرين سواء داخل فلسطين أو خارجها.
وأشار إلى أن بتر ساقه لا يمنعه من ممارسة الرياضة أيضا، حيث أنه يحرص على ممارسة رياضة الحديد ولعب رمي الجلة، مؤكدا أن عزيمته وإصراره وطموحه ساعدوه في إكمال مسيرته الفنية، موضحا أن الجريح أو المصاب يعاني من تحديات كثيرة منها طلبه الدائم للآخرين بمساعدته في تجاوز الصعوبات التي تعوقه، داعيا أي شخص يتعرض للإعاقة بسبب إصابته أن يعمل بكل عزيمة وإصرار لإكمال حياته.
يشير مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة إلى إن أكثر من 250 ألف فلسطيني أصيبوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأعوام 1987 حتى 2020، ما أدى لإصابة عدد كبير من هؤلاء بإعاقة كلية أو جزئية.
عاش العراقيون فترة صعبة بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على غالبية المحافظات العراقية عام 2014، واستخدم عناصر التنظيم الإرهابي أبشع الطرق لإرهاب المواطنين، وإحكام قبضتهم على كافة المدن والبلدات العراقية التي هيمن عليها التنظيم الإرهابى في أيام معدودة.
إدريس بشار سلو، هو مواطن عراقي ينتمي للمكون الإيزيدي، ومن مواليد عام 1970، ويعتبر من الناجين القلائل من مجزرة داعش في قرية كوجو، بجبال سنجار، يروى إدريس تفاصيل عمليات الاعدام الجماعي الذي نفذه تنظيم داعش لأبناء الطائفة الإيزيدية رميا بالرصاص، حيث نقل عناصر التنظيم العشرات وإعدامهم رميا بالرصاص في الجهة الشرقية من قرية كوجو بمسافة 350 مترا نحو طريق بليج.
ويؤكد بشار، أنه بعد إنزال الجميع من السيارات طالب عناصر داعش الجميع بالوقوف صفا واحدا، وتم إطلاق وابل من الرصاص بشكل عشوائي، وكان أحدهم يوثق عملية الإعدام بكاميرا فيديو، وقد تعرض هو للإصابة بثلاث رصاصات في الأطراف، وقالوا فيما بينهم بأن صاحب "الدشداشة" الرمادي فيه روح ويتنفس (كان المقصود أنا)، وفي هذه الأثناء سمعوا صوت الطائرة تحلق في المساء، فسمعتهم وهم يرددون: غيروا المكان، ثمة طائرة قادمة.
وأوضح، أنه لم يرفع رأسه عقب مغادرتهم، خوفا على حياته، إلا أنه غادر القرية على تمام الساعة الثالثة والنصف عصرا بالزحف على ركبتيه، واختبأ في أحد البساتين حتى غروب الشمس، حيث تعرض لنزيف كبير بسبب إصابته، مضيفا "في البستان لم يكن هناك ماء، وكنت في غاية العطش، وكانت الطماطم متوفرة في المزرعة، ورأيت قنينة ماء قذرة، وكنت أعصر حبة الطماطم في القنينة، وأشرب عصيرها، وبعد أن أسدل الظلام، مشيت وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساء، ووصلت إلى قرية (بسكي الجنوبي) زحفاً على الركبتين."
وأوضح أنه قبل وصوله بخمسين متراً من القرية (عشيرة المتيوتة العربية) طلب منهم الماء، وقد حمله شخصان ووفرا له الماء وحينها طلب منهم إيوائه، لكنهم رفضوا، قال لهم نحن (جيرة)، وأنا مصاب في هذا الليل لكنهم طلبوا مني الرحيل، وطلبت منهم مادة سامة كي أنقذ نفسي من العذاب، إذ كنت أتألم جداً بسبب آلام جروحي، ولم أستطع متابعة الزحف على الركبتين لأنهما وتعرضت لإصابات كثيرة نتيجة الزحف مسافة طويلة، ونزفت كثيراً من الدم بسبب ذلك، وكنت حافياً، حيث جلبوا لي حذاء، ثم طلبوا مني المغادرة فوراً.
وتابع بشار حديثه بنبرة حزن "كان هناك شاب غيور قدَّر مأساتي، وأشفق علي، وقال: أذهب إلى العراء خارج القرية، وسأساعدك قدر الامكان، زحفت على الركبتين والجروح تنزف، وفي العراء طلبت منه الموبايل، وبعد الاتصال مع أحد معارفي، أقبل وأنقذني من هناك في الساعة الرابعة فجراً، وحملني وتم علاج جروحي، وفي اليوم التالى لم يستطع إيوائي، فطلبت منه الموبايل واتصلت بشخص آخر، أعلمته بما حدث لي، رجوت منه مساعدتي، وقد حضر في العاشرة والنصف السبت 16 أغسطس 2014، وحملني إلى منطقة خاوية تبعد 45 كلم جنوب البعاج، بقيت وحيداً في خيمة صغيرة، داخل مزرعة، وفي الساعة الثالثة من يوم 17 أغسطس في ذات العام نفذ البرد في كامل جسدي، ثم جاءني صديقي، وقال: كيف حالك؟ قلت له (أشعر بالبرد في كامل جسدي) ، فقال: المصاب حينما يبرد فإنه في حالة خطرة، سأنقلك إلى الموصل.
وأوضح إدريس بشار، أنه على تمام الساعة التاسعة مساءً وصلوا إلى مستشفى الجمهوري في الموصل، وأجريت له الفحوصات والأشعة، واضطر لتغيير اسمه في المستشفى، وأخبرت الأطباء أني تعرضت للإصابة بسبب إطلاق أشخاص الرصاص بشكل عشوائي على سيارتنا، وقد كانت الصدمة كبيرة عندما وجدت قرابة أربعين داعشياً تمت إصابتهم من قبل كمين للبيشمركة جنوب سد الموصل، فأصبحت معهم ممدداً على الأسرَّة، وعلى يميني داعشي وعلى يساري داعشي.
وفي هذه الأثناء، زار المستشفى أمير من تنظيم داعش الإرهابي، المستشفىن وأعتقد أني من جماعتهم، منحني الأمير الداعشي هذا 100 دولاراً، كبقية المصابين، وطلبت إدارة المستشفى مني المغادرة، فخرجت في الساعة الثانية عشرة والنصف ليلاً، كنا في الشارع العام وفي منطقة خالية من البشر، وقد تمنيت الموت ألف مرة، حيث قتل أشقائي ووالدي في المجزرة، وبقية العائلة كانت تحت رحمة الدواعش، ولم يبق من العائلة إلا أنا، وبعد تصليح السيارة، وصلنا إلى جنوب البعاج عصراً وكانت إصابتي بحاجة إلى ضماد وقد تألمت كثيراً.
وأشار إدريس بشار إلى من وصفهم بـ"أهل الرحمة"، الذين يحملون شيم متوارثة وهي مساعدة ونجدة الآخرين، في ظل وجود كثير من الاشخاص يودون إنقاذ المخطوفين والمصابين والدخلاء، ولكن جرّاء قسوة الدواعش وأساليبهم الاجرامية، كان الناس يتجنبون المخاطر.
وأكد بشار إدريس أنه بعد معاناة طويلة عاد إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي رغم الإصابات الخطيرة التي تعرض لها في قدميه وفقدانه لكامل عائلته، مشيرا إلى أنه لم يستسلم وعاد لحياته الطبيعية بالعمل بكل اجتهاد وإخلاص كي يساهم في إعادة بناء وطنه الذي دمره أصحاب الأفكار الظلامية والمتشددة.