آبي أحمد.. رجل الانتصارات الزائفة
السبت، 11 ديسمبر 2021 05:08 م
جبهة تيجراي تؤكد استمرار الزحف نحو تحرير العاصمة الاثيوبية وإسقاط رئيس الوزراء و"محاسبة مجرمي الحرب"
بيانات ومواقف متتالية من دول كبرى تندد بالانتهاكات والنهج الدموي لقوات الحكومة الاثيوبية وآخرها حملة الاعتقالات والتصفية الجماعية لمدنيين من تيجراي
ضحايا الصراع الإثيوبى فى تيجراى.. غضب أممى بسبب تقارير حول انتشار العنف ضد النساء والفتيات فى تيجراى وأمهرة وأفار
لم يجد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام تقدم الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيجراي في جبهات القتال سوى ممارسة ألاعيب خداع الشعب كسياسة عامة انتهجها منذ توليه مهام منصبه، فقد روج رئيس الوزراء الحاصل على نوبل للسلام لانتصار مزيف وإيقاف مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيجراي عن الزحف نحو العاصمة الاثيوبية أديس أبابا.
وقف آبي أحمد بين أنصاره وأطلق تصريحات نقلتها وسائل إعلام موالية للحكومة الاثيوبية زعم فيها تحقيق انتصارات في جبهات القتال وتكبيد جبهة تجراي خسائر وصفها بالفادحة، ثم وجه بالاحتفال بهذه المناسبة، غير أن وقتا كبيرا لم يمر على تصريحات آبي أحمد والتي يبشر بيها بالانتصار المزيف، حتى تعالت الصرخات من الحكومة الاثيوبية بقيادة آبي أحمد يطالب منظمات العالم والدول الافريقية بالتدخل لإيقاف زحف جبهة تيجراي ومتهما إياها بارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الشعب الاثيوبي.
لكن على أرض الواقع فإن الحرب الدامية مستعرة بين جيش الحكومة الاثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير شعب تيجراي بمباركة آبي أحمد نفسه الذي أغرق البلاد في الفوضى وبحور الدماء التي يبدو أنها لن تضع أوزارها في القريب العاجل.
في الحرب المشتعلة في الداخل الاثيوبي منذ نحو عام تكبدت حكومة إثيوبيا خسائر فادحة، أمام تقدم كبير لجبهة تحرير شعب تيجراي والإعلان عن سيطرتها على مزيد من المدن المهمة نحو اقتحام وإحكام الخناق على العاصمة الاثيوبية أديس أبابا.
تقارير وسائل إعلام موالية لآبي أحمد تحدثت عن دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات مفاجأة من تعبئة الشعب الأثيوبي للحرب وفرض حالة الطوارئ، في الوقت الذي تواصل فيه جبهة تحرير شعب تيجراي وجيش أورومو المعارضة للنظام الأثيوبي تقدمها نحو العاصمة، وتسيطر على أهم المدن، في طريق إسقاط آبى أحمد.
دوليا، لم تنقطع الإدانات عن ممارسات آبي آحمد وسياسته التي تؤجج الصراع وتخلف مزيدا من القتلى بينهم أبرياء مدنيين، فمؤخرا عبرت 6 دول كبرى وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا والدنمارك وهولندا عن "قلقها البالغ" بشأن تقارير عن احتجاز إثيوبيا أعدادا كبيرة من المواطنين على أساس أصولهم العرقية، وحثت حكومة آبي أحمد على وقف هذه الاعتقالات على نحو سريع لمنع تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل البلاد الذي يعاني الفوضى والدمار.
وأعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن جريفيث أن تطور النزاع في إثيوبيا إلى أعمال عنف طائفية يمكن أن "يفكك" نسيج المجتمع وأن يؤدي الى نزوح يذكر بمشاهد الفوضى التي عمت مطار كابول في أغسطس الماضي. وحذر من أن معارك في العاصمة أديس أبابا وتزايد العنف الطائفي قد يؤديا الى "تفاقم" الوضع بشكل كبير.
وفي مطلع ديسمبر أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى موسى فقى، أن وقف إطلاق النار والحوار السياسي السبيل الوحيد لحل الأزمة في إثيوبيا.
في غضون ذلك، تؤكد التقارير المتواترة من الداخل الاثيوبي وتنقلها وسائل إعلام أجنبية ما أعلنه قائد قوات جبهة تحرير شعب تيجراى، الجنرال تاديسى ويريد، من أن قواته تعد لهجوم كبير سيحسم المعركة مع قوات الحكومة بقيادة رئيس الوزراء آبى أحمد.
وقالت جبهة أورومو المتحالفة إن قواتها تتقدم بسرعة نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا من الجنوب والغرب مع جبهة تحرير شعب تيجراي الإثيوبية المعارضة للنظام الإثيوبى، فيما قررت السلطات فى إثيوبيا، إغلاق جميع المدارس الثانوية
في يونيو الماضي، استعادت جبهة تحرير تيجراي معظم اقليم تيجراي ثم تقدموا باتجاه منطقتي عفر وأمهرة، وأعلنوا مطلع نوفمبر 2021، أنهم استولوا على بلدتي ديسي وكومبولتشا، المحور الاستراتيجي على الطريق المؤدي إلى العاصمة.
وفي الوقت الذي قصفت فيه القوات الحكومية سد تيكيزي الكهرومائي شمالي البلاد، وألحقت أضرارا بالغة ستعود على البلاد، جددت مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية تأكيدها الحصول على تقارير مؤكدة تفيد بعمليات اعتقال واسعة على المنتمين لعرق تيجراي في العاصمة، ولم يجد ليجيسي تولو المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية ولا دينام فتي المتحدث باسم وزارة الخارجية ما يردان به على التقارير الأممية المؤكدة بتورط آبي أحمد في عمليات الإبادة الجماعية لشعب تيجراي بمباركة تحركات قواته.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت، في وقت سابق، عن اعتقال 16 شخصا على الأقل من موظفيها المحليين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وادعى متحدث باسم الحكومة الإثيوبية أنهم اعتقلوا "لمشاركتهم في الإرهاب"، تبعا لحالة الطوارئ الجديدة مع تصاعد الحرب في البلاد، لكن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال للصحفيين "أن الموظفين محتجزون رغما عنهم"، مضيفا أن ستة موظفين آخرين اعتقلوا ولكن تم إطلاق سراحهم، كما تم اعتقال عدد من أفراد أسر الموظفين، بينما ذكرت الأمم المتحدة أنه لم يتم تقديم أي تفسير لاحتجازهم، لكن أبناء عرقية تيجراي، وبينهم محامون، أبلغوا عن اعتقالات واسعة النطاق في أديس أبابا منذ إعلان حالة الطوارئ، مضيفين أنه يتم اعتقال الأفراد على أساس عرقي فقط.
وطالبت المنظمة الدولية من الخارجية الإثيوبية بالإفراج فورا عن الموظفين الموقوفين، وقال أحد عمال الإغاثة لوكالة أسوشيتد برس، بشرط عد كشف هويته خشية الانتقام، إن جميع الموظفين المحتجزين هم من عرقية تيجراي.
وجاءـ هذه الاعتقالات، بعد ختام زيارة منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة مارتن جريفيث إلى إثيوبيا، التي التقى خلالها رئيس الوزراء و"سلطات الأمر الواقع" في تيجراي، مطالبا بحق الوصول إلى ملايين المحتاجين، وفي الشهر الماضي، طردت الحكومة الإثيوبية 7 من موظفي الأمم المتحدة من البلاد، متهمة إياهم بتضخيم حجم الأزمة كذبا، في خطوة قوبلت بإدانات دولية واسعة.
وقبل أيام أشار آبي أحمد إلى وسائل إعلامه بالترويج لاستعادة مدينتي ديسي وكومبولشا الاستراتيجيتين في شمال البلاد بعد أكثر من شهر على إعلان مقاتلي جبهة تحرير شعب تيجراي السيطرة عليهما، وجاء في تغريدة للمكتب الإعلامي للحكومة الاثيوبية أن "قوات الأمن الباسلة حرّرت مدينتي ديسي التاريخية وكومبولشا التجارية والصناعية"، وقبل شهر كان مقاتلي "جبهة تحرير شعب تيجراي" يهددّون بالزحف على أديس أبابا بعدما سيطروا على ديسي وكومبولشا الواقعتين على طريق سريع يربط العاصمة بشمال البلاد وبجيبوتي. وكان المتمردون أعلنوا سيطرتهم على شيوا روبت الواقعة على بعد 220 كيلومترا شمال-شرق أديس أبابا.
ونقلت "المؤسسة الإثيوبية للإرسال" الحكومية عن آبي قوله إن المتمردين "تكبّدوا خسائر فادحة و(كانوا) عاجزين عن مقاومة هجوم" الجيش المتحالف مع ميليشيات عدة موالية للحكومة، وأعلنت السلطات الإثيوبية أن القوات الموالية للحكومة استعادت السيطرة على موقع لاليبيلا المدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، الذي سقط في أغسطس بين أيدي متمردي إقليم تيجراي.
لكن كل مزاعم آبي أحمد وإعلان انتصاراته تصدم بتقارير مؤكدة إلى تكبد قواته مزيدا من النزيف أمام مقاتلي تيجراي قبل التأكيد على تقدم الأخيرة نحو حصار العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، فيما نفى زعيم جبهة تحرير شعب تيجراي ديبريتسيون جبر ميخائيل أن تكون كفة الحكومة باتت مرجحة الآن، وأكد أن المتمردين بصدد إجراء إعادة تنظيم استراتيجية لصفوفهم ولم يهزموا.
ويظل آبي أحمد، المتهم الأول في إشعال الحرب داخل البلاد بعدما أجج اندلاع النزاع في نوفمبر 2020 وأرسل قوات إلى منطقة تيجراي الواقعة في أقصى شمال البلاد للإطاحة بجبهة تحرير تيجراي ردا على هجمات على معسكرات الجيش، وفق قوله.
وفي يونيو، استعاد مقاتلي تيجراي السيطرة على معظم المناطق ثم تقدموا باتجاه منطقتي عفر وأمهرة، حيث أكدوا الاستيلاء على بلدتي ديسي وكومبولشا.
واصطدمت مغامرات آبي أحمد بإشعال حرب البلاد في محاولة للهرب من الثورة الشعبية نتيجة تردي أحوال البلاد الاقتصادية، ثم وأثار التصعيد الداخلي قلق حكومات غربية، فطلبت دول عدة من بينها الولايات المتحدة وكندا وفرنسا من رعاياها مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن القتال أسفر خلال 13 شهرا عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليوني شخص وجعل مئات الآلاف عرضة لخطر المجاعة.
ولم يبد أن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الاتحاد الإفريقي من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار ستسفر عن تحقيق أي تقدّم ملموس، في الوقت الذي جاء فيه بيان الدولة المشترك الولايات المتحدة ودول حليفة معبرا عن بالك القلق ومؤكدا أن "الكثير من ممارسات حكومة آبي أحمد قد تشكل انتهاكا للقانون الدولي ويجب أن تتوقف فورًا"، معربة مرة جديدة عن "قلقها الكبير إزاء التجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان على غرار العنف الجنسي المرتبط بالنزاع".
وتطرّق البيان المشترك إلى معلومات كشفتها منظمة العفو الدولية والمفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان تفيد عن توقيف عدد كبير من الأشخاص من إقليم تيجراي، بينهم "كهنة أرثوذكس وأشخاص مسنون وأمهات مع أطفالهنّ"، مشيرا إلى توقيف أشخاص من دون أن يوجّه إليهم أي اتهام ومن دون أي محاكمة واعتقالهم في "ظروف غير إنسانية"، ودعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأطراف كافة إلى "وقف دائم لإطلاق النار من دون شروط مسبقة" إلى اغتنام فرصة التفاوض حول وقف دائم لإطلاق النار بدون شروط مسبقة".
من جهة أخرى أعرب خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة عن قلقهم البالغ إزاء انتشار العنف الجنسى والعنف القائم على النوع الاجتماعى المرتكب ضد النساء والفتيات فى تيجراي وأمهرة وأفار بإثيوبيا من قبل أطراف النزاع، وقال الخبراء "إن هذه الأعمال يبدو أنها استُخدمت كجزء من استراتيجية متعمدة لترويع وإهانة وإذلال الضحايا ومجموعة الأقليات العرقية التى ينتمون إليها"، وأضافوا "تشكل أعمال العنف هذه بعضا من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنسانى".
وأكد الخبراء أن لهذه "الأعمال الوحشية" آثارا جسدية ونفسية مدمرة على الضحايا، وقد تفاقمت بسبب عدم قدرة الناجيات على الوصول إلى المساعدة والدعم والإنصاف، مشيرين إلى انه رغم أن الأعداد الدقيقة للعنف القائم على النوع الاجتماعى غير معروفة، فإن التقديرات مروّعة. من فبراير حتى أبريل 2021، سجلت المرافق الصحية أكثر من ألف حالة، وفى شهر يوليو وحده، أبلغت عن 2,204 حالات فى منطقة تيجراى.
وأفاد أحد المراكز بأن الضحايا فى أكثر من 90 فى المائة من الحالات كانوا فتيات قاصرات، ويُقدّر أن الزيارات إلى المركز قد تضاعفت أربع مرات منذ اندلاع الصراع قبل عام، وذكّر الخبراء أن هذه الأعداد قد تكون أقل من المدى الحقيقى للعنف القائم على النوع الاجتماعى الذى يُرتكب فى إثيوبيا، وأشاروا إلى أن هذا النوع من العنف لا يُبلّغ عنه بشكل كبير بسبب الخوف ووصمة العار، وفى هذا السياق بالذات، عدم إمكانية الوصول إلى مراكز الصحة والدعم.
وقال الخبراء: "تعرضت النساء والفتيات النازحات داخليا فى إثيوبيا، واللاجئات والفتيات اللاتى يعشن فى منطقة تيجراى بشكل خاص للعنف الجنسى وتأثرن بشكل خطير جرّاء النزاع، وإضافة إلى العواقب الوخيمة للعنف الجنسى، تضرر معظم الضحايا أيضا بطرق أخرى من النزاع، بما فيها قتل أقربائهم المقرّبين، ودعا الخبراء إلى احترام حقوق الإنسان وصونها، ومنع الانتهاكات فى أى إقليم.